14 ابريل 2017
أشباح الجمهورية
أكاد أجزم أن الذي قتل غابرييل غارسيا ماركيز هو عبد العزيز بوتفليقة، فلا أحد يمكنه أن يقنعني أن تزامن وفاة صاحب "حكاية موت معلن" مع فوز بوتفليقة محض صدفة. أُرجّح أن "غابو" كان يغالب احتضاره بعيداً عن الأنظار، وبحرصٍ شديدٍ على كرامته، وعلى أَناقته التي عرف بها في الحياة وفي الكتابة وفي الموت، وفي تلك الأثناء، ربما رأى في قناة ما عبد العزيز بوتفليقة على كرسيه المتحرك، يتقدم نحو "تابوت الاقتراع"، ويعطي صوته للمرشح الوحيد الذي كان بلا صوت في أثناء الحملة الانتخابية.
هذه الصورة، بالتأكيد، هي التي قتلت ماركيز، لأنها قتلت بضربةٍ واحدةٍ كل قواعد "الواقعية السحرية"، وفي مقدمتها قاعدة بسيطة وأساسية، هي أن الواقعية السحرية لا تحدث إلا في الكتابة. ماركيز جعل طفلاً يولد بذيل خنزير، وأبقاراً تأكل السجاد الفاخر في قصر الديكتاتور بعد سقوطه، وعاشقاً مجنوناً يفر بعشيقته العجوز في باخرةٍ تحاصرها الكوليرا، ويتصور أنه سيفعل ذلك مدى الحياة. عوالم باهرة سكن بها ماركيز خيال العالم ووجدان الملايين من قرائه، وهو مرتبط معهم بميثاق لا انفصام له: الكتابة لا تكذب، ولا تزور، ولا تزيّف. إنها فقط تفاوض الواقع على احتمالاته المتعددة، وتلعب به ومعه، لتجعله مدهشاً بإمكاناته اللامحدودة، وقابلاً للتصديق، حتى في أكثر احتمالاته سحراً وغرابة، بالكتابة، وبالكتابة وحدها. تقوم أنت، يا سيادة الرئيس، وتكسر القاعدة على جمجمة الكاتب، وتجعل الواقعية السحرية تغادر الكتابة، وتنزل إلى الشارع الحي، من أجل استقرار الجزائر، ولو على كرسي متحرك، وتستغرب، بعد ذلك، أن يفقد العالم نهراً جميلاً من الكلمات الساحرة، في المساء نفسه الذي تفوز فيه أنت بولايتك الرابعة.
في "مائة عام من العزلة"، تعيش الشخصيات عزلة تراجيدية، فهي تفقد الذاكرة، وتُصاب بأرق دائم، وتدمن النسيان والعنف، وتعيش في ماكوندو على حافة انتظار القيامة. وعندما يقرر الكولونيل بوينديا الخروج من دوامة الحرب، يوقع اتفاقية سلام، ويطلق رصاصة على صدره، مباشرة، بعد ذلك، تجنباً للذهاب نحو المستقبل. ولسوء حظه، فإن الرصاصة لا تقتله، ما يجبره على العيش وحيداً في قلب احتضار ماكوندو.
لا شيء يشبه شيئاً، ومع ذلك، أحيانا يبدو بعض حكامنا أشبه بشخصيات هذه القرية الأسطورية، كلهم يحملون أمتعتهم على ظهورهم، ويهربون من المستقبل.
يتدفق ملايين الأطفال على ديموغرافيا الجزائر، ويتناقص كل يوم ريعها "السهل".
ما هو الحل؟
الفرار من المستقبل
يتهدم البيت من الداخل، تسقط سقوفه، وتتآكل جدرانه
ما هو الحل؟
إقفال أبواب البيت ونوافذه، حتى لا يرى أحد خراب الدواخل
تتصور" الجماعة"، وهو الاسم الذي تطلقه الجزائر على أشباحها، أي على تلك القوة السحرية التي تعرف، وحدها، ما يصلح للشعب الجزائري، وما لا يصلح له، أن المطلوب هو إيجاد الرجل المناسب لاستمرار الوضع المناسب، فتجده، وترممه، وتقنعه بضرورته القصوى، اليوم وغداً وفي كل حين، وتزج به ضد كرامته، وضد تاريخه، في مشهد كئيبٍ من مسرح الظل، في انتخاباتٍ بلا روح، يتظاهر فيها مرشحون تائهون بأن معجزةً ما تكمن لهم في المنعطف، مرشحون لا أوهام لهم بخصوص النتيجة، ولا بخصوص أنفسهم، يلقون بالوعود كما يتخلصون من معاطف ثقيلة تعيق مشيتهم، ثم تزج بهم في فوز كسيح، بطعم هزيمةٍ لا تقولها اللغة بل انكسار الروح، وعلى الرجل أن يدخل القصر حزيناً، لينام مع أرقام "الجماعة"، وهي تأكل منه، ويأكل منها.
