ألبوم "الإخفاء": عن ضوضاء القاهرة والضجيج الذي في داخلنا

ألبوم "الإخفاء": عن ضوضاء القاهرة والضجيج الذي في داخلنا

21 يناير 2018
من حفلة في مسرح الجنينة غني فيها الألبوم (يوتيوب)
+ الخط -
لم يكن حدثاً غريباً أن يجتمع الثلاثي، مريم صالح وتامر أبو غزالة وموريس لوقا، في ألبوم "الإخفاء". إذْ لكل منهم مشروعه الخاصّ والمُختلف. إلا أن الثلاثة تغويهم التجربة والتجديد. مريم تعاونت مع تامر من قبل، وتشابكت مع الموسيقى الإلكترونية أيضاً مع زيد حمدان. وموريس قدم ألبوم "بنحيي البغبغان" من وحي موسيقى المهرجانات. والثلاثة يتعاونون مع نفس شركة الإنتاج، وهي شركة "مستقل". إذاً، لم يكن التعاون بينهم غريباً، فماذا يمكن لهذا الثلاثي أن يقدم، وما هو المنتج المرتقب من دمج أفكارهم وموسيقاهم وخبراتهم الذاتية. هل ستكون تجربة جديدة، ونكتفي بشكرهم على حسن نواياهم. أم سيخرج إلينا عملٌ قيمٌ، ويحمل ماهيته من المكان والزمان المصنوع فيهما. كل هذه، كانت الأسئلة الأكثر إلحاحاً على تفكيري منذ أن سمعت عن الألبوم عام 2015. 

في حوار أجريته مع مريم صالح في تلك الفترة، بمناسبة صدور ألبومها "حلاويلا". تحدثت مريم عن ألبومها القادم، والتجربة الجديدة مع موريس لوقا وتامر أبو غزالة، وأنها قائمة على البحث في موسيقى المهرجانات، وأن كلمات الألبوم كتبها ميدو زهير.

تصورت أن الألبوم سيكون أقرب إلى المهرجانات حقاً، بسبب اقتراب موريس لوقا من هذه الموسيقى في أعماله السابقة، وقدرات ميدو على كتابة كلمات تصلح أن تُغنَّى لموسيقى المهرجانات. وعند طرح الألبوم خابت توقعاتي تماماً. لم يأتِ الألبوم كبحث في موسيقى المهرجانات، بل جاء كبحثٍ في الذات المتورطة في المكان والزمان، جاء "الإخفاء" كشخص رابع للثلاثي. ويمكن الأصح القول، إنه جاء كشخص خامس، لو أضفنا ميدو زهير، كأحد المشاركين في صناعة الألبوم.

"الإخفاء" كان الشخص الخامس، هذا الوعاء الذي صب فيه كل فرد من القائمين على الألبوم، مشاكله وصراعاته والمؤثرات من الموسيقى والحياة الشخصية، ومن جغرافية المكان والزمان لكل شخص، والقاهرة في حد ذاتها. لذلك، ربما يرى البعض أن الألبوم حمل الكثير من الموسيقى المزعجة، أو تداخل أصوات آلات موسيقة كثيرة بجانب صوت مريم وتامر. لكن، كان ذلك أجمل تعبير عن ضوضاء القاهرة، عن الضوضاء التي بداخل القائمين على العمل، وبداخلنا نحن أيضاً.

صناعة الموسيقى في مصر خاصة، والوطن العربي عامة، لها شكل ثابت ومحدد ومتفق عليه من خلال الوعي الجمعي. والتجديد في هذه المنطقة يكون محدوداً، خاصة لو كان الهدف هو السوق التجاري. لكن الأصعب هو تقديم شيء جديد، ووضع عناصر جديدة وانتظار النتائج، كالتجارب الكيميائية. سهلٌ أن تحاكي تجربة قديمة، معلومة النتائج بشكل دقيق ومحدد، لكن أن تخلق منتجاً جديداً من دمج عناصر ببعضها، هو أمر غاية في الصعوبة. عليك، أولاً، أن تكون قادرا على فهم كل العناصر، وأن تكون مغامراً، وفي نفس الوقت تقف على أسس ثابتة ودراسة. حتى لا ينفجر بك المعمل، لذلك كان ألبوم "الإخفاء" هو أهم ألبوم طرح عام 2017.


