أفلام "طنجة": هنات قليلة واشتغال جريء

أفلام "طنجة": هنات قليلة واشتغال جريء

09 مارس 2020
أنخيلا مولينا بطلة "لالة عيشة" (آنجل مانزانو/ Getty)
+ الخط -
عشية انتهاء عروض المسابقات الرسمية في الدورة 21 (28 فبراير/ شباط ـ 7 مارس/ آذار 2020) لـ"مهرجان الفيلم الوطني بطنجة"، اتّضحت معالم الإنتاج الوطني بأصنافه كلّها.

في فئة الفيلم الطويل، تميّز "أوليفر بلاك" لتوفيق بابا. فيلم أول صادق ومتطرّف، رغم هناته المتمثّلة بارتباكات على مستوى عدم انسجام بعض المشاهد مع نَفَسه التأمّلي والروحانيّ. فالمشاهد تقتفي رحلة في قلب الصحراء، تجمع شيخاً طاعناً في السن والتجربة بمهاجر من أفريقيا، جنوب الصحراء. تأثيرٌ أدبيّ واضح عليه، يتجلّى في تسمية المهاجر بـ"فوندرودي"، إحالة إلى صبيّ "روبنسون كروزو"، في رواية دانيال ديفو، ولمحات فلسفية في الحوار (رغم بعض التكرار) تذكّر بـ"الأمير الصغير" لأنطوان دو سانت أكزوبيري.

هناك "اللكمة" لمحمد أمين مونة، الآتي من تجربة هواة السينما. فيلم أول آخر نال عرضه تصفيقاً كثيراً، وإشادة المهنيين ورضاهم، لتجسيد المثال الأنسب لسينما يُمكن أن تستهدف الجمهور من دون تنازلات كبيرة على مستوى الجودة والمقوّمات التقنية. يحكي الفيلم قصّة صعود شاب، متحدّر من حيّ شعبي، إلى قمّة المجد عبر الملاكمة، ويستعرض ـ بشكل لا يخلو من مباشرة ـ حياته العائلية والعاطفية، محاولاً المزج بين الكوميديا والحركة. أفضل ما في الفيلم قصّة الحب بين البطل وجارته، التي استطاع أمين مونة من خلالها أنْ يقبض على تناقضات الحبّ وملامحه لدى الطبقة الشعبية، وكلّ ما تختزنه من مواقف طريفة. لكن الفيلم يحتاج إلى التماسك في الحكي وبناء الشخصيات، على غرار شخصية المدرّب، غير المقنعة تماماً في بنائها وتطوّرها، كما أنّ مشاهد المباريات تبدو متوقّعة وغير مُقنعة في ديكورها (مباراة نهاية كأس أفريقيا أمام عشراتٍ فقط يُشكّلون الجمهور).

عُرض أيضاً "لالة عيشة"، فيلم طويل ثالث للمخرج محمد البدوي، الذي يروي معاناة عائلة قروية تعيش على الصيد البحري، مع شحّ السمك وتأثّر شباك الصيد بهجمات سرب من الدلافين. الفيلم متميّز بجهد كبير للحكي عبر الصورة، مع قدر كبير من الحوارات، وأداء مبهر للممثلة الرئيسية الإسبانية المخضرمة أنخيلا مولينا. ولولا بعض الالتباس على مستوى الحبكة، وشيء من الإطالة غير المبرّرة، لكان الفيلم كبيراً. رغم هذا، جاء إخراج البدوي جريئاً، وتميّز باشتغال رائع على إدارة الممثل، وتشكيل اللقطات، والتقاط إضاءة القرية وأجواء عيش أهلها.
أما في مجال الفيلم القصير، فتميّز "مداد أخير" ليزيد القادري: حكاية متحكَّم بها، حول شيخ يرى في شواهد قبور زبنائه لمحات من تاريخ فنائه. هناك أيضاً "يون" لوديع الشراد: حكاية حبّ مُتهالك بين كورية وهندي، أفلمها المخرج بقدر كبير من التفهّم والفنّية، تُظهر تحكّماً كبيراً في وسائل الحكي والإيحاء.

وثائقياً، ورغم تفوّق "أموسو" لنادر بوحموش، الذي يحكي يوميات انتفاضة قبائل بني مضير ضد منجم الفضة الذي يحرمها من الماء، يُبدي "لحظات قبل الظلام" لعلي الصافي مقوّمات لا بأس بها في حكي قصّة الفورة الثقافية التي شهدها المغرب في سبعينيات القرن الـ20، من خلال أفلام وثائقية وتخييلية مهمّة، كـ"أحداث بلا دلالة" لمصطفى الدرقاوي، و"الحال" لأحمد المعنوني. يتتبّع الصافي أيضاً رواية المناضل أحمد المعنوني ليوميات معاناته مع الاعتقالات، وهروبه إلى الدار البيضاء، بموازاةٍ مع الأحداث المؤثّرة التي شهدتها تلك الفترة، كالمسيرة الخضراء. الفيلم مؤثّرٌ، خصوصاً في مَشاهد يحكي فيها مصطفى الدرقاوي معاناته في إخراج أفلامه، والمقتطفات الغنية من أفلامٍ أخرى، كصور "محمد مجد" من "البراق"، وتفاعلها الرائع مع حكي محمد الطريبق.

المساهمون