أقلام للإيجار .. من يدفع أكثر

11 مايو 2014
+ الخط -

في أزمنة العز العربي، كانت "الحرة تجوع ولا تأكل بثدييها"، وفي زمن السقوط المدوي الذي نعيشه، أصبحت الحرة تأكل "بكل شيء"، حتى قبل أن تجوع، والأدهى والأمر أن صناع الفكر وأرباب القلم أصبحوا "يأكلون بأفكارهم"، يبيعون أقلامهم جهاراً نهاراً لمن يدفع أكثر، ويغيرون جلودهم في اليوم ألف مرة، يغطون سوءاتهم بحزم الدولار ورزم اليورو، ولتذهب المبادئ إلى الجحيم.
يصبح الكاتب يسارياً، ويمسي ليبرالياً، ويبيت معتدلاً، ويضحى متشدداً، يبدل موقعه جيئة وذهاباً، تبعا للجهة المشترية، يغمس قلمه في دواة الطمع، فلا يكتب ولا يقول، إلا ما يريده "سادته المشترون"، وإن حدثته عن المبادئ والأخلاق، وعن دور النخبة في توجيه الرأي العام، والانتصار للضعفاء، قهقه ملء شدقيه، وقال لك بكل وقاحة"بدنا نعيش"، أو "خلينا نشوف أكل عيشنا". ينتصر لنفسه ومصالحه، ويلبس لكل حالة لبوسها، سيماه التلون والحربائية، وهو مستعد أن يلعن في المساء من كان يمدحه في الصباح فوجهه "صفيحة حديد صلداء لا ماء فيها".
كتاب ومفكرون تحسبهم "كباراً" وماهم كذلك، يعلقون على جباهم لافتةً عريضة، كتب عليها "قلم للإيجار"، ويصيحون كأنهم في مزاد علني، من يدفع أكثر، فتأخذك الدهشة والاستغراب، هل أنت أمام صناع الفكر وموجهي الرأي العام، أم أنك في "سوق جمعة" للأثاث المستعمل، يصيح أصحابه على بضاعتهم، ويسعون إلى جذب الزبون، مستعدين لقبول كل ما يقول، لأن "الزبون دائما على حق". تلك قاعدة تجارية معروفة، وقد تستخدم في سوق الخضار، أو لدى "ورشة سمكرة السيارات"، أما أن يتم استخدامها في عالم الرأي ودنيا الكتابة، فتلك، لعمري، الطامة الأدهى والأمر، والمنزلق الخطير.
طبيعي جداً في العالم أجمع أن تكون هناك تجارة للأقدام، فاللاعبون يتنقلون بين الأندية في صفقاتٍ تجارية بحتة، أما تجارة الأقلام فتلك بدعة ابتدعناها، نحن العرب، في زمننا "الأغبر"، هذا المترع بالخيبات والطافح بالمرارة والانكسار، وهو ما جعل من النخب والمثقفين "مسخرة"، أمام العامة والبسطاء الذين أصبحوا يدركون، بحاستهم الفطرية النقية، أن هؤلاء المثقفين والكتاب إنما هم تجار جدد، بضاعتهم الكلمات والأفكار، يفصلونها على مقاس من يدفع، فدائما "من يدفع للزمار يطلب اللحن الذي يريد".
وكل "بيزنس" جديد وأنتم رابحون.

 

avata
avata
محمد سعدن (موريتانيا)
محمد سعدن (موريتانيا)