أسواق عيد الفطر في سورية لا تسع ملايين الفقراء

عيد بملامح الحرب... أسواق "الفطر" في سورية لا تسع ملايين الفقراء

23 يونيو 2017
لا تعرف أسواق دمشق الحركة التي اعتادتها (فرانس برس)
+ الخط -
يفيض العرض على الطلب في الأسواق السورية، رغم الحصار وتراجع الصناعة، إذ لا قدرة للسوريين على تلبية ولو جزء من احتياجات العيد، من مأكل وملبس، في ظل ثبات دخولهم رغم تآكل عملتهم المحلية التي تهاوت لمستويات أقل بأضعاف مما كانت عليه قبل ست سنوات.

ملابس للعرض فقط

تقول تيريز (49 عاماً) من دمشق: "ظننت أن البائع قد أخطأ بالسعر، فطلبت إليه أن يعيد لي ذكر ثمن فستان لابنتي ذات السبعة عشر عاماً فأكد ثانية أن سعره 30 ألف ليرة، ولما رفضته، قال غاضبا: اذهبي للبالة (بسطات تتخصص في بيع الملابس المستعملة) فمحلات الشعلان ليست لكم".
وتضيف السيدة لـ "العربي الجديد": "أيقنت أنه على حق فأسواق العاصمة وأسعارها لم تعد تناسبنا، وثمة أسواق شعبية وألبسة مستعملة، يمكن أن تفي بالغرض وتحل لنا مشاكل لباس الأولاد".
وأكدت تيريز، التي تعمل موظفة حكومية بوزارة الزراعية السورية، عبر اتصال مع "العربي الجديد" أن أسواق دمشق مزدحمة جداً قبل العيد، إذ يبدأ الازدحام بعد الإفطار حتى وقت السحور، ولكنّ ثمة شعوراً بأن "الناس يذهبون للنزهة والترويح فالأسعار مرعبة".
وارتفعت أسعار الملابس قبل عيد الفطر بنحو 50% عمّا كانت عليه خلال الأعياد الماضية، إذ يبلغ سعر البنطال النسائي بأسواق دمشق (الصالحية، الشعلان، الحمراء، باب توما) نحو 15 ألف ليرة (27 ألف ليرة) والبنطال الرجالي نحو 20 ألف ليرة، ولا يقل سعر المعطف عن 20 ألف ليرة.
وطاول الغلاء، بحسب متابعين من دمشق، أسعار ملابس الأطفال على نحو خاص، إذ لا يقل سعر الطقم (بنطال وقميص) عن 20 ألف ليرة، والفستان عن 15 ألف ليرة، وكذا الأحذية التي ارتفعت بأكثر من 30% خلال فترة الأعياد، ليتراوح سعر الحذاء بين 4 و7 آلاف ليرة سورية.
ويرى المحلل الاقتصادي، علي الشامي، من دمشق، أن أسواق العاصمة السورية انقسمت لعدة مستويات، منها أسواق الأغنياء الذين لا يعتمدون على الدخول الثابتة، كأسواق الحمراء والصالحية، وأسواق أخرى متوسطة الأسعار لكن سلعها متوسطة الجودة، كأسواق الحريقة والحميدية، كما توجد أسواق ومحال للألبسة المستعملة (البالة) تناسب أسعارها الفقراء.
ويرجع الاقتصادي الشامي ارتفاع أسعار الملابس في سورية إلى أسباب عدة، منها ارتفاع أسعار المواد الأولية التي يستورد معظمها بالدولار من الخارج، وارتفاع أجور العمالة وحوامل الطاقة، فضلاً عن أن أكثر من 60% من معامل الملابس، وأهمها كان في مدينة حلب، ما زالت متوقفة عن الإنتاج.
ويلفت الشامي خلال حديثه مع "العربي الجديد" إلى أن سعر صرف الليرة هو السبب في تباين الأسعار وارتفاعها، "فالثلاثون ألف ليرة ثمن الفستان اليوم، والتي توازي أجر الموظف السوري، هي قبل الحرب أقل من 70 دولاراً، والسبعون دولاراً وقتذاك تساوي نحو 3500 ليرة، وهو سعر الفستان قبل عام 2011".
وأضاف أن معاناة السوريين حاليا ناتجة عن تضخم عملتهم وتثبيت أجورهم، لأن التجار يشترون المواد الأولية بالعملات الصعبة ويقيسون المبيع وفق الدولار والتكلفة وليس وفق دخل المواطن السوري.
وأشار الشامي إلى أن بعض المحال والمراكز التجارية بدمشق، يقيسون السعر على الدولار أثناء الشراء، ومن ثم يعادلونه على الليرة السورية، "هؤلاء يقولون لك إن ثمن بنطال الجينز 200 دولار أي 100 ألف ليرة، وجاكيت الجلد المستوردة 320 دولاراً أي 170 ألف ليرة والنظارات ذات الماركات العالمية 200 ألف ليرة والعطر المستورد 150 ألف ليرة...وهكذا".


