Skip to main content
أسباب توجت يوفنتوس بالدوري الإيطالي قبل أن يبدأ
أحمد مختار

يوفنتوس يواصل السيطرة المحلية (Getty)


كعادته وبالتخصص، حصل يوفنتوس تورينو على لقب الدوري الإيطالي هذا الموسم، بعد مسيرة استثنائية توجها بانتزاع السكوديتو من أمام أعين الجميع، على الرغم من البداية الكارثية، حتى نهاية أكتوبر 2015، لينتفض البطل بعدها بشكل مضاعف، ويحافظ على سجله المحلي خالياً من الهزائم حتى الأسابيع الأخيرة، ليصعد مركزاً تلو الآخر، حتى وصل إلى الصدارة ولم يفرط فيها، إلى أن جاء التتويج الرسمي على حساب نابولي.

أرقام مبهرة
سجل يوفنتوس هذا الموسم 69 هدفاً في بطولة الدوري، بواقع 1.9 هدف في المباراة الواحدة، كدليل واضح على اهتمام هذا الفريق بالنقاط أولاً وقبل كل شيء، فلا يهم إذا فاز بثلاثة أهداف أو أربعة في كل مباراة، كما يفعل بايرن، برشلونة، وريال مدريد، بل يركز دائماً على التفوق بأقل قدر ممكن من الخطوات، لأنه يملك النفس الطويل في نهاية المشوار.

دفاعياً استقبل اليوفي 18 هدفاً فقط، بواقع نصف هدف في المباراة الواحدة، في دلالة حقيقية على قيمة الحارس الأمين بوفون، الرجل الذي لا يزال محافظاً على بريقه على الرغم من عامل السن وأحكامه، ليحافظ على عرين السيدة العجوز، رفقة دفاع قوي ومرن، قادر على التعامل مع مختلف الطرق التكتيكية، سواء اللعب برباعي خلفي صريح أو الرهان على ثلاثية التمركز أمام المرمى.

من ناحية متصلة، أحرز فريق أليغري 20 هدفاً من كرات ثابتة، 8 ركنيات مع 6 ضربات حرة، و6 ضربات جزاء، وهذا الرقم بالأخص يوضح جانباً مهماً في قوة اليوفي، حيث إنه يستطيع التسجيل من أنصاف الفرص، ويستغل كل المقومات المتاحة من أجل هز شباك منافسيه، لذلك يصبح قريباً من النقاط على الرغم من أنه لا يسيطر بشكل كلي على المجريات كحال أندية أخرى.

لذلك تصل نسبة استحواذ السيدة العجوز إلى 53% فقط، كمتوسط في مختلف مباريات الكالتشيو لهذا العام، أي لا يهتم أليغري كثيراً بالحيازة والاستحواذ الكلي، ويترك في بعض الأحيان الملعب إلى منافسيه، لكنه يعرف كيف يحافظ على مرماه، ويخطف الانتصارات بأسلوب براغماتي قائم على معرفة الإجابة دون الاهتمام بتفاصيل السؤال.

فن التعاقدات
لا يجد يوفنتوس مشكلة في بيع أحد نجومه خلال كل ميركاتو، فالنادي فرط في أرتورو فيدال إلى بايرن ميونخ في الصيف الماضي، ومنفتح بشدة أمام أي مفاوضات تخص الفرنسي بول بوغبا، شريطة دفع مبلغ كبير يناسب بل يزيد عن إمكانيات الفتى الأسمر، وبالتالي يعتبر زعيم تورينو أحد الفرق التي لا تحافظ بشكل مستميت على لاعبيها، كما تفعل أندية أخرى على رأسها عملاقا الكرة في إسبانيا.

لكن ما يميز اليوفي أنه يشتري بوفرة في مختلف المراكز، صحيح أنه لا يجلب النجوم الكبار في ملاعب أوروبا، كذلك يجلب أكثر من اسم على سبيل الإعارة، إلا أن هناك علاقة تناغم حاضرة بين الإدارة الرياضية ونظيرتها الفنية داخل هيكل الفريق، بمعنى أن أليغري يظهر وكأنه المخرج الحقيقي لهذا العمل الكروي الناجح، من خلال إشراكه معظم اللاعبين، ورهانه على أكثر من رسم خططي.

