أسرلة غاندي: قوميو الهند يخترعون تاريخاً صهيونياً للمهاتما

أسرلة غاندي: قوميو الهند يخترعون تاريخاً صهيونياً للمهاتما

10 ابريل 2018
مودي مستقبلاً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو (أرفيند ياداف/Getty)
+ الخط -

قررت السلطات الهندية، منذ وصول اليمين الهندوسي إلى الحكم في مايو/أيار 2014، إجراء تغيير جذري في سياستها الخارجية حيال الصراع العربي ــ الإسرائيلي، بغية تبنّي رواية دولة الاحتلال، في تحوّل كبير لموقف تاريخي مؤيد لعدالة القضية الفلسطينية ورافض للعدوانية الصهيونية، صبغ الدبلوماسية الهندية منذ ما قبل الاستقلال. ولأن هذا التحول باتجاه تأييد تل أبيب هائل، كان لا بد من تجنيد صنّاع الفكر في الهند لاختراع تاريخ جديد للرمز الهندي الأبرز، المهاتما موهنداس غاندي، بما أنه كان طليعياً في تأييد الحق العربي عموماً، والفلسطيني خصوصاً، في وجه الاحتلال الصهيوني، منذ ما قبل استقلال الهند (1947) حتى. هكذا، تشهد نيودلهي، منذ فترة طويلة، جهداً أكاديمياً لتزوير تاريخ غاندي ورفاقه، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بهدف الادعاء بتأييده للصهيونية ولدولة الاحتلال، مع تفسير جديد لتصريحاته وأحداث حياته، بحسب ما يناسب رؤية اليمين الهندي للعالم. مع العلم أن السياسة الهندية تمثلت في موقف المهاتما غاندي دعماً لحق الفلسطينيين في أراضيهم منذ ثمانين عاماً، وهو الموقف الذي تبناه زملاء غاندي، منهم رئيس الوزراء الهندي الأول جواهر لال نهرو.

وقبل أول زيارة قام بها رئيس وزراء هندي (ناريندرا مودي) إلى إسرائيل، منتصف العام الماضي، كتب بي آر كوماراسوامي، أستاذ شؤون الشرق الأوسط في جامعة جواهر لال نهرو، في نيودلهي، مقالاً طبعه معهد الدراسات والتحليلات الدفاعية الممول من وزارة الدفاع الهندية، أشار فيه إلى أنه "ربما تكون إعادة التعريف هي أفضل طريقة للتعامل مع التغييرات الدقيقة التي أدخلها رئيس الوزراء، ناريندرا مودي، في سياسة الهند تجاه فلسطين. وراء الضجة الإعلامية حول دعم الهند الثابت للقضية الفلسطينية، هناك تحوّل دقيق، لكنه واضح في السياسة تجاه الصراع الإسرائيلي الفلسطيني"، كما كتب كوماراسوامي، وهو أبرز المؤرخين الساعين إلى إعادة اختراع تاريخ مزور لتبرير التقارب الهندي الإسرائيلي.



في أوائل العشرينيات من القرن الماضي، تبنّى القوميون الهنود موقفاً مشتركاً من قضيتي الهند وفلسطين، فرفضوا التطلعات اليهودية لإقامة وطن قومي في الأراضي الفلسطينية، تماماً مثلما عارض حزب المؤتمر الوطني الهندي فكرة تقسيم الهند على أساس الدين، وكذلك فلسطين. لكن الهند عادت وحصلت على الاستقلال عن الحكم البريطاني، مع موافقة قيادة حزب المؤتمر على تقسيم البلاد على أساس الدين، فوُلدت باكستان. غير أن حزب المؤتمر الحاكم في الهند، ورغم اعترافه بدولة إسرائيل، في سبتمبر/أيلول 1950، فإنها لم تقم علاقات دبلوماسية مع دولة الاحتلال حتى سنة 1992. وظلت الدبلوماسية الهندية تذكر بالبيان التاريخي للمهاتما غاندي الصادر عام 1938، وقد جاء فيه في حينها: "فلسطين ملك للعرب بنفس المعنى الذي تنتمي إليه بريطانيا للبريطانيين وفرنسا للفرنسيين". كذلك رفض جواهر لال نهرو، بقوة، إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل عندما أثيرت قضية اعتماد سفير للهند في إسرائيل في عام 1960. وظل الوضع على حاله حتى 1992، عام إرساء علاقات دبلوماسية بين نيودلهي وتل أبيب، في عهد ناراسيمها راو، رئيس الوزراء الهندي عن حزب المؤتمر.

ونشر كتاب كوماراسوامي "تربيع الدائرة: المهاتما غاندي والوطن القومي لليهود"، كـ"محاولة لما يقول إنه إعادة التعريف لما كان غاندي يفكر فيه بالنسبة لقضية فلسطين وإسرائيل". وقد فاجأ الكتاب الكثيرين من متابعي وخبراء علاقات الهند مع العرب وإسرائيل. وظهر بوضوح أن كوماراسوامي نشر كتابه بتشجيع ودعم من الحكومة اليمينية الهندية، التي موّلت النشر، حتى إن نائب رئيس الوزراء الهندي السابق، حامد أنصاري، رعى حفل إطلاق الكتاب. وحامد أنصاري من أهم سفراء الهند الذين مثّلوا بلدهم في السعودية، في سبعينات القرن الماضي. كما كان كوماراسوامي أستاذاً في الجامعة العبرية في القدس المحتلة قبل عودته إلى جامعة جواهر لال نهرو في نيودلهي، كأستاذ لشؤون الشرق الأوسط.

