Skip to main content
أعباء الدراسة... مدارس مصر وجامعاتها تنطلق
العربي الجديد ــ القاهرة
تحية العلم المصري الصباحية (محمد حسام/ الأناضول)
عندما ينطلق العام الدراسي في مصر لا يحمل معه أعباء على تلاميذ المدارس وطلاب الجامعات في الدروس والدوام فحسب، بل أيضاً أعباء كبيرة على الأهالي، خصوصاً مع الارتفاع الكبير في الأسعار وصعوبة تأمين المستلزمات

في الوقت الذي ينشغل فيه التلاميذ بالتخطيط لعامهم الدراسي الجديد، ينشغل أهلهم بهموم توفير المال الكافي لسد احتياجات العام. يذهب محمد جمال (موظف في المحكمة، لديه ثلاثة أبناء) يومياً إلى الفجّالة (شارع في القاهرة يضم عدداً كبيراً من المكتبات والمطابع وبائعي الكتب والقرطاسية والمطابع) ليشتري مستلزمات أبنائه الدراسية. يقول: "أعلم أنّ هذه الفترة من العام هي الأصعب عليّ وعلى أبنائي، لذلك قررت شراء المستلزمات المدرسية على مراحل حتى لا أشعر بالعبء الكبير".

من جهته، يذكر سامح محمود (موظف حكومي) أنه قرر هذا العام الذهاب إلى وزارة التربية والتعليم لشراء الكتب المدرسية مباشرة من هناك. يقول إنّ لديه طفلين في المرحلة الابتدائية يحرص على تسجيلهما في مدرسة خاصة ليحافظ على مستواهما الدراسي. فوجئ بمضاعفة الرسوم السنوية، ومضاعفة أسعار الكتب المدرسية والزي المدرسي، لذلك لجأ إلى شرائها من خارج المدرسة كي يخفف بعض الأعباء.

بدوره، قرر تيمور جمعة (موظف حكومي) نقل جميع أبنائه من المدرسة الخاصة التي اعتادوا الذهاب إليها بعد زيادة الرسوم. يأسف للقرار الذي أجبر عليه رغماً عنه: "كنت أرغب في المحافظة على مستواهم، لكن من أين آتي بالمال، العين بصيرة واليد قصيرة".

كتب "روبابيكيا"
تعاقدت منال سعيد عبد الغني (ربة منزل) مع محل تصليح أحذية ليصبح "الوكيل الرسمي" لمستلزمات أبنائها الدراسية هذا العام. تقول إنّ لديها أربعة أطفال في المرحلة الإعدادية، وعلى الرغم من إدراكها لضرورة تحفيز أبنائها بالزي المدرسي الجديد إلاّ أنها قررت هذا العام الاستعانة بالأحذية والحقائب القديمة وإعادة تصليحها بما يكفي لقضاء حاجة أبنائها.

أما نجلاء متولي (ربة منزل) فتستقبل العام الدراسي بتعليم أبنائها كيفية إعادة تدوير المخلفات. طلبت من أبنائها جمع الكتب القديمة وتصنيفها إلى كتب يمكن الاستفادة منها وأخرى فائضة عن حاجتهم وبيعها إلى بائع الروبابيكيا (الأغراض القديمة) للاستفادة من ثمنها. تقول: "من الظلم أن نتحمل نحن الآباء حمل العام الجديد وحدنا. بل يجب إشراك أبنائنا في اختراع حلول جديدة وفعالة للأزمة. لا نملك ثمن شراء كشاكيل مدرسية جديدة لذلك قررنا استغلال القديم منها وإعادة تدويره ليصبح صالحاً للاستخدام".

لا قيمة للتعليم
بدأ عادل فوزي دروسه الخاصة في الثانوية العامة منذ شهر تقريباً، ليبدأ عامه الدراسي الجديد بمصروف شهري للدروس الخصوصية فقط يتعدى ألف جنيه (112 دولاراً أميركياً). يقول والده فوزي عبد الحميد إنّ دخله يصل إلى 2500 جنيه (280 دولاراً) وكون ابنه في الثانوية العامة فهو ليس قلقاً على العام الدراسي فحسب بل يمتد قلقه إلى خوفه من عدم كفاية ما يتبقى من راتبه لسد احتياجات المنزل الأساسية. يتابع أنّ الدروس الخصوصية مثل المنشار الذي يقطع من لحم الأسرة كلها أجزاء، لكنه مضطر إليها حتى لا يشعر ابنه بأي تقصير معه، سائلاً الله أن يعينهم في هذا العام الشديد عليهم جميعاً.

في المقابل، هناك أسر كاملة لا تشعر بهذا التوتر مع بدء العام الدراسي الجديد بعدما قررت منع أولادها من التعليم لعدم قدرتها على سداد رسوم العام الدراسي. يقول وليد فتيح (عامل بناء) إنّ "التعليم لا قيمة له هذه الأيام". يذكر أنّه حاصل على شهادة من كلية التربية الرياضية لكنه لا يعمل بشهادته، بل ينتظر يومياً طوال ساعات تحت الشمس أن يطلبه أحدهم لعمل بأجرة يومية لا تكفي للأكل، فكيف سيقدر على توفير مصروفات العام الدراسي التي تتضاعف كل عام؟ يتساءل.

كذلك، دفع عيد مرزوق (صاحب محل خضار) ابنه الذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً إلى العمل معه وترك التعليم. هو يرى أنّ التعليم لا جدوى منه ولا فائدة، وأنّ أبناءه سيكونون أفضل حالاً عندما يتعلمون من مدرسة الحياة ويكتسبون لقمة عيشهم بأيديهم.

تقول الناشطة خديجة بسيوني (متطوعة في جمعية مرسال الخير) إنّ نحو 60 طفلاً سورياً مُهددون بالفصل من مدارسهم هذا العام بسبب ضعفهم المادي. فما يكسبه أهلهم بالكاد يغطي كلفة إيجار المسكن الخاص بهم والعلاج مع مصاريف المعيشة والحياة اليومية. تذكر أنّ بعض أولئك الأطفال أيتام في حاجة إلى من يراعيهم ويتولى مسؤولية تعليمهم حتى لا يتحولوا إلى أمّيين، فهم الآن مشردون بلا مأوى ولا وطن ولا أهل، وفي حاجة إلى التعليم ليضفي طابعاً إيجابياً على حياتهم.

وفي هذا الإطار، يضاعف السوري أبو عمار من ساعات عمله على سيارة الأجرة في هذه الأيام على الرغم من إصابته بمرض في ظهره، فهو في أمسّ الحاجة إلى كلّ جنيه بهدف تأمين حياة كريمة لأولاده وأحفاده وتمكينهم من دخول المدارس.

أعباء الجامعة أكبر
تذكر ماجدة حلاوة أنّ الاستعدادات للعام الدراسي مختلفة هذا العام. لديها ابنان في المرحلة الجامعية، ولم تعد متطلباتهما مقتصرة على زي واحد ومجموعة كتب. تقول: "يحتاجان إلى الكثير من الملابس التي يغيرانها يومياً كي لا يشعرا بنقص وسط زملائهما. كذلك، يحتاجان إلى مراجع وكتب جامعية أسعارها لا تقارن بأسعار الكتب المدرسية".

يبحث فؤاد مسعود (طالب آداب) عن عمل يوفر له مصروفاته اليومية. يقول إنّ الأعباء على أسرته كبيرة. وعليه الآن أن يتحمل مسؤولية نفسه، ويخفف عنهم بعض الأعباء التي تثقل كاهلهم.

من جهته، يقول سامي إدريس (مهندس اتصالات في إحدى الشركات الخاصة) إنّ هذه الأيام هي الأصعب التي يمرّ فيها كلّ عام، خصوصاً بعد دخول ابنه جامعة خاصة تتعدى رسومها ومصروفاتها سنوياً عشرين ألف جنيه (نحو 2250 دولاراً). يذكر أنّ ابنه كان يجتهد في الثانوية العامة كثيراً لكن لم يحالفه الحظ في التسجيل في الكلية التي كان يحلم بها، ولذلك شجعه على الجامعة الخاصة حتى لا يشعر بالظلم ويحقق حلم حياته وحياة أسرته في أن يصبح طبيباً، لكنه لم يكن يعلم أنّ المصروفات ستصل إلى هذا الحد وستؤرق الأسرة طوال الأعوام المقبلة.

أحلام الشباب
في الوقت الذي يسيطر القلق على الأهالي، تتملك أحلام اليقظة الشباب. يتشبث هؤلاء بآمالهم وأحلامهم التي لا يمتلكون غيرها. تقول آية مسعد إنّها كانت تحلم بأول يوم جامعة منذ صغرها. ترى فيها الحرية والاستقلالية الكافية التي تجعل منها شخصية جديدة. استعدت آية لهذا اليوم بتحضير ملابس جديدة والاتفاق مع زميلاتها على الذهاب معها والتجول في الحرم الجامعي.

تحلم نورهان أمين في أن تصبح دكتورة في كلية الآداب. تقول إنّها لم تتمكن من بلوغ كلية من كليات القمة لكنها عقدت النية على الالتزام في كلية الآداب وحضور المحاضرات بانتظام حتى تحقق تقديراً مرتفعاً يؤهلها لحصد مركز متقدم في الجامعة.

وعلى النقيض من ذلك، يقول مروان وائل (طالب حقوق في جامعة القاهرة) إنه وزملاءه اتفقوا على ألا يأخذوا الجامعة على محمل الجد. يعتبر أنّ زمن الاجتهاد والمذاكرة قد ولّى ورحل مع انتهاء مرحلة الثانوية العامة، أما الجامعة فهي للمرح ورؤية الأصدقاء.

كذلك، يعتبر محمد جمال الجامعة مثل معرض أزياء كبير خصوصاً في أول يوم دراسي. ينتظر حتى يرى الملابس الجديدة والمبالغة في الزي الجامعي خصوصاً لدى البنات، ويصف البعض منهن بأنهن في أول يوم دراسة كالذاهبات إلى عرس.

بدوره، يعتزم أنور سمير (طالب اقتصاد وعلوم سياسية) الاستفادة من الأنشطة الطلابية في الجامعة منذ اليوم الدراسي الأول. يقول إنّ الخبرة الجامعية لدى إخوته وأصدقائه الذين يكبرونه سناً، اكتسبوها من الأنشطة الطلابية. هو يخطط كي تكون سنواته الدراسية غير روتينية، بل أن تتضمن القليل من المحاضرات والكثير من التعلم الذاتي والنشاطات الطلابية.

على الجانب الآخر من أحلام أول يوم جامعة لدى غيرها من الطلاب والطالبات، تحلم رقية عمر بوالدها وهو يوصلها في أول يوم دراسي وتتخيله وهو يوصيها بالوصايا العشر وينصحها كعادته. لكن، ستظل هذه الأحلام حبيسة أفكارها فقط، فوالدها معتقل، كآلاف آخرين، منذ أكثر من سنتين عاجز حتى عن رؤيتها أو إلقاء التحية عليها في الصباح فكيف له أن يوصلها إلى الجامعة؟