Skip to main content
أسير عاشق في مرآة ليلى شهيد
محمد المزديوي ــ باريس
جينيه، تصوير: ستيفن شايمس
معرض "المغرب العربي للكتاب"، الذي تشرف على تنظيمه جمعية "كو دو سولاي" (ضربة شمس)، مناسبة لجمهور متنوّع، من فرنسيين وعرب، للاطلاع على دينامية الكتاب في شقها المتعلق بإنتاج أبناء العالم العربي أو الإنتاج المتعلق بالكتابات الفرنسية المهتمة بشؤون الجاليات العربية الإسلامية في فرنسا واندماجها.

وعلى الرغم من أن الحضور لم يكن كثيفاً، لأسباب عديدة، منها الأزمة الاقتصادية وأيضاً حالة الطوارئ في فرنسا، إلا أن كثيراً من الناشرين والكتّاب والمبدعين كانوا حاضرين، ومنهم صاحب "منشورات مكتبة الأعمدة" في طنجة، الذي قدّم بعض إصداراته، ومن بينها ترجمة عربية جديدة لرواية "أم الربيع" لإدريس شرايبي، وأيضاً طبعة جديدة لنص نثري للكاتب المسرحي والشاعر الفرنسي جان جينيه (1910 - 1986) "أربع ساعات في شاتيلا" (ترجمة محمد برادة)، تليها ترجمة لقاء مع ليلى شهيد، المناضلة الفلسطينية والسفيرة المعروفة في ما بعد، من إنجاز محمد حمودان.

في تقديم الناشر لـ "أربع ساعات في شاتيلا" نقرأ: "إن هذا النص الذي تمخّض عنه، لاحقاً، نصّ "أسير عاشق"، نصّ سياسي وأدبي بامتياز، يشكّل، بقدر ما يظل عصياً عن التصنيف، ريبورتاجاً مرعباً وموضوعياً يسرد من خلاله جينيه مذبحة شاتيلا، إحدى أفظع تراجيديات العالم الحديث".


مفتاح لفهم علاقة جينيه بفلسطين

وفي ما يخص المقابلة التي أجراها جيروم هانكنس، مع ليلى شهيد عام 1991، نقرأ: "شهادة عن الأحداث المأساوية تكشف عن نضال الشعب الفلسطيني، بنسائه ورجاله، وهو نضال ما يزال مستمراً، وكذا عن صراع جينيه وعودته للكتابة والحياة".

وإذا كان الكثيرون قرؤوا نصّ "أربع ساعات في شاتيلا"، في مجلة "الكرمل" وغيرها، فإنّ الحوار مع ليلى شهيد، التي كانت في بيروت، وبرفقتها جينيه، حين وقعت المذبحة، لم يقرأ كثيراً، وأصبح بالإمكان، الآن، قراءته بالعربية، بفضل ترجمة الشاعر والروائي محمد حمودان.

والحقيقة أن الحوار مفتاحٌ لفهم علاقة جينيه بالشعب الفلسطيني وتفاؤله الراسخ بانتصارهم في معركتهم، ومفتاح، أيضاً، لفهم عودته إلى الكتابة، رغم إصابته بالسرطان، سواء في نص "أربع ساعات في شاتيلا"، أو لاحقاً، عبر نص "أسير عاشق"، الذي نشر بعد رحيله.

في الحوار، تتحدث شهيد عن أثواب كانت تتدلّى من شقة أمها في بيروت، سنة 1982، وكيف أقنعت والدتها بنزعها "لم تكن تدرك أن هذه الأثواب كانت مثل الرايات، وبأن الإسرائيليين في سياراتهم التابعة للمخابرات، وهم يرون هذه الأثواب متدلية، سيحسبونها أعلاماً فلسطينية تم رفعها".

من جهته، كان مؤلف مسرحية "الخادمات" مفتوناً بالتطريز الفلسطيني، وهو ما نعرفه حين نقرأ أنه "كان يرى، وهو جالس ببيتي في الرباط، أمي تطرز لساعات. لقد عاشت أمي حرب فلسطين بكل فصولها وكذا حرب لبنان، كما أنها نفيت من فلسطين ومن لبنان.

فكان التطريز بمثابة علاج. في كل مرة، تغرز فيها الإبرة في القماش، يتولّد لديك انطباع بأنها تجدّد العلاقة مع شيء ما. فالخرزة مثل عقدة. كانت تلك طريقتها في المقاومة"، ستكشف شهيد لاحقاً ما وراء هذه المتابعة: "في الحقيقة، الحركة هي التي كانت تفتنه.