أسعار اللحوم
في حين تراجعت أسعار الخضر والفواكه نسبياً في الأسواق السورية خلال الموسم الحالي، سجلت أسعار اللحوم البيضاء والحمراء بأسواق دمشق، ارتفاعاً بأكثر من 30% خلال الأيام الأخيرة من شهر رمضان التي سبقت عيد الفطر.
وتؤكد مصادر من العاصمة السورية أن سعر كيلو لحم الخروف وصل ولأول مرة منذ عام 2011 لنحو 7500 ليرة سورية واللحم غير المقشور (لحم مع العظام) نحو 5700 ليرة سورية، في حين ارتفعت أسعار الفروج الحي غير المنظف خلال الأسبوع الجاري، من 950 ليرة إلى 1100 ليرة، وتعدى سعر كيلو الدجاج 1300 ليرة سورية.
ويرى متابعون أن أسباب ارتفاع الدجاج وبيض الدجاج خلال الأسبوع الأخير، يعود للتصدير إلى العراق الذي تم فتحه أخيراً، فضلاً عن الأسباب المعروفة من ارتفاع أسعار العلف والطاقة وخروج كثير من المزارع عن التربية، بسبب الحرب والغلاء.
وفي سياق ارتفاع أسعار اللحوم الحمراء، يؤكد المتابعون أن العرض أقل بكثير من الطلب، بسبب التهريب واستمرار التصدير، مما دفع البعض لذبح إناث الأغنام الصغار، ما سيؤثر على الثروة الغنمية التي تراجعت إلى النصف في سورية.

عيد بلا كعك
طاول ارتفاع الأسعار بسورية الحلويات وكعك العيد، رغم تراجع أسعار السكر خلال الفترة الأخيرة، ما أوصل سعر بعض أنواع الحلويات بدمشق إلى نحو 12 ألف ليرة سورية.
ويقول مهدي شباط، من منطقة دمر بالعاصمة السورية: "لم يعد بمقدور السوريين وفق وضعهم المالي الحالي سوى شراء العوامة والمشبك (حلويات شعبية مؤلفة من الطحين والقطر فقط) لأن سعرها مقدور عليه، إذ يباع الكيلو غرام منها بنحو 650 ليرة، في حين يصل سعر الكنافة النابلسية إلى 1500 ليرة والهريسة 1600 ليرة، ويرتفع السعر إذا دخل السمن الحيواني بتكوينها".
ويضيف شباط لـ "العربي الجديد" أن أسعار الحلويات التي يدخل بصناعها الفستق الحلبي تتراوح بين 10 و13 ألف ليرة سورية، بعد أن ارتفع سعر كيلو الفستق الحلبي إلى نحو 9 آلاف ليرة، مشيراً إلى لجوء بعض المحال لاستخدام فول الصويا بدل الفستق الحلبي.
وتجاوز سعر كيلو الكنافة المبرومة والبقلاوة 5 آلاف ليرة، في حين لجأ بعض الباعة إلى تخفيض زنة العبوات من 1 كيلو غرام إلى 750 غراماً، ليكون السعر مقبولاً لدى المستهلكين.
ولفت شباط إلى أن خلط السمن الحيواني بالنباتي واستخدام الفستق الحلبي الكسر (المفروم) أو استخدام البازلاء أو المكسرات الرخيصة، هي الأساليب التي يعتمدها معظم صانعي الحلويات بدمشق، لكي يكسروا الأسعار وتنفد بضاعتهم.
وأكد أكثر من مصدر من الناشطين ميدانيا في سورية لـ "العربي الجديد" أنه التفقير المتعمد من نظام بشار الأسد، يحرم السوريين من فرحة العيد أو لهفة انتظاره، إذ تغيب ملامح استقبال مثل هذه المناسبة من الأسواق والشوارع والأحياء وحتى عن وجوه المواطنين.
ويعاني السوريون من الفقر الشديد، إثر ارتفاع الأسعار وتراجع سعر صرف عملتهم، مع إبقاء دخولهم ثابتة عند أقل من 35 ألف ليرة (نحو 75 دولاراً).


المساهمون