أسلحة العشائر الأردنية.. اقتتال خارج رقعة القانون

أسلحة العشائر الأردنية.. اقتتال خارج رقعة القانون

13 مايو 2017
+ الخط -



على الرغم من أصوات القصف، التي يسمعها سكّان الشمال الأردني، يوميًا، خاصّة أهالي الرمثا، المدينة الأردنية المتاخمة للحدود السورية، والذي يترافق أحيانا مع سقوط عدد من القذائف على منازل الأهالي هناك، جرّاء المعارك الطاحنة، والدائرة في مدينة درعا السورية الجنوبية، إضافة للأخبار المتوالية عن الحشود العسكرية الضخمة، لقوى التحالف الدولي، بمن فيها، القوّات الأردنية الخاصّة، واقتراب ساعة الصفر لاجتياح الجنوب السوري، إلا أن كل ذلك، لم يُقلق الشعب الأردني، بقدر ما أثار في نفسه الفزع، وهو يتابع تفاصيل "مشاجرة الصريح" العشائرية، وهي البلدة التي لا تبعد سوى سبعة كيلومترات فقط عن الرمثا.

وما أثار قلق الرأي العام الأردني، ليس لأن هذه المشاجرة، هي الأولى من نوعها، من ناحية طبيعتها ونتائجها فقط، بل لأنّها، وفق متابعين، فجّرت مكامن الغضب والأحقاد القديمة، وأحيت النزعة العشائرية القبلية، التي تسبّبت في استخدام شتى الأسلحة المتاحة، تحديدًا النارية.

وكانت السلطات الأردنية، قد أعلنت عن أولى خطوات احتواء أزمة الصريح، عقب ستّة أيام من التوتّر والاحتقان، عندما تمكّنت قوات الأمن، من إلقاء القبض على الشخص، الذي قتل شابًا خبيرًا في مجال النفط، داخل مركز الطوارئ في مستشفى حكومي، استقبل عددًا من المصابين في أوّل أحداث المشاجرة التي امتدّت إلى هناك، حيث قضى الشاب، وجرح عشرات آخرون.

واندلعت المشاجرة إثر خلاف بين شابين من عائلتين مختلفتين، يجمعهما النسب والمصاهرة، حول ركن سيارة أمام بوابة منزل إحدى العائلتين، انتهى بمشاجرة جماعية، امتدّت فيما بعد، إلى داخل المستشفى، حيث انهمر الرصاص بالقرب من غرفة طوارئ إسعاف الجرحى، وفق الرواية الرسمية، وشهود عيان، تحدّث "جيل" لهم.

السلطات تدخلت لاحقًا، وعزلت الطرفين المتناحرين، لتبدأ الإجراءات العشائرية المعتادة، وتعود الأحداث بعد يومين، فتزداد الاضطرابات، فتحرق المنازل والمحلّات التجارية، وكذلك الصيدليات ومحطّات الوقود من قبل أهالي القتيل.

اعتقال القاتل واعترافه بجريمته، شكّل الخطوة الأولى في احتواء الاحتقان، خصوصًا أن عشيرة القتيل رفضت تلقّي العزاء، وطالبت بالقصاص، وأمهلت السلطات فترة محدودة للقبض على قاتل ابنها.

هذا ولم تعلن السلطات رسميًا، عن هوية وخلفية الشخص الذي أطلق النار داخل المستشفى، فيما كشفت مصادر أمنية لـ"جيل"، عن هويته، ليتبيّن أنه رجل أمن، يعمل في أحد الأجهزة الأمنية، والسلاح الذي استخدمه في قتل العالم الشاب، مسجّل بصفة رسمية لدى تلك الدائرة".

هذا، ووجّه مدعي عام الجنايات الكبرى الأردنية، تهمتي القتل القصد والشروع بالقصد لـ سبعة أشخاص، في حين ذكرت وكالة الأنباء الرسمية الأردنية، أن عدد الموقوفين بلغ 14 شخصًا.

