أسواق ليبية للرقيق... مقابر جماعية في الصحراء

أسواق ليبية للرقيق... مقابر جماعية في الصحراء

12 ابريل 2017
ما هو مصيرهم؟ (إيسوف سانوغو/ فرانس برس)
+ الخط -

يقول المتحدث باسم المنظمة الدولية للهجرة في جنيف، ليونارد دويل، إنّ "المهاجرين الذين يقصدون ليبيا بهدف بلوغ أوروبا، ليست لديهم أيّ فكرة عن أرخبيل التعذيب الذي ينتظرهم. هناك، يصبحون سلعاً تُشترى وتُباع أو يتخلّصون منها إذا لم تعد ذات قيمة".


أمس الثلاثاء، أصدرت المنظمة الدولية للهجرة تقريراً بيّنت فيه استناداً إلى شهادات موثّقة، وجود "أسواق للرقيق" في ليبيا. وهو ما أكّده لـ"العربي الجديد"، مسؤول ليبي في جهاز الهجرة غير الشرعية، إذ أشار إلى "مراكز إيواء للمهاجرين غير الشرعيين في ليبيا على نطاق واسع، في حين تنشط شبكات تهريب البشر وسط الفوضى السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد".

يقول الضابط بوبكر معنه، الذي يعمل في فرع جهاز الهجرة غير الشرعية في بلدة تراغن، جنوبيّ ليبيا، إنّ "شبكات التهريب باتت تعمل بطريقة أكثر علنيّة وتنظيماً في الجنوب الليبي"، لافتاً إلى "تورّط مجموعات مسلحة تابعة لأجهزة رسمية في إحدى سلطتَي ليبيا، في أعمال التهريب". ويوضح أنّ "هذه المجموعات المسلحة تمارس أعمال تهريب تستهدف البشر إلى جانب الاتّجار بالأسلحة والمخدّرات وتهريب الوقود. وهي تحظى بغطاء قبلي وكذلك قانوني، إذ إنّها تحمل شعارات إحدى مؤسسات الدولة الأمنية، سواء التابعة لطرابلس أو طبرق".

ويصف معنه الوضع بـ"الخطير"، مؤكداً أنّ "بلدات تراغن ومرزق وأم الأرانب وتويوة وبنت بيه وعشرات القرى البعيدة الأخرى، تضمّ مراكز لتجميع المهاجرين، من غير الممكن تحديد عددها". يضيف أنّهم "خارج سيطرتنا. والغطاء القبلي وكذلك القانوني يمنعاننا من مراقبتهم، خشية الصدام المسلح".

وعن تعامل شبكات التهريب مع المجموعات المسلحة، يقول إنّ "المجموعات المسلحة تأوي المهاجرين في مراكزها وتحمي تنقلاتهم، وشبكات التهريب هي التي تتاجر بالبشر وتبيعهم". ويشير إلى أنّ "شهادات مهاجرين ناجين تثبت أنّ المهاجر الواحد يباع في مقابل مبلغ يعادل 500 دولار أميركي، وترتفع الأسعار كلما اقترب المهاجر شمالاً إلى البحر". يضيف أنّ "رؤوس التهريب أو القائمين على هذه العصابات معروفون من قبل الجميع، بما في ذلك سلطات ليبيا. وهم ينتمون إلى قبائل ليبية لها امتدادات تصل إلى النيجر وتشاد. وثمّة أشخاص من أبناء عمومتهم يعلمون في الشبكات ذاتها". ويتابع معنه أنّ "هؤلاء المهرّبين عددهم تسعة، وهم يشرفون على شبكات عديدة مرتبطة بمهرّبين آخرين يسيطرون على الشاطئ في الشمال". ويفيد بأنّ "المعلومات تؤكد وجود مراكز تجميع للمهاجرين في صبراتة وصرمان، غربي البلاد، وفي سوسة وضواحي طبرق، شرقي البلاد، يجري فيها بيع المهاجرين لمهرّبين عبر قوارب بحرية".




