أكتوبر الباريسي جريمة لا تسقط بالتقادم

أكتوبر الباريسي جريمة لا تسقط بالتقادم

17 أكتوبر 2017
من تظاهرة لإحياء الذكرى في باريس (طوماس سامسون/فرانس برس)
+ الخط -
في 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1961 اختار المهاجرون الجزائريون في عز ثورة التحرير الوطني نقل المعركة إلى دار العدو هناك في باريس. في تلك الليلة المظلمة حمل العمال الجزائريون أطفالهم ونساءهم وخرجوا إلى شوارع باريس تعبيراً عن رفضهم لقرار جائر كان يمنعهم حصراً من التجوّل في العاصمة الفرنسية. لم تكن آلة القمع الفرنسية قد ارتوت من دماء الجزائريين في الجزائر، ففضّلت أن تسيل دماء أخرى في نهر السين في قلب العاصمة.

مر أكثر من نصف قرن على الجريمة الدامية، لكن الزمن لم يمح آثار الدم وبقع الوحشية من رصيف سان ميشال وعلى أطراف نهر السين. أما الدولة الفرنسية التي تتبجّح بالدفاع عن حقوق الإنسان وتناوش تركيا بشأن الاعتراف بمذابح الأرمن، فما زالت تخجل من تاريخها الدامي ووجهها الوحشي وترفض الاعتراف بجريمة أكتوبر 1961. فرنسا التي تحارب تركيا في كل المحافل الدولية بشأن قضية الأرمن، تغطي وجهها الدامي حين يتعلق الأمر بجريمة دولة ارتكبتها الشرطة الباريسية تحت قيادة النازي موريس بابون، وتماطل في الإقرار بمسؤوليتها كدولة في ممارسة التمييز وقتل عمال ومهاجرين جزائريين كانوا يطالبون بالحق في الحياة.

ليس ذلك فقط، ففرنسا النورانية ما زالت تحافظ على ظلام دامس في جعبتها وتدير وجهها عن مطالبات عائلات الضحايا بإقرار اعتراف رسمي بجريمة أكتوبر في ليلة باريس الدامية، وترفض أيضاً تقديم اعتذار عن الجريمة وتعويض الضحايا بالقدر الذي يجعلهم يرقدون في قبورهم بسلام. على الرغم من بعض التصريحات الفرنسية التي تقر بالظلم الاستعماري على الجزائريين، وفق تصريحات الرئيسين فرانسوا هولاند وإيمانويل ماكرون، لكنها توقفت عند ذلك الحد.

ليست فرنسا وحدها التي تحاول إغفال الجريمة ودفعها للنسيان، الدولة الجزائرية نامت على رصيف التاريخ، وبدت بخيلة وكسولة في التعاطي مع المطلب التاريخي المشروع للذاكرة الوطنية والإنسانية، وعطّلت جهود الكثير من المنظمات المدنية باتجاه الضغط على الدولة الفرنسية لتقديم اعتراف واعتذار رسمي وتعويض لضحايا القمع الاستعماري، ليس لضحايا أكتوبر الباريسي 1961، ولكن أيضاً لضحايا مجازر الثامن من مايو/ أيار 1945 وثورة التحرير. فقد ألقى البرلمان الجزائري، في مشهد مخيب وبائس، مشروع قانون يقضي بتجريم الاستعمار في الدرج. ما تقضي به حكمة التاريخ الإنساني أن الاستعمار غاشم، والجريمة لا تسقط بالتقادم.

المساهمون