وبالتمعن في تفاصيل المشاجرة، وفق تعليقات ناشطين عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بدا واضحًا، أن الدولة في تراجع مستمر حتى اللحظة، في القدرة على تطويق هذه الأحداث، والتي تتحوّل بوتيرة متسارعة، من مشاجرات فردية، إلى اشتباكات بالأسلحة النارية بين القبائل، والتي يهرّبها ويتاجر بها، أحيانًا، موظفون رسميون، تعرفهم السلطات الأردنية، وتغض طرفها، تجنبًا لفضيحة محتملة، كما حصل مع قاتل هذا الشاب.

ولا يكاد يمرّ يوم على الأردنيين، دون ورود أنباء عن حادثة إطلاق نار، في مشاجرات عشائرية "بغيضة"، تبدأ بالصغار ثم سرعان ما يعلق بها الكبار، ومعهم الدولة.

وكل ذلك، يمثل بطبيعة الحال، ما يمكن أن يطلق عليه الآن في الأردن، بـ"المجتمع المسلّح"، فالسلاح في أيدي الصغار والكبار، ومن كل الأنواع، في المقابل، لم تستطع الدولة الأردنية، أن تقدّم مشروعًا شاملًا، وقابلًا للتطبيق، يكون قادرًا على ضبط كميّات السلاح، أو مراقبته على الأقل، فيما لا تزال العادة دارجة، أن يُهدى علية القوم وكبار المسؤولين، المقرّبين أسلحة فردية، ترفع من شأن السلاح، كمفهوم يرسّخ القبلية العشائرية.

وبحسب متابعين ومعلقين على مواقع التواصل الاجتماعي، فإن غياب هيبة الدولة والقانون، يكاد يكون من الأسباب الرئيسية، التي تولّد هذه المشاجرات في بعض القرى والأطراف، فـقوانين "القبيلة والجهوية، توفّر الحماية للفرد، لأن القانون، في تصورهم لا ينصفهم".

لن تجد صعوبة، في تكوين ردة فعل استهجان، لمفهوم "العشائرية" أو"القبلية"، عند الشباب الأردني، والدور الذي تلعبه في نشأة المشاجرات ووصولها درجة الغليان والمواجهة المسلّحة، حتى في أكثر مناطق الأردن هدوءًا كالصريح مثلًا، إلا أن ذلك وفي ترجمة على أرض الواقع، ما بين المفهوم النظري والعملي، يكاد يكون ضربًا من الأوهام، كما حدث.

استمرارية دور العشائرية والقبلية والمناطقية في الأردن، وعلاقة ذلك كلّه بقضية الفساد في المملكة، كما أشار بذلك أكثر من متابع لـ "مشاجرة الصريح"، راجعة لعمق النظام القبلي، وبدون شك، فإن "سيولة الطبع العشائري والبدوي بما يحتويه من اقتصاد جمعي وتعاوني بين أفراد العشيرة، كانت نتيجة لغياب السياسة السكانية الإستدماجية في المملكة، وغياب التنمية المحليّة".

عموما، يذكر الأردنيون جيدًا، وتحديدًا العام الماضي، حين قامت الدنيا ولم تقعد، ضد رئيس جامعة حكومية، ردّد عبارة، قيل في وقتها بأنها "غير لائقة" ضد طلاب جامعيين في المفرق (أقصى شمال الأردن)، ومن على منبر شاشة فضائية محليّة، لتتفجر التعليقات متعصّبة لمنطقتها، وعشيرتها.

وكانت حشود من الأردنيين الخميس 11 مايو/ أيّار، شيّعت في بلدة الصريح جثمان الخبير الشاب، وسط تعزيزات أمنية غير مسبوقة، في وقت شهدت البلدة إحراق عدد من المنازل والمحال التجارية أيضًا، كان آخرها إحراق منزل وصيدلية فجر يوم الخميس.

وكانت عشيرة الشاب، وافقت على استلام الجثمان، وإتمام مراسم الدفن، بعد تلبية شروطها من الجهات الأمنية، بتحديد هوية القاتل، والاطلاع على محاضر التحقيق، وكل ذلك تم أيضًا، وفق عرف عشائري محض، يسمى عند الأردنيين "عطوة أمنية".

المساهمون