أشعلها بو عزيزي وترك لشبابنا الحل

أشعلها بو عزيزي وترك لشبابنا الحل

21 مايو 2014
+ الخط -

قبل سنوات، كنت أقف وأصدقاء حالتهم لا تطمئن، نتحدث عن حالتنا العجيبة في اليمن، من غياب الاستقرار والفقر وغموض المستقبل وتردي الأوضاع، ونتساءل: لماذا نحن هكذا، وكم سنظل فقراء ومشردين من بلاد إلى أخرى، والذي لا يأتي الرزق إلينا، في أغلب الأحيان، إلا بإهانة وتذلل، وظللنا نتحسر من هذه المعيشة وضنكنا، خصوصا عندما نقارن حالتنا في اليمن بحالة المواطنين في دول الخليج. تساءلنا ماذا يجري بنا، ولماذا نحن هكذا؟
أدلى كلٌّ منهم بدلوه، ولكن، كانت آراؤنا تصدر بتحفظ شديد، وخوف لا يفهم بغير أننا كنا على سفر، وفي مكان عام، وبعيدين عن أهالينا، ونخشى أن يسمعنا أحد المجانين الذين في الشوارع ومازالوا فيها، واليمنيون يخشونهم، بظن أنهم مخبرون متنكرون، والحقيقة أنهم مرضى نفسيون، غلبتهم ظروفهم والمجتمع مع أهاليهم بمشاركة النظام، حتى تمكنت منهم الأمراض التي ربما عانوا منها مبدئياً بشكل طفيف، ولم يكترث أحد من أهاليهم لأمرهم، ليساعدهم.
وكما العادة في اليمن، مع غياب الوعي والجهل وشح الحال، يصنف هذا الإنسان مسحوراً أو مجنوناً، فيظل المجنون المحظوظ، ويتعرض الآخر للأذى والضرب، بحجة العلاج وإخراج الجان الساكنة فيه، حتى فعلا يجن تماما، ثم يترك في حال سبيله، فظلوا يعانون من هذه الأمراض طويلاً.  ومع يأس الأسر منهم، فروا من مساكن أهاليهم الفقراء إلى الشوارع، ولم تستطيع الدولة أن تتولى أمرهم بتوفير الرعاية الصحية الكاملة لهم، ولملمتهم من شوارع المدن المنتشرين فيها إلى مراكز الإيواء الخاصة.
ماذا تفعل الدولة لتصرف أنظار الناس والزائرين ممن يتعاطفون مع هذه الحالات الإنسانية والاستثنائية؟ قامت بواجبها نحوهم، وهو ممارسة أبشع الجرائم القذرة ضدهم، أي استغلالهم لخدمتها مجاناً، لترهيب الناس بهم، ومن دون مقابل، ولو كان الطعام. وحتى تداري على جريمتها، وتجعلها تستمر سنوات، عملت عمداً على تغيير أماكن وجودهم، ونقلهم بين المحافظات اليمنية سراً، وبشكل شرير، بحيث يدعون الفرد منهم ليعيش في أماكن لا يجد فيها من يتعرف عليه من ذويه بشكل يومي ومستمر، لكيلا يحكي للناس قصته، ويتناقلون هذا بينهم.  وتبث الدولة إشاعة مكثفة وتروجها بدهاء، هي أن هؤلاء يعملون في الأمن الاستخباراتي للدولة، ويتجسسون على اليمنيين، فصارت الناس تشمئز منهم، ولا تبالي بأحوالهم المزرية.


