أطفال العالم... تحسن مستوى المعيشة إلاّ في مناطق الصراع

أطفال العالم... تحسن مستوى المعيشة إلاّ في مناطق الصراع

28 مايو 2019
في انتظار وجبة غذائية خيرية في صنعاء (محمد حمود/Getty)
+ الخط -

أصدرت منظمة "أنقذوا الأطفال"، تقريرها الذي يرصد 18 عاماً من حياة الأطفال حول العالم، فظهر التحسن في المجمل، مع استثناء دول الحروب

يشهد مئات الملايين من الأطفال في العالم تحسناً في مستوى معيشتهم. قد تبدو هذه الجملة مفاجئة إذا ما نظرنا إلى نشرات الأخبار والصراعات والحروب التي يكون الأطفال أول ضحاياها. لكنّ التقرير الصادر عن منظمة "سايف ذا تشيلدرن/ أنقذوا الأطفال" يرصد تحسناً في مستوى حياة نحو 280 مليون طفل ينعمون بفرص أفضل للنمو الجسدي والنفسي والتعليم إذا ما قورنت بأوضاع الأطفال عموماً حول العالم عام 2000.

تتناول الدراسة 176 دولة حول العالم، وتقيس مستوى المعيشة للأطفال في هذه الدول بحسب ثمانية مؤشرات وهي: الوفيات، النمو، التعليم، عمالة الأطفال، الزواج المبكر، الولادة بين المراهقات، قتل الأطفال، والنزوح. وبحسب التقرير، فإنّ تحسناً طرأ في ما يخص المؤشرات السبعة الأولى بينما تدهور مؤشر النزوح، فقد زاد في الثماني عشرة سنة الأخيرة عدد الأطفال النازحين حول العالم بنحو 31 مليون طفل إضافي عما كان عليه عام 2000.




لكن، يبقى من الضروري النظر إلى هذا التحسن بحذر، إذ ما زال هناك نحو 700 مليون طفل حول العالم سلبت منهم طفولتهم، بحسب التقرير. لكنّه يظهر أنّ عدد هؤلاء عموماً انخفض مقارنة بعام 2000 حين وصل عدد الأطفال الذين سلبت طفولتهم إلى قرابة 970 مليون طفل يومها، بينما الرقم اليوم هو 690 مليون طفل. التحسن الذي طرأ يسجله التقرير كالآتي: انخفض عدد وفيات الأطفال حول العالم بنحو 4.4 ملايين طفل سنوياً، وانخفض عدد الأطفال المصابين بتوقف النمو بنحو 49 مليون طفل. كذلك، ارتفع عدد الأطفال الملتحقين بالمدارس بنحو 130 مليون طفل، وانخفض عدد الأطفال العمال بنحو 94 مليون طفل، وانخفض عدد الفتيات اللواتي يتزوجن مبكراً أو يجبرن على ذلك بنحو 11 مليون فتاة، وانخفضت حالات الولادة بين المراهقات بنحو 3 ملايين حالة سنوياً، أما أعداد الأطفال الذين يقتلون سنوياً فانخفضت بنحو 12 ألف حالة.

يعزو التقرير الانخفاض والتحسن إلى عوامل عديدة، أبرزها وجود قيادات سياسية تعمل على تحسين مستوى المعيشة وتستثمر في المشاريع الاجتماعية بشكل أفضل في بلدانها، بالإضافة إلى النجاح الذي حققته الأمم المتحدة من خلال الأهداف الإنمائية للألفية. هذا التحسن المشجع في أغلب دول العالم يوازيه تدهور يعيشه الأطفال في المناطق التي تشهد نزاعات أو تتأثر بها، وعدد لا بأس به منها في البلدان العربية، ومن بينها سورية واليمن وليبيا وفلسطين.

تقول مديرة المنظمة، كارين مايلز، لـ"العربي الجديد" إنّ "التحسن الذي تشهده بقاع كثيرة من العالم، خبر ممتاز، لكنّنا للأسف لا نرى هذه التحسن في مناطق الصراعات. وتعد كلّ من اليمن وسورية مثالاً صارخاً على ذلك، إذ انخفض مستوى تلك المؤشرات للأسوأ منذ بدء الصراع. ومن الضروري هنا لفت الانتباه إلى أمر إضافي وهو أنّ الصراعات، في يومنا هذا، تدوم أطول وهذا أمر آخر علينا أخذه في الحسبان". ويعني هذا أنّ آثار الصراعات على المدى البعيد ستكون أكثر تجذراً وإنهاكاً لتلك المجتمعات.