اشترى يوفي هيرنانيز من إنتر، واستعار ليمينا من مارسيليا، وجلب سامي خضيرة أيضاً، بعد رحيل كل من بيرلو وفيدال، ليحصل المدرب على نسخ عديدة من لاعبي الوسط، هيرنانيز لاعب ممرر ممتاز، بينما ليمينا لاعب ارتكاز بقدرات دفاعية، أما خضيرة فهو أقرب إلى دور اللاعب الحر بين الدفاع والهجوم، وبالتالي يبتعد يوفنتوس كثيراً عن الحصول على نموذج واحد في اللعب.

الأمر غير مرتبط بالوسط فقط، بل حتى على مستوى الهجوم بعد عودة يورنتيني وتيفيز إلى إسبانبا والأرجنتين، تعاقد النادي مع أسماء بقيمة ديبالا ومانجوكيتش وزازا، وكلها بلا استثناء نوعيات غير متشابهة أبداً، فالأول لاعب مهاجم وصانع في آن واحد، والثاني مهاجم كلاسيكي، بينما الثالث قناص داخل المنطقة.

طرق تكتيكية
ونتيجة لكل هذا التنوع في الصفقات والأسماء داخل عمق التشكيلة، يلعب ماسيمو أليغري بأكثر من خطة خلال نفس المباراة، ويستخدم عدة تكتيكات وفقاً لظروف كل خصم وحسب قدرات الفريق نفسه، لذلك أمام فيورنتينا في الدوري، لعب بطريقة 3-5-2 بعد إصابة ماركيزيو، ليغلق المنتصف بليمينا وخضيرة وبوغبا حول الدائرة، مع الضرب في الأطراف بثنائي من الأظهرة الهجومية، أمام ثلاثي خلفي صريح.

وهي نفس الخطة التي فاز بها أيضاً على ميلان في سان سيرو منذ أسابيع، لكن بتواجد موراتا كمهاجم آخر في المقدمة عوضاً عن ديبالا، خصوصاً أن الإسباني متفوق في عملية القطع من الخلف إلى داخل منطقة الجزاء، بينما يبدع الأرجنتيني في كونه قادراً على استغلال أضيق الفراغات، واستخدام عنصر التسديد من خارج منطقة الجزاء.

كل هذا في الدوري، بينما في أوروبا على صعيد المثال، لعب يوفنتوس بخطة 4-5-1 التي تتحول إلى 4-4-1-1 أمام بايرن في الأليانز أرينا، وكان قاب قوسين أو أدنى من الصعود لولا بعض الهفوات، ووصل الفريق إلى مرمى نوير، عن طريق فتح الأجنحة بكوادرادو وساندرو يمينا ويسارا، بينما ترك بوغبا موقعه كلاعب وسط صريح، ليزيد باستمرار خلف موراتا في الثلث الهجومي الأخير، منتهى المرونة في استغلال كافة الأدوات داخل وخارج المستطيل.

ماذا ينقصهم؟
حصل اليوفي على الدوري بكل سهولة، ويستطيع الحفاظ على هذا اللقب لعدة سنوات قادمة، خصوصاً مع عدم اكتمال مشروع نابولي، وقصر نفس روما، وابتعاد إنتر ميلان عن الأضواء خلال الفترة الماضية، لكن جمهور السيدة العجوز يحتاج إلى إنجاز أوروبي يعادل النجاحات المحلية المتواصلة، والعين حتماً على عصبة الأبطال.

أعاد كونتي يوفنتوس إلى مصاف الكبار، وحافظ أليغري على هذا السجل، مع قدرة أكبر على مقارعة الأباطرة أوروبيا، وبالتالي وصل الفريق إلى نهائي نسخة 2015، وخرج بكل صعوبة أمام بايرن ميونخ في العام الحالي، وبالتالي أصبح المارد الإيطالي قريب بشدة من البزوغ القاري، شريطة قرعة أكثر رحمة في قادم المواعيد، وتوفيق حاضر في لحظات الحسم.

يضع أكثر من فريق عينه على بول بوغبا، ويعلم مدراء يوفنتوس جيداً أهمية هذا اللاعب داخل الفريق، لكنهم لن يمنعوه من الخروج، في حالة الحصول على رقم مالي ضخم، يقدرون به على شراء أسماء أخرى، تحافظ على استمرار النجاح لسنوات إضافية، وهذا ما يميزهم عن بقية أقرانهم في إيطاليا، ليس المال فقط، بل الرؤية وذكاء المشروع.