مع أغنية "كنت رايح وعايز أوصل" كان صوت مريم هو البطل. في الأغنية الأولى نشعر بصوت مريم أقرب إلى تجربتها القديمة مع "الروك" و"بركة باند"، في "عايز أوصل". كان حضور موريس واضحاً بقوة في خلفية صوت مريم، مع احتفاظها بشكلها المعروف حتى باستخدامها لصوتها المستعار. كان لتامر وأسلوبه حضورٌ كبيرٌ. ستشعر به، خاصة في النصف الثاني من أغنية "نفسي في عقلي"، بأنك أمام أغنية بطعم ألبوم تامر "مرآه" 2008. هكذا كان الألبوم، سجالاً بين الأبطال الثلاثة.

كان لموسيقى المهرجانات وجود بالطبع. لكن، بعد الدمج مع كل المعطيات الأخرى، القاهرة بكل ما تحمل من ضوضاء وموسيقى متنوعة ومتباينة، من بينها موسيقى المهرجانات، يتألق موريس في مزج روح موسيقى المهرجانات بشكل ينتج عنه أشكال جديدة، مثل ما حدث في "إيقاع مكسور" أو بشكل أكبر، وكأنه إهداء إلى زعيم الأورغ "إسلام شيبسي" في أغنية "مزيكا وخوف".

كلمات ميدو كانت مهمة في صناعة حالة الموسيقى. في كل أغنية يعيش الثلاثي مع كلماتها، حتى يخرج اللحن من نفس الحالة، لتصبح الكلمات أهم بكثير من صناعة الألحان، وطغت الموسيقى في بعض الأحيان على صوت مريم وتامر، وأصبح صوتهما خلفية للموسيقى، كتأكيد أن الكلام كان مهماً لخروج هذه الموسيقى. رغم ذلك نجح ميدو في فرض نجاحه في كل الأوقات وقت صناعة الألبوم، ووقت طرح الألبوم. لتجد جملاً تحمل طابعاً سياسياً، كما في أغنية "الشهوة والسعار".

كانت الذاتية أساس التجربة، لتبقى أغنية "تسكر تبكي" هي أغنية الألبوم الأولى بكل تأكيد. بداية من الكلمات، والغرق في الذاتية، والثورية في الألفاظ، وذلك باستخدام كلمات تصنف بأنها شتائم. ولكن تم استخدامها في سياق النص، مع لحن يجمع خلاصة تجربة "الإخفاء". جاءت الأغنية بنسختين، نسخة مشفرة وأخرى كتب بجانبها +18، مع كل الانتقادات جاءت الأرقام لتؤكّد نجاح النسخة من الأغنية، والتي كتب بجانبها +18.




لم ينسَ القائمون على الألبوم، إهداء أغنية إلى مطربة، يمكن أن نعتبرها الأم الروحية لكل المجددين في الموسيقى المستقلّة والبديلة، وهي الفنانة الفلسطينية، كاميليا جبران، فجاءت أغنية "ماكونش وأكون"، وفيها الكثير من رائحة ألحان وأغاني كاميليا جبران، خاصة من ألبومها "وميض". في النهاية، نحن أمام تجربة جديدة على الساحة الموسيقية في الوطن العربي. تجربة تحمل الكثير من المميزات والقليل من العيوب. تجربة أعتقد أنها حققت نجاحاً كبيراً على المستوى الجماهيري أو على المستوى الموسيقي. وفي انتظار التجربة الجديدة للثلاثي، سواءٌ في عمل مشترك أو كلّ على حدة.







دلالات

المساهمون