سنغافورة في المرتبة الأولى عالمياً (رسلان رحمن/ فرانس برس) 












تلفت مايلز إلى أنّ "هناك 420 مليون طفل يعيشون في مناطق متأثرة بالنزاعات. وإذا أخذنا سورية مثالاً سنلاحظ ارتفاعاً في عدد الأطفال السوريين المحرومين من التعليم، وارتفاعاً في عدد الوفيات، وهذا ينطبق كذلك على دول أخرى متأثرة بالصراعات". يشير التقرير إلى أنّ هناك 31 مليون طفل حول العالم حالياً أجبروا بسبب النزاعات والفقر وغيرها على النزوح عن منازلهم. أما عدد الأطفال الذين يعيشون في مناطق متأثرة بالنزاعات فهو ضعفا العدد المسجل عام 1995. وتسجل تلك الدول والمناطق المتأثرة بالنزاعات أعلى معدلات وفيات الأطفال، والأطفال المصابين بتوقف النمو، ونسبة متقدمة من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس ناهيك عن ارتفاع معدلات زواج الأطفال وعمالتهم.

مقابل هذه الصورة القاتمة تؤكد مايلز أنّ "من الضروري الشعور بالتفاؤل إذا ما نظرنا إلى دول أخرى مثل إثيوبيا التي زرتها مؤخراً. فإذا نظرنا إلى الوفيات بين الأطفال ما دون سن الخامسة في إثيوبيا، نلاحظ أنّها انخفضت بنحو 59 في المائة. وهذا يعني أنّنا في عملنا يمكن أن نركز على أمور إضافية وبشكل أعمق، كالتعليم وخلق فرص العمل وغيرها". ويشير التقرير إلى أنّ إثيوبيا حققت كذلك تراجعاً في معدل الولادات بين المراهقات بنسبة تفوق الأربعين في المائة، كما شهدت انخفاضاً في معدلات الإصابة بتوقف النمو بنسبة 33 في المائة. وشهدت تراجعاً في معدلات قتل الأطفال بنسبة 30 في المائة، ناهيك عن تقليص معدلات وفيات الأطفال ما دون الخامسة وعدد الأطفال غير الملتحقين بالمدارس وزواج الأطفال بنسبة تفوق الخمسين في المائة.

وينظر التقرير إلى كلّ دولة على حدة ويرصد نسبة التقدم الذي أحرزته في العمل على تحسين ظروف معيشة الأطفال بحسب المؤشرات الثمانية آنفة الذكر. وتقارن الدراسة حياة الأطفال في كلّ دولة بحسب المعطيات المتوفرة خلال الأعوام الثمانية عشر الأخيرة، أي مقارنة عام 2000 بالمعطيات المتوفرة لعام 2018. وينطلق القائمون على الدراسة من مبدأ أنّ الطفولة هي الوقت الذي يحتاج فيه الإنسان للنمو والتعليم والاكتشاف والتطور بشكل ذهني وجسدي وعاطفي، لتساعد جميعها على تطوره كفرد بنّاء في المجتمع. من هنا، يأتي اعتماد القائمين على الدراسة لتلك المؤشرات. واستخدموا إحصائيات ومعلومات نشرت واعتمدت في منظمات الأمم المتحدة.

لكن، ما هي الدول التي سجلت أفضل أرقام على جميع أو أغلب المؤشرات؟ قد يستغرب البعض أنّ أكبر دولة في العالم من الناحية الاقتصادية والعسكرية والنفوذ، وهي الولايات المتحدة، تحتل المرتبة 36 عالمياً. الحال نفسها لدول أخرى غنية وذات نفوذ كالصين، المرتبة 36 أيضاً، وروسيا 38. أما الدول التي سجلت أفضل نقاط على تلك المؤشرات الثمانية فكانت سنغافورة في المرتبة الأولى، تليها السويد في الثانية، ثم فنلندا والنرويج وسلوفينيا في المرتبة الثالثة. واحتلت ألمانيا وإيرلندا المرتبة السادسة عالمياً.


عربياً، احتلت البحرين المرتبة 33، تليها الكويت 35، ثم قطر 40، والإمارات 43، وتونس 44، والسعودية 45، ولبنان 47، تليه عُمان مباشرة. أما الأردن فاحتل المرتبة 60، ثم الجزائر 63، والمغرب 83، ثم فلسطين 84، ومن بعدها مصر 93. بعد المائة، احتل العراق المرتبة 115، ثم اليمن 143، وسورية 145.

عشرة عوامل تبرر التقدم
يعزو تقرير منظمة "أنقذوا الأطفال" التقدم في معيشة الأطفال حول العالم عموماً إلى عشرة عوامل، وهي: الأهداف الإنمائية للأمم المتحدة، والتزام الحكومات، والاستثمار الاجتماعي والنمو الاقتصادي، وتحسين التخطيط والتنفيذ، وتقليص اللامساواة، وتمكين النساء والفتيات، ومساعدات التنمية، وصعود القيادات النسائية، والتقنيات الحديثة، ووسائل التواصل الاجتماعي.