حينما نغرز الإبرة في القماش، فإننا نقوم برسم دائرة. وأنا كنت أقول دائماً بشأن حياته: اكتملت الدائرة؛ اكتملت دائرة حياة جان، فلقد بدأت بمكان ما بإحدى مؤسسات الرعاية الحكومية، مرّت بالتمرّد والسجن، توجّهت نحو الشرق عندما كان جندياً، عادت إلى الشرق صحبة الفلسطينيين وانتهت أمام الجثث، التي وجدها عند أقدامه في شاتيلا. وإنه لصحيح أن الخيط حينما نطرز يقوم بنفس الحركة الدائرية".


في مواجهة الموت

تواصل ليلى شهيد الحديث عن هذا التطريز، فتقول: "إنه لأمر جميل، هذه الفكرة بأن التطريز هو الذي ألهمه بنية نصّه، لأنني أظن أن التلقّي السيئ لهذا الكتاب سببه عدم فهمه من طرف الناس (...) ولأنهم لم يتمكنوا من إيجاد تعريف يلصقونه بهذا النص فإنهم قالوا: "لا يهم. ليس ذلك مثيراً. لقد أصبح خَرِفاً. إنه نص يسخر فيه جينيه من العالم". لم يدركوا أن الأمر عكس ذلك، إنها الشفافية التي جعلت نفس الـ جينيه هذا، في مواجهة الموت، يقوم بما رفض القيام به خلال سبعين سنة. إنه يتعرى كلياً، بوضوح وشفافية لا يمكن أن أصفهما إلا بالصوفية".

أمضى الكاتب الفرنسي، كما تقول شهيد، عمره "في حياكة حياته عبر قارات وشعوب وثقافات ولغات مختلفة. ذهاب وإياب كان يدمر الفضاء والزمن مثل كتابه. في ترحال الفلسطينيين في المنفى، هناك نفس مسار الترحال الدائم هذا. ولذلك فتنه فلسطينيّو اللجوء والشتات أكثر مما فتنه هؤلاء الذين بقوا في أرضهم. في هذه الحركة الدائمة التي يسمّيها الذهاب والإياب، هناك دائماً رفض للـ هنا بمفردها وللمكان الآخر بمفرده. وضع جينيه دائماً نفسه في "موضع الرحيل بغتة" كما يقول ذلك في شاتيلا، لكي يتخلى عن الثقافة التي ولد داخلها، اللغة التي ولد فيها ليذهب نحو أخرى. لأن الأشياء الحقيقية توجد في الـ ما بين بين، في البياض بين الأسودين".


نصوص نادرة

إصدار هذا العمل دعانا إلى سؤال الناشر وصاحب المكتبة المعروفة في طنجة (افتتحت سنة 1949)؛ سيمون- بيير هاملان، عن الخط التحريري الذي تلتزم به مكتبته، فأكد على الربط بين الأجيال الأدبية المختلفة في المغرب، بين الرواد وبين الجيل الجديد، أي عبر إعادة نشر نصوص نادرة لعبت في زمن نشرها الأول دوراً ريادياً في الثقافة المغربية باللغة الفرنسية، ومنها نصوص إدريس شرايبي والبوعناني وغيرهما.

يعيب هاملان على كثير من الناشرين الفرنسيين في المغرب تعريفهم للكتاب الجيد بكونه الكتاب الذي يُباع منه أكبر عدد من النسخ، مؤكداً أن هذا الفهم لا يفرّق بين الإبداع وأي سلعة أخرى.

وبخصوص نشره حوار ليلى شهيد مع نص جينيه، يقول إن "منشورات مكتبة الأعمدة" لا تميّز بين الثقافي والسياسي، و"هذا هو جوهر ما يجب أن تكون عليه دار نشر". كما يكشف أن رغبة الدار ليست فقط في الانفتاح على فرنسا وتسويق الكتاب المغربي فيها، بل، وأيضاً، إتاحة الفرصة لأعمال عربية بالفرنسية أن تُقرأ، باللغة العربية "لأن اللغة العربية ليست فقط لغة المقدّس، وإنما هي أيضاً لغة الأدب والفن والفلسفة".


اقرأ أيضاً: صبرا وشاتيلا.. أبعد من الفن