في السياق، يوضح معنه أنّ مراكز الإيواء الشرعية التابعة لسلطات ليبيا "تأوي أكثر من ثلاثة آلاف مهاجر غير شرعي، جلّهم من جنسيات أفريقية". لكنّه يشير إلى أنّ "معلوماتنا تقترب من تأكيد وجود ضعفَي هذا العدد في مراكز إيواء خاصة بشبكات التهريب. وهؤلاء جميعاً معروضون للبيع". ويشرح أنّ "البيع يجري من خلال عرض القائم على عصابة ما لديه من مهاجرين في أماكن علنية. يحدث ذلك في قرية بنت بيه - وادي الأجال مثلاً، البعيدة عن المراقبة". يضيف أنّ "من المناطق التي تأسست على تجارة العبيد، منطقة مرزق. بالتالي فإنّ قبولها لهذه التجارة أمر طبيعي، وفيها تنشط عمليات البيع، ولا يمكن لأيّ سلطة في البلاد أن تتدخل، نظراً إلى خضوعها لسيطرة مسلحي قبيلة التبو التي تؤمّن طرقات الوصول إليها".

ويتابع معنه أنّ "الأمر الأكثر بشاعة هو تصفية المهاجر الذي يعجز عن الدفع. فشبكات التهريب تأخذ المال من المهاجر ومن المشتري على حدّ سواء، ولا تتورّع عن قتل كلّ من يعجز عن الدفع. وتكثر هذه العمليات شمالاً، قبل الوصول إلى الشاطئ. في بني وليد، جنوب شرق طرابلس، على سبيل المثال، عُثر على أكثر من مقبرة جماعية، هذا إن غضضنا النظر عن التعذيب والتهديد والتنكيل والتعنيف الجسدي والجنسي". وإذ يقول "التفات المنظمات الدولية إلى هذا الأمر الخطير من خلال الاستماع إلى شهادات مهاجرين، لفت الأنظار"، يؤكّد أنّ "الأمر عندنا ليس بجديد. فـالاتّجار بالبشر أصبح مألوفاً ولا يمكن الوقوف في وجهه، نظراً إلى سطوة الذين يرعونه".

وكان التقرير الذي أصدرته المنظمة الدولية للهجرة، أمس الثلاثاء، قد بدا صادماً، إذ هي وثّقت من خلال مندوبيها في النيجر وليبيا وجود أسواق للاتّجار بالبشر في ليبيا. موظفو المنظمة نقلوا فيه أحداثاً مروّعة تشهدها طرقات الهجرة في شمال أفريقيا، وقد تحدّثوا عن "أسواق للرقيق"، حيث يتعرّض مئات الشبان الأفارقة المتجهين إلى ليبيا للتعذيب. وقد أشار مسؤولو العمليات في مكتب المنظمة في النيجر إلى إنقاذ مهاجر سنغالي أشير إليه باسم "أس سي" بهدف حمايته. يُذكر أنّه عاد إلى منزله هذا الأسبوع بعد احتجازه لأشهر عدّة.

وهذا الشاب كان قد حاول السفر إلى الشمال عبر الصحراء ووصل إلى أغاديز في النيجر. قيل له إنّه من الواجب عليه دفع نحو 320 دولاراً أميركياً لمواصلة طريقه شمالاً إلى ليبيا. وفّر له المهرّب مكاناً للإقامة إلى حين موعد مغادرته بواسطة شاحنة. الرحلة التي استمرت أكثر من يومين في الصحراء، كانت مقبولة نسبياً. لكنّ المنظمة تشير، بحسب شهادات آخرين، إلى أنّ بعض السائقين يتركون المهاجرين على الطريق أو يُسرق هؤلاء من قبل قطّاع الطرق.

مصير "أس سي" كان مختلفاً. حين وصلت الشاحنة إلى سبها، في جنوب غرب ليبيا، نقل السائق المهاجرين إلى مرأب لركن السيارات، حيث رأى "أس سي" سوقاً للرقيق. ويقول موظف نيجيري في المنظمة إنّ المهاجرين من أفريقيا جنوب الصحراء كانوا يُباعون ويُشترون من الليبيين، بدعم من الغانيين والنيجيريين.

أحدهم اشترى "أس سي"، الذي انتقل إلى سجنه الأول في منزل احتُجز فيه أكثر من مائة مهاجر كرهائن. يخبر أنّ الخاطفين كانوا يجبرونهم على الاتصال بعائلاتهم، وكثيراً ما كانوا يضربونهم أثناء مكالماتهم الهاتفية ليعرف الأهل ما يحصل مع أولادهم. وبهدف الخلاص من السجن، طُلب منه دفع 480 دولاراً أميركياً، من دون أن يكون قادراً على تأمين المبلغ. بعدها، اشتراه ليبي آخر ونقله إلى منزل أكبر، فيما كان عليه دفع نحو 970 دولاراً أميركياً لإطلاق سراحه.