أين يوجد الخلل وما الحل؟ كانت إجابتي للأصدقاء أن الخلل فينا، والحل قيام ثورة، وما علينا فعله إشعالها فقط.  فقالوا كيف نشعلها ونحن لا نمتلك أي مقومات المعرفة والقوة التي تمكننا من إتمام هذه المجازفة الخطيرة، والتي ستنتهي بنا في السجون، أو الموت الفوري. قلت لهم إن ثورتنا لا تحتاج أي تكاليف أكثر من أن نمضي فيها في الشارع العام المزدحم بالناس، ونصرخ ثورة ضد الظلم، يسقط النظام يسقط النظام، ونمضي، والناس ستتفاعل معنا وتمضي بجوارنا، ولو مبدئياً من باب الفضول، لمعرفة إلى أين سينتهي هؤلاء الحمقى، لتتجمع الجماهير وتزيد من حولنا، وتختلط أوراقهم بمطالبنا، والشعوب العربية، والشعب اليمني خصوصاً، يحب التجمهر بهذه المظاهر الكرنفالية الغريبة، ويتفاعل معها، خصوصاً إذا وجدت تلك المناظر المطرزة بالتظاهرات الحماسية. حينها، مؤكد أننا سنجد من يفهم مطالبنا، ويتولى في المرحلة الثانية من يمتلكون الخبرة نيابة عنا. ولأن الأهم في الخطوة الأولى الإقدام عليها وإثارة الموضوع للذين ربما يكونون جميعهم مثلنا، منتظرين من يشعلها لهم أولاً، وهم يكملونها.
للأسف، تركني أصدقائي، منسحبين واحداً تلو الآخر، فوجدتني في مكاني وحيداً، ما جعلني أكمل وحدي رحلتي الطويلة، للبحث عن مصدر للرزق، ونسيت حلمي الثوري، حتى جاء محمد بوعزيزي بثورته المفاجئة من تونس، ليعيده إلى داخلي ويغرسها في صدورنا مباغتة، ورفعت الحرية أعلامها، وأرسلت روحه الطاهرة الربيع العربي هدية منه إلينا، وقلنا ذهبت روح وأتت ببديلها، ومهما يكون الثمن لن يكون أمرّ مما مضى، وأغلى مما دفعناه مسبقاً، فالمهم والأهم هو التغير، فقد مللنا أولاً هذه الأشكال المنصبة نفسها فوقنا دهوراً.
انطلقت الشائعات أنها مؤامرة صهيونية وغربية علينا، لتفكيك شمل الأمة الإسلامية، فقلنا مرحبا بها، ومتى كنا متحدين أصلاً، حتى تفككنا هذه المؤامرة اليوم، وبدأت تشتعل مصابيح الأمل سريعاً، وسط مقاومة شديدة، وتكتم من الأنظمة والجهات الرسمية، لكن المحاولات الإعلامية الجريئة والحرة، مع الأصوات المستقلة، استطاعت إحباط محاولاتهم بالقمع والتخفي، لأجل إخفاء علامات شروق الغد المشرق، حتى تم إخراجها للنور، رغما عنهم.
وقيل، بعد ذلك، لأحرار الشعوب العربية، أتى دوركم، أرونا ما أنتم صانعون، وتحرك الشباب العربي الذين كانوا متحمسين في البداية للتغيير، وسرعان ما أظهرت نتائج أولية أن حماس بعضهم ربما يكون لحب الظهور أكثر من حب التغيير. أو قد تكون قوة التغطية الإعلامية والاهتمام العالمي الزائد بربيعهم أثارتهم، فأثرت عليهم سلباً، وسرقت ثورتهم من دون قصد منها، بحكم أننا في الوطن العربي محرومين منها، ومن الاهتمام الكامل بحقوقنا ولم يسبق أن رأينا مثل هذا الضجيج الإعلامي يجوب حولنا، بكل قضايانا المصيرية السابقة، ولأننا لا نثق بأنفسنا كثيراً بأننا أصحاب أملاك وملاك لأوطاننا، اعتدنا أن الحاكم هو المالك الوحيد للوطن، ونحن مجرد رعيته الأوفياء، ولا يجوز حتى التفكير بالخروج عن طاعته وإن كان يحكمنا رجل جائر.
أخطأ الحكام، هذه المرة، التقدير، ولم يستطيعوا التصدي للأفواج المتدفقة للميادين، والسيطرة عليها بالمواعظ الروحانية، فقد ضاق الحال في الجميع، وذاع للثورات صيت ينادي بصوت النصر. والبهرج الخداع الذي أغراهم في التمسك بها، والخروج عن سننهم تلك، بجميع أشكالها، ما جعل الاستمرار في ثورتهم واجباً وطنياً ومطلباً قومياً.
زاد غرور بعض شبابنا، ودخلت في نفوسهم أطماع، وصاروا يتخبطون بالثورات، من دون عزيمة في داخلهم تؤهلهم لمواصلة المسيرة. تفككوا وانقسموا مجموعات وكتلاً صغيرة في تكتلات كبيرة، وأضاعوا الصواب، وصاروا لا يعلمون ماذا يريدون من أنفسهم بالضبط، وماذا تريد الأوطان منهم أكثر من الصراخ أمام العدسات والشجب والاستنكار باسم التغيير، والتسابق على التصريحات، والبحث سلفاً عن الحلول الصحيحة والمناسبة بعد إسقاط الأنظمة، قبل أن تسقط، حتى أدخلت الثورات، بعد ذلك، بين الساسة والأحزاب، وفتح المزاد للمزايدة عليها، والتقاسم والقسمة، ومنها خلقت بينهم المنازعات لتحل مكان الثورات التسوية، ومن دون علمهم لماذا يحصل فيهم هذا.
تُركت الثورات من دون حماية من الوحوش المفترسة التي سرعان ما أخذت بزمام المبادرة، من دون أن يشعر الشباب بها، فأدخلتهم في دوامة بحرية كبيرة، حتى أخرجتهم جميعا إلى خارج مسرح القضية القومية العادلة التي تحولت، أخيراً، إلى جريمة، وسقطت الشعوب العربية مع كل مطالبها، وانتصرت الديكتاتورية، وعلمت حينها أن الصراخ وحده لا يكفي الحرية، بل تحتاج إلى إيمان فينا ينصرها.

 

avata
avata
سعيد النظامي (اليمن)
سعيد النظامي (اليمن)