أسباب تراجع سلطة البرلمان التونسي واهتزاز صورته

أسباب تراجع سلطة البرلمان التونسي واهتزاز صورته

28 يناير 2020
يمر مجلس الشعب بأصعب فتراته منذ بداية أعماله (Getty)
+ الخط -

 

يعيش البرلمان التونسي على وقع الأزمة السياسية التي تمر بها البلاد، بسبب تعطل تشكيل الحكومة الجديدة بعد ثلاثة أشهر على إجراء انتخابات 2019، الأمر الذي أثر على دوره وأدائه بما فتح مجالات الجدل حول تراجع سلطته وسط دعوات إلى حلّه.

ويمر مجلس الشعب بأصعب فتراته منذ بداية أعماله بسبب الوضع السياسي المتأزم والمتعثر، الذي عمقه تعطل تشكيل الحكومة وتناحر الأحزاب البرلمانية وعدم قدرتها على تجاوز الفترة الانتخابية والشروع في العمل المشترك تحت قبة البرلمان.

وانعكس صراع الكتل والأحزاب البرلمانية والضغوط السياسية على السلطة التشريعية بتراجع مكