أطفال المورلي.. حملوا السلاح دفاعاً عن وجودهم

أطفال المورلي.. حملوا السلاح دفاعاً عن وجودهم

09 فبراير 2015
"الحرب تجبرنا أحياناً على أمور كثيرة" (الأناضول)
+ الخط -

في جنوب السودان، اضطرت قبيلة المورلي إلى التخلي عن مبادئها وإشراك أطفالها في الحرب. وجدت نفسها أمام خيار وحيد للحفاظ على وجودها وسط القبائل القوية المحيطة بها. حالياً، تعمل "اليونيسف" على إنقاذ هؤلاء ودمجهم في المجتمع.

لم تكن قبيلة المورلي، التي تقطن مناطق البيبور في ولاية جونقلي في دولة جنوب السودان، تدرك أنها قد تضطر يوماً إلى الدفع بأطفالها إلى ساحات القتال، وخصوصاً أنها تعاني من العقم بسبب انتشار الأمراض المنقولة جنسياً. فالاقتتال القبلي، بالإضافة إلى الحرب الأهلية التي اندلعت عام 2010 على خلفية تمرّد أحد قيادات المنطقة، ديفيد ياوياو، على الحكومة في جوبا، وإنشاء الحركة الديمقراطية لجنوب السودان (كوبرا)، احتجاجاً على نتائج الانتخابات العامة التي خسرها، دفعت إلى استقطاب الأطفال للمشاركة في الحرب. علماً أنه جرى العام الماضي توقيع اتفاق سلام بين الحكومة وحركة ياوياو، منحت فيه منطقة البيبور حكماً ذاتياً.

تأهيل

أخيراً، أطلقت منظمة الأمم المتحدة للطفولة، "اليونيسف"، نداءً إنسانياً، وطالبت بالحصول على 3.1 مليارات دولار لمساعدة الأطفال، والعمل على قضايا أخرى، مثل تغيّر المناخ والأمراض، ومساعدة البلدان المتضررة مباشرة نتيجة القتال، ومن بينها دولة جنوب السودان. وتوصلت إلى عقد اتفاق مع "ياوياو"، التي تضم أطفالاً في صفوف مقاتليها، نص على إطلاق سراح ثلاثة آلاف طفل، لتتم إعادة دمجهم في المجتمع بعد إخضاعهم لبرامج تأهيل.

وأكدت مصادر في الأمم المتحدة أن نحو 12 ألف طفل أجبروا على حمل السلاح والقتال في صفوف الميليشيات الجنوبية خلال الحرب الأهلية التي اندلعت في دولة جنوب السودان منتصف ديسمبر/ كانون الأول عام 2013، وأدت إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف شخص، ونزوح نحو مليوني شخص.

في السياق، يقول نائب رئيس الحركة الديمقراطية لجنوب السودان، ديفيد شان، لـ"العربي الجديد"، إن مجموعته سرّحت ثلاثة آلاف طفل تراوح أعمارهم ما بين 14 و16 عاماً، وسلّمتهم للمنظمات الدولية لتتم إعادة دمجهم، مؤكداً أنه يجب إفساح المجال أمام الأطفال للعيش بصورة طبيعية "لكن الحرب تجبرنا أحياناً على أمور كثيرة".

نجحت المنظمة، بعد مفاوضات طويلة مع "كوبرا"، في إنقاذ أولئك الأطفال الذين تراوح أعمارهم ما بين 11 و17 عاماً. وكان ممثل "اليونيسف"، جوناثان فايتش، قد قال في بيان، إن "هؤلاء الأطفال اضطروا لفعل أو رؤية أمور لا ينبغي لأي طفل أن يمر بها على الاطلاق". أيضاً، أشارت المنظمة، في وقت سابق، إلى أنه تم استخدام 12 ألف طفل كجنود العام الماضي من قبل القوات والجماعات المسلحة في جميع أنحاء البلاد.

تعد قبيلة المورلي من القبائل الرعوية في دولة جنوب السودان. يقدّر عدد سكانها بنحو 400 ألف نسمة، وهي إحدى القبائل ذات التكوين الاجتماعي التقليدي المتماسك. تهتم بتوزيع المهام (حماية وغيرها)، بحسب الفئات العمرية. تعدّ أيضاً من القبائل المتماسكة والمحافظة. ترفض الزج بالأطفال في النزاعات، وخصوصاً أنها إحدى القبائل الجنوبية التي تعاني من انتشار الأمراض المنقولة جنسياً، والتي أثّرت على النسل.

في هذا الإطار، عادة ما تلجأ القبيلة إلى خطف أطفال القبائل الأخرى، وتهتم بهم بشكل كبير. كما تجدر الإشارة إلى أن بعض المجتمعات المجاورة تبيع الأطفال في مقابل الحصول على الماشية.

وتعدّ مناطق المورلي إحدى أكثر المناطق الجنوبية تهميشاً، في ما يتعلق بالخدمات. كما أنها تضررت بشكل كبير خلال الحرب الأهلية التي دارت بين السودان وجنوبه، قبل إعلان الجنوب دولته المستقلة.

وخاضت المورلي حرباً قبلية، أخيراً، مع الدينكا والنوير. فخلال ديسمبر عام 2012، كانت ميليشيات الجيش الأبيض التي تتكون من قبائل النوير، قد أصدرت بياناً تعهدت فيه بمحو قبيلة المورلي بالكامل، لوضع حد لعمليات سرقة الأخيرة لمواشيها. في ذلك الوقت، اندلعت عمليات عسكرية قتل فيها 2182 امرأة وطفل، بالإضافة إلى 959 رجلاً، وفقاً لمحافظ البيبور، جوسوا كونيير. ويرى مراقبون أن التهديد الذي واجه القبيلة تلك الفترة، بالإضافة إلى الحرب مع الحكومة، قادها إلى استقطاب الأطفال للقتال.

في السياق، تعرب إحدى المواطنات، لـ"العربي الجديد"، عن حزنها الشديد لفقدان طفلها الوحيد إبان الحرب التي دارت في مناطقها مع الحكومة، مؤكدة أن طفلها لم يكن يتجاوز الثانية عشرة من عمره. تضيف: "أنجبت طفلي بعدما فقدت الأمل في الإنجاب، ليأتي والده ويصحبه للحرب ويُقتلا معاً".

تهميش

يقول رئيس جمعية كوش العالمية المعنية بالعون الإنساني، لوكا بيونق، لـ"العربي الجديد"، إن قبيلة المورلي وجدت نفسها في وضع المدافع نظراً لتكوينها الاجتماعي المعقّد في الجنوب، ومحاصرتها من قبل قبائل كبيرة كالنوير والدينكا. يضيف أن هذا التكوين الاجتماعي مهم لتماسكها ودفاعها عن نفسها، موضحاً أنه "نتيجة لكل ذلك، لجأت إلى استقطاب الأطفال للقتال، علماً أن ذلك يعد خطاً أحمر بالنسبة إليها، بحسب تقاليدها وتكوينها الاجتماعي". يشرح أنه كانت للحرب الأخيرة استثناءاتها باعتبار أن الأمر مرتبط "بالمحافظة على وجودها".

في المقابل، يبدي تحفظاً بشأن المشروع الأممي الخاص بانتشال الأطفال من الحرب، قائلاً إن الأسباب التي أدت إليها لم تعالج بعد، وما زالت هناك شكوك حول الاستقرار. وعلى الرغم من توقيع اتفاقية سلام مع "ياوياو"، إلا أن ذلك لا يعني أن كل شيء قد انتهى، إذ عادة ما تنشأ حروب عنيفة بين القبائل، وخصوصاً بين المورلي والدينكا، أو المورلي والنوير، وغيرهما.

يوضح أنه "إذا لم تتم إزالة الرواسب وحل المشاكل من جذورها، سنعود إلى المربع الأول، أي الدفاع عن النفس، وإدخال الأطفال مرة أخرى في مسلسل العنف". ويشدد على أهمية أن تعالج القضية وصولاً إلى تحقيق الاستقرار، وأن يحفز الأطفال المعنيين على تقديم الخدمات لمجتمع المورلي، وطمأنتهم في ما يتعلق بالقضايا التي تجعلهم يشعرون بالتهميش.

يضيف بيونق أنه "بشكل عام، تعد مناطق المورلي من المناطق الغنية في الجنوب بالمقارنة مع المناطق الأخرى، وهي مرشحة لتكون منطقة سياحية بسبب طبيعتها"، لافتاً إلى أنها "تضم نحو مليوني غزال".