وبعد إنتهاء المونديال وحصول الألمان على اللقب وضياع الفرصة الكبيرة على "راقصي التانجو"، فإنه يجب النظر إلى الأمور من زاوية مختلفة، ومحاولة الوصول إلى الصورة الشاملة للبطولة التي تأتي مرة واحدة كل أربع سنوات، من أجل الحصول على أهم وأكثر الملاحظات التكتيكية والفنية تميّزاً خلال الشهر الكروي الجميل.
#عودة الثلاثي الخلفي
منتخبات عديدة خلال المونديال لعبت بطريقة تضم ثلاثي دفاعي صريح، مزيج بين (3-5-2)، (3-4-3)، (3-3-1-3)، وتطبيق الخطة يختلف من منتخب إلى آخر، منتخب مثل تشيلي يلعب بثلاثي دفاعي أقرب إلى مدافع واحد، ثم خط وسط وثنائي أقرب إلى الأظهرة، مع تحول الأطراف إلى دور الجناح، أما منتخب مثل هولندا فلعب فان جال بثلاثة مدافعين صريحين أمام مرماهم .
المكسيك، مثلاً، لعبت بثلاثي دفاعي مع ظهيرين، وفي حالات الهجوم يتحول لاعب من الأطراف إلى الأمام مع ثبات رباعي خلفي، مما يجعل الطريقة تظهر وكأن هناك رباعي، أجيلار رفقة ثلاثي الدفاع، وبيرالتا ينطلق في الهجوم.
أما منتخب كوستاريكا، مفاجأة البطولة، فالخماسي الخلفي في الدفاع يلعب على خط واحد تقريباً، ويعتمد المدرب بينتو على استراتيجية تنصيف الملعب، أي تضييق المساحات في الجانب الذي تتواجد فيه الكرة، إذا كانت الهجمة على اليمين، يتحول مدافع رفقة الظهير الأيمن نحو الخصم، ويدخل الظهير الأيسر في العمق ليصبح هناك ثلاثي صريح في القلب، وثنائي أمام الكرة.
#المخبر الكروي
في كرة السلة، أحياناً، يلعب فريق ما على نجم الفريق المنافس بلاعب خاص يلازمه كالظل، يذهب معه في كل مكان، ويأتي من خلفه بدون أن ينتبه كي لا يخطف منه الكرة، وفي كأس العالم، تكرر هذا التكتيك عن طريق لاعب الضغط المتقدم، أو المخبر السري الذي يرافق أفضل لاعبي وسط الخصم ويمنعه من بناء الهجمة بشكل سليم، إنه التكتيك الذي استخدمه يوب هاينكس مع بيرلو في مباراة بايرن ويوفنتوس ضمن بطولة دوري أبطال أوروبا 2013.
وأعاده أوسكار تاباريز مع إيطاليا في دوري المجموعات، إديسون كافاني مهاجم صريح ولاعب جناح عند الحاجة، وأمام الطليان هو أقرب اللاعبين لأندريا بيرلو، استراتيجية كلب الصيد التي لعبت بها إيطاليا في 2006، جاتوزو لاعب يساعد بيرلو كثيراً، يحجز له المنافس لكي يمرر بحرية، وفكرة كافاني هي قلب الميزة الزرقاء إلى عيب.
وقد نجح في ذلك، كلما استلم بيرلو الكرة، وجد كافاني قريباً منه، يحاول قطع الكرة منه، وإذا لم يستطع فإنه على الأقل يساهم في تأخير الهجمة وكسر إيقاع الهجمة وإنهائها.
#الدفاع المتقدم
لعبت بعض المنتخبات في البطولة بطريقة الدفاع المتقدم، ورغم خطورة هذه الفكرة خصوصاً مع المرتدات القاتلة واللعب الدفاعي العنيف، إلا أنها نجحت مع منتخبات تشيلي وألمانيا، ذلك لأنهما يملكان حارس مرمى بدرجة مدافع صريح، وليس فقط "ليبيرو" كفترة التسعينات.
في المقابل اعتاد الجميع على سماع أحد المعلقين يقول عن حارس ما، إنه يقوم بدور "قائد الدفاع"، لكن برافو حارس التشيلي، ومانويل نوير حارس ألمانيا، هما مشروع حقيقي للمدافع الحارس في كرة القدم، ثنائي يجيد التمرير والاستلام تحت ضغط، ويستطيع بكل سهولة أن يصعد خلف الدفاع ويكسر هجمات المنافسين، لذلك لعبت تشيلي في كثير من الأوقات بمدافع واحد لأن برافو هو المدافع الثاني، وألمانيا تصعد إلى الأمام لأنها تملك نوير في الخلف.
# مصيدة التسلل
في وقت أشار فابيو كابيلو في مؤتمر دبي الكروي نهاية العام 2013 أن تغيير قوانين التسلل في العام 1925، ساعد اللعبة بشكل كبير والتي نصت على أن اثنين من المدافعين أمر كاف حتى يكون لاعب الخصم في وضعية تؤهله لتسجيل هدف بعيداً عن مصيدة التسلل، إذ إن في الماضي وقبل صيف 1925، كان يجب تواجد ثلاثة مدافعين على الأقل في المنطقة بين خط المرمي وآخر مهاجم كي يستمر اللعب.
وخلال المونديال الحالي، نجح المنتخب الكوستاريكي في تطبيق مصيدة التسلل بخفة ومهارة واضحة، حيثُ إن جورجي بينتو مدرب لا يؤمن بالصدفة، هو رجل يعجب كثيراً بالمدرب الخاص جوزيه مورينيو، ويؤكد أن كرة القدم علم مُمنهج يرتبط بالتدريب والتخطيط والتطوير، لذلك لعب البلد السعيد بتكتيك مذهل، المنتخب يدافع بأكبر عدد ممكن من اللاعبين ويهاجم بالعدد نفسه.
وحينما يمتلك الخصم الكرة، يقابل خمسة لاعبين دفعة واحدة أمام المرمى، لكن بتمركز متقدم بعض الشيء، ومع الضغط الشديد عن طريق لاعبي الوسط فإن صانع لعب المنافس يمرر بشكل سريع مع وجود مساحة شاسعة بين الدفاع وحارس المرمى، فيقع المهاجمون في التسلل، جملة تكررت كثيراً أمام كل منافسي كوستاريكا.