ألعاب أولمبية في الصعيد

ألعاب أولمبية في الصعيد

17 اغسطس 2016
+ الخط -
قبل إنشاء السد العالي، كانت بلدتنا الرابضة أسفل الجبل الغربي على موعد سنوي مع بطولة ألعاب أولمبية، تبدأ منافساتها بعد وصول بحر الدميرة (مياه الفيضان) وغمرها الأراضي الزراعية، وتعطل أهلها عن مزاولة أعمالهم الزراعية، واتساع أوقات فراغهم التي كانوا يقضونها في قعدات السهارى والمصاطب التي ألهمتهم أفكاراً لابتكار ألعابٍ، يشغلون بها أيامهم الطويلة الممتددة بطول أيام الفيضان، ومن هذه الألعاب:
الرماية: كعادتهم، يبدأ الصعايدة يومهم قبل شروق الشمس، ولكن في أيام الفيضان، لا أعمال ولا مشغوليات لهم، كما أنّه لا يمكنهم البقاء في منازلهم. لذا، يتوجهون إلى قعدات السهارى المنصوبة، ليبدأوا رياضة الرماية. ولكن بطريقتهم، فهم يسمونها "لعبة الناصوب"، حيث ينصبون شاهداً، غالباَ ما يكون بعدد من علب السمن الفارغة فوق بعضها، تسمى ناصوب، يتناوبون على رميه بعدد من الطوب الذي جمعوه أمامهم، بعدما جلسوا القرفصاء صفاَ واحداً. صحيح أنّ من يقوم بإصابة الهدف وإسقاطه أرضاَ لا يحصل على ميدالية، لكنه يحصل على ثقةٍ معنويةٍ، مع لفت انتباه الآخرين إلى مهارته، وأخذها في الاعتبار عند المشاجرة مع عائلته.
المصارعة: يلعب الصعايدة المصارعة، ولكن تحت اسم "المشابطة"، تبدأ بكلمة تشابطني، أي تقدر تسقطني أرضاَ، يقولها شخص متحدياً أحد الجالسين، ووسط تشجيع من الجمع تبدأ المشابطة، حيث يلّف كل منهما زراعيه حول وسط الآخر محاولاً إسقاطه أرضاً، وغالباً ما تنتهي المشابطة بخناقة لعدم تقبل المهزوم للخسارة.
سلاح الشيش: ليس لدى الصعايدة شيش، لكنهم يمتلكون عصاً يحطبون بها، ولعبة التحطيب أساسها الدفاع، ولا مانع من الهجوم إن أمكن، حيث يتلقى الشخص ضربات خصمه على عصاه، ويعتبر أحدهم فائزاَ إذا سجل "باب"، والباب أن تلمس عصاه جسد خصمه. ولكن التحطيب يختلف عن المشابطة، فلا ينتهى بخناق، فهو لعبة فتوات "وضربة عصا التحطيب ملهاش رده " هكذا يقولون.
رفع الأثقال: لم يكن أهل بلدي بحاجة لحديد لرفع الأثقال، وعندهم ذلك الحجر الذي يتبارى الرجال الأشداء على رفعه، فمن ذا الذي يستطيع رفعه فوق كتفه؟ وتكمن شهرة هذا الحجر ومكانته على أي حجر آخر، ليس فى حجمه الضخم، وشكله الدائري وملمسه الناعم فقط، ولكن في قصة إحضاره من الصحراء القريبة، هو أنّ صاحبه أحضره بعدما لفه في شاله، ووضعه على كتفه وأمسك طرفي الشال بيد، وبالأخرى يغزل صوفاً. لذا، كان مقدار شدتك وقوته رهن بالمسافة التي يرتفعها الحجر من الأرض إلى ركبتك أو بطنك أو كتفك.
الوثب: لم يغلب الناس في تحديد مسافة للوثب، وعندهم تلك الترعة الصغيرة، فكانوا يتراهنون على من يعبرها من دون أن يبتل ثوبه، إذ يأتون سراعاً ثم يقفزون إلى الشط الآخر، وقليل هم الذين اجتازوها من أوّل محاولة.
السباحة: مع ساعات الظهيرة الأولى، تبدأ منافسات العوم (السباحة)، ويساعد على ذلك الهجير وامتلاء ترعة المرة عن آخرها بمياه الفيضان، فيبدأ المتنافسون في القفز من أعلى سور الكوبري، وتتجلى البراعة والمهارة في الذين يستطيعون القفز على ظهورهم، ومواصلة السباحة حتى نقطة الهدف.
رياضة الهوكي: لم يكن يعرف ناس بلدي الهوكي ولا شاهدوه من قبل، لكن بيئتهم وظروفهم فرضتا عليهم أن يبحثوا عما يشغل فراغهم أيام الفيضان، فها هم شغلوا وقت فراغهم نهاراً وبقي أن يشغلوا ليلهم، لذا استحدثوا لعبة أسموها "المطارق"، يلعبونها على ضوء القمر، حيث لم تكن الكهرباء وصلت. فريقان، يتكوّن كل واحد من لاعبين، بيد كلّ منهم عصا مقوّس طرفها، صنعوها من جذوع النخل ليضربوا كرة مصنوعة من ليف النخيل، بعد تكويره بحبال من الليف، باتجاه مرمى من الإثنين المنصوبين على طرفي ملعب، مساحته أفدنة من الأرض لم تطويها يد الفيضان. لكن، من عيوب هذه اللعبة تركها عاهات مستديمة فى أجساد لاعبيها مثل قطع عقلة أصبع أو سنه طارت أو عدد غير محدد من غرز الرأس.
كل هذه الألعاب اندثرت، وأصبحت من الذكريات، حتى قعدات الناس اختفت، واستبدلت بتواصل إلكتروني خال من جمال الطبيعة وحيويتها.

C22E2337-AF79-4C03-A153-099987FD2496
C22E2337-AF79-4C03-A153-099987FD2496
محمد عبد المبدى (مصر)
محمد عبد المبدى (مصر)