في كتاب كوماراسوامي، جاء الآتي "عندما يتعلق الأمر باليهود وبالقومية اليهودية وتطلعاتهم في فلسطين، حتى المهاتما غاندي لم يكن معصوماً من الخطأ. تم التغاضي عن تعاطفه الدائم مع اليهود بفهمه المحدود لليهودية والتاريخ اليهودي. إن نظرته إلى القضية الفلسطينية ودعمه للعرب متجذرة في السياق الهندي القومي. إن الفهم التقليدي بأن غاندي كان يعارض بشكل ثابت الصهيونية والطموحات اليهودية لإقامة وطن قومي في فلسطين، لا تتوافق مع ملاحظاته الأخيرة"، في إشارة من قبل كوماراسوامي إلى أن غاندي بنى موقفه حول فلسطين من وقائع قيادته معركته لاستقلال الهند مع الهنود من جميع الديانات، منهم الهندوس والمسلمون معاً.



وادّعى كوماراسوامي أن "أصدقاء غاندي من الهنود تستّروا على علاقة المهاتما مع اليهود، خلال إقامته في جنوب أفريقيا، ثم بعد عودته إلى الهند". ولفت إلى أن "حتى مجموعة الأعمال للمهاتما غاندي التي طبعتها الحكومة الهندية في مائة مجلد، لا تحتوي على أي ذكر لعلاقته أو لقاءاته مع الصهاينة والمنظمات اليهودية الدولية". وتحدّث في هذا السياق، عن "لقاءات غاندي مع رئيس المنظمة الصهيونية العالمية ناحوم سوكولوف (1931 - 1935) في لندن، بعد الخلافات بين حزب المؤتمر والرابطة المسلمة في الهند. وفي هذا الاجتماع استقبلت شقيقة صديق غاندي اليهودي ايتش ايس ايل بولاك، زعماء الحركة الصهيونية، وقد دام هذا اللقاء نصف ساعة تقريباً، حسب مذكرة زعيم صهيوني هو سيليج بروديتسكي". لكن غاندي لم يذكر هذا اللقاء في أي من المناسبات في الهند أو خارجها.

وبحسب التاريخ الجديد الذي بدا وكأن كوماراسوامي اخترعه، أرسلت الوكالة اليهودية عالم اللغة السنسكريتية إيمانويل أولسفانغير إلى الهند، لنيل الدعم السياسي الهندي "للقضية الصهيونية". وقد التقى الرجل مع جواهر لال نهرو والمهاتما غاندي والشاعر رابندراناث طاغور، في 19 سبتمبر/أيلول 1936، بحسب كوماراسوامي، الذي أضاف أنه "في شهر مايو/أيار 1937، أعطى غاندي صديقه اليهودي هارمان كالنباتش مكتوباً أوصله لرئيس المنظمة الصهيونية العالمية حاييم وايزمان". لكن كل هذه الأحداث والتواريخ غير مذكورة إلا في كتاب كوماراسوامي. وادّعى كوماراسوامي أن "أحد مريدي المهاتما غاندي، اسمه بياريلال، تكتم وتستر على هذه اللقاءات للزعيم الهندي، كي لا تُحدث رد فعل سلبيا في الهند، خصوصاً في وقت كان غاندي يقود نضال الهنود ضد الاستعمار البريطاني".

وتابع كوماراسوامي أن "علاقات غاندي مع اليهود بدأت أثناء إقامته في جنوب أفريقيا، وأن اليهود كانوا عنصراً مهماً في حركته اللاعنفية"، مستنتجاً أن "معرفة غاندي عن اليهود واليهودية كانت خاطئة، إذ كان غاندي يعتمد على اليهود غير الصهاينة". وأضاف أن "غاندي لم يفهم الفارق بين اليهودية والصهيونية، وأيضاً لم تكن لديه أي علاقات شخصية مباشرة مع القادة العرب، خصوصاً من فلسطين، وكانت قدرته على المطالبة باللاعنف أو التأثير عليه محدودة". واعترف كوماراسوامي بأن "بيان غاندي عام 1938 عن أن فلسطين تنتمي للعرب بنفس المعنى الذي تنتمي بريطانيا للبريطانيين، أنهى المغامرة الصهيونية مع غاندي، فقطع التيار الصهيوني الرئيسي اتصالاته مع المهاتما".

في هذا السياق، قال أستاذ السياسة الدولية في الجامعة الملية الإسلامية (من أهم الجامعات الحكومية في الهند) في نيودلهي، محمد صهيب، لـ"العربي الجديد"، إن "هناك محاولات عدة لإعادة كتابة التاريخ الهندي على يد القوميين الهندوس، لخدمة رؤيتهم للعالم، وهنالك تقارب بين القوميين الهندوس والصهاينة. لا يفاجئني هذا الكتاب، فهم يشوّهون حقائق تاريخية. لكن مثل هذه المحاولات لا يمكن أن تغير الأحداث الحقيقية وأبطالها".