تمكّن "أس سي" من الحصول على بعض المال من عائلته، ثم وافق على العمل كمترجم للخاطفين، لتجنّب مزيد من الضرب. وصف الظروف الصحية بـ"المروّعة". كانوا يحصلون على الطعام مرّة واحدة في اليوم فقط. أمّا المهاجرون الذين لا يستطيعون تأمين المال، فكانوا إمّا يُقتلون أو يُتركون ليموتوا جوعاً. ونقل هذا الشاب للمنظمة أنّه في حال توفي شخص ما أو أطلق سراحه، يقصد الخاطفون السوق لشراء مزيد من المهاجرين. وهؤلاء كانوا يشترون النساء كذلك، ويتّجرون بهنّ لأغراض جنسية.



والمنظمة الدولية للهجرة تجمع معلوماتها من المهاجرين العائدين من ليبيا، الذين يمرّون بمراكزها في نيامي وأغاديز. يقول أحد العاملين في المنظمة: "خلال الأيام القليلة الماضية، ناقشت هذه القصص مع أشخاص كثيرين، وقد أخبروني قصصاً مروّعة أخرى. تحدّثوا جميعاً عن مخاطر بيعهم كعبيد في مرائب السيارات في سبها، سواء من قبل السائقين أو السكان المحليين الذين يستغلون المهاجرين في بعض الأعمال، منها البناء. وبدلاً من إعطائهم حقوقهم، يبيعونهم إلى آخرين. بعض المهاجرين، ومعظمهم نيجيريون وغانيون وغامبيون، يعملون حراساً لتجّار الرقيق أو الخاطفين في السوق".

ثمّة مزيد من القصص. آدم (اسم مستعار)، خُطف مع 25 غامبياً آخرين أثناء سفرهم من سبها إلى طرابلس، من قبل رجل غامبي مسلح وعربيَّين، ونُقلوا إلى سجن فيه 200 رجل وعدد من النساء. يقول إنّ المحتجزين كانوا ينتمون إلى دول أفريقية عدّة، وقد تعرضوا للضرب وأجبروا على الاتصال بعائلاتهم لإرسال المال. بالنسبة إلى آدم، احتاج والده تسعة أشهر لجمع المال، وقد اضطر إلى بيع منزله.

يقول آدم إنّ الخاطفين اقتادوه إلى طرابلس حيث أطلق سراحه. هناك، وجده رجل ليبي ونقله إلى المستشفى بسبب حالته الصحية السيئة. نشر موظفو المستشفى صورته على "فيسبوك" طلباً للمساعدة، وقد زاره طبيب من المنظمة. أمضى ثلاثة أسابيع في المستشفى للتعافي من سوء تغذية حاد. كان وزنه حينها 35 كيلوغراماً فقط، عدا عن الجروح نتيجة التعذيب.
وبعدما استقرت حالته، عاد إلى عائلته في غامبيا في الرابع من إبريل/ نيسان الماضي. وتتولى المنظمة كلفة علاجه في بلاده.

قصة أخرى وثّقتها المنظمة، وهي احتجاز امرأة في مخزن بالقرب من ميناء مصراتة من قبل خاطفين صوماليين. يُعتقد أنّها احتُجزت نحو ثلاثة أشهر، على الرغم من أنّ التواريخ الدقيقة غير معروفة. زوجها وابنها يعيشان في المملكة المتحدة منذ عام 2012، وكانا يتلقيان طلبات لإرسال المال. وأفيد بأنّ هذه الضحية كانت تتعرض للاغتصاب والاعتداء الجسدي. وقد أمّن الزوج مبلغ سبعة آلاف و500 دولار أميركي، لكنّه أخبر بأنّ الخاطفين يريدون المزيد.

إلى ذلك، يقول مدير العمليات والطوارئ في المنظمة، محمد عبد القادر، الذي عاد أخيراً من طرابلس، إنّ "الوضع مروّع. كلّما زاد عدد موظفي المنظمة في ليبيا، عرفنا أنّ ثمّة دموعاً كثيرة تُذرف. بعض التقارير مروّعة حقاً، والتقارير الحديثة عن أسواق الرقيق تُضاف إلى قائمة طويلة من الاعتداءات". يتابع: "ما نعرفه هو أنّ المهاجرين الذين يقعون بين أيدي المهرّبين يواجهون سوء تغذية واعتداءات جنسيّة وقد يُقتلون. في العام الماضي، علمنا أنّ 14 مهاجراً لقوا حتفهم في شهر واحد. ونسمع عن مقابر جماعية في الصحراء".