مع ذلك، ليس من الحكمة أن نستهين بالواقعية السحرية، عندما تغادر الكتابة، وتنزل إلى الشارع الحي. فهي قد تقرر، مثلاً، أن يقف الرئيس فجأة على قدميه، ويستخرج أسداً من تنفسه البطيء، ويقلب الأرض ومن فيها على "الجماعة"، يطرد الجنرالات، ويفتح القصر للشباب، ويضع مقاليد الأمور بين أيدي من يستحقونها، ويتقدم نحو المستقبل، ويجعل مطراً غزيراً من الإصلاحات ينهمر على ماكوندو الجديدة أربع سنوات وأحد عشر شهراً ويومين، تماماً كما في رواية المعلم الكبير ....
ماركيز مات
عاش بوتفليقة.
هذه الصورة، بالتأكيد، هي التي قتلت ماركيز، لأنها قتلت بضربةٍ واحدةٍ كل قواعد "الواقعية السحرية"، وفي مقدمتها قاعدة بسيطة وأساسية، هي أن الواقعية السحرية لا تحدث إلا في الكتابة. ماركيز جعل طفلاً يولد بذيل خنزير، وأبقاراً تأكل السجاد الفاخر في قصر الديكتاتور بعد سقوطه، وعاشقاً مجنوناً يفر بعشيقته العجوز في باخرةٍ تحاصرها الكوليرا، ويتصور أنه سيفعل ذلك مدى الحياة. عوالم باهرة سكن بها ماركيز خيال العالم ووجدان الملايين من قرائه، وهو مرتبط معهم بميثاق لا انفصام له: الكتابة لا تكذب، ولا تزور، ولا تزيّف. إنها فقط تفاوض الواقع على احتمالاته المتعددة، وتلعب به ومعه، لتجعله مدهشاً بإمكاناته اللامحدودة، وقابلاً للتصديق، حتى في أكثر احتمالاته سحراً وغرابة، بالكتابة، وبالكتابة وحدها. تقوم أنت، يا سيادة الرئيس، وتكسر القاعدة على جمجمة الكاتب، وتجعل الواقعية السحرية تغادر الكتابة، وتنزل إلى الشارع الحي، من أجل استقرار الجزائر، ولو على كرسي متحرك، وتستغرب، بعد ذلك، أن يفقد العالم نهراً جميلاً من الكلمات الساحرة، في المساء نفسه الذي تفوز فيه أنت بولايتك الرابعة.
في "مائة عام من العزلة"، تعيش الشخصيات عزلة تراجيدية، فهي تفقد الذاكرة، وتُصاب بأرق دائم، وتدمن النسيان والعنف، وتعيش في ماكوندو على حافة انتظار القيامة. وعندما يقرر الكولونيل بوينديا الخروج من دوامة الحرب، يوقع اتفاقية سلام، ويطلق رصاصة على صدره، مباشرة، بعد ذلك، تجنباً للذهاب نحو المستقبل. ولسوء حظه، فإن الرصاصة لا تقتله، ما يجبره على العيش وحيداً في قلب احتضار ماكوندو.
لا شيء يشبه شيئاً، ومع ذلك، أحيانا يبدو بعض حكامنا أشبه بشخصيات هذه القرية الأسطورية، كلهم يحملون أمتعتهم على ظهورهم، ويهربون من المستقبل.
يتدفق ملايين الأطفال على ديموغرافيا الجزائر، ويتناقص كل يوم ريعها "السهل".
ما هو الحل؟
الفرار من المستقبل
يتهدم البيت من الداخل، تسقط سقوفه، وتتآكل جدرانه
ما هو الحل؟
إقفال أبواب البيت ونوافذه، حتى لا يرى أحد خراب الدواخل
تتصور" الجماعة"، وهو الاسم الذي تطلقه الجزائر على أشباحها، أي على تلك القوة السحرية التي تعرف، وحدها، ما يصلح للشعب الجزائري، وما لا يصلح له، أن المطلوب هو إيجاد الرجل المناسب لاستمرار الوضع المناسب، فتجده، وترممه، وتقنعه بضرورته القصوى، اليوم وغداً وفي كل حين، وتزج به ضد كرامته، وضد تاريخه، في مشهد كئيبٍ من مسرح الظل، في انتخاباتٍ بلا روح، يتظاهر فيها مرشحون تائهون بأن معجزةً ما تكمن لهم في المنعطف، مرشحون لا أوهام لهم بخصوص النتيجة، ولا بخصوص أنفسهم، يلقون بالوعود كما يتخلصون من معاطف ثقيلة تعيق مشيتهم، ثم تزج بهم في فوز كسيح، بطعم هزيمةٍ لا تقولها اللغة بل انكسار الروح، وعلى الرجل أن يدخل القصر حزيناً، لينام مع أرقام "الجماعة"، وهي تأكل منه، ويأكل منها.
مع ذلك، ليس من الحكمة أن نستهين بالواقعية السحرية، عندما تغادر الكتابة، وتنزل إلى الشارع الحي. فهي قد تقرر، مثلاً، أن يقف الرئيس فجأة على قدميه، ويستخرج أسداً من تنفسه البطيء، ويقلب الأرض ومن فيها على "الجماعة"، يطرد الجنرالات، ويفتح القصر للشباب، ويضع مقاليد الأمور بين أيدي من يستحقونها، ويتقدم نحو المستقبل، ويجعل مطراً غزيراً من الإصلاحات ينهمر على ماكوندو الجديدة أربع سنوات وأحد عشر شهراً ويومين، تماماً كما في رواية المعلم الكبير ....
ماركيز مات
عاش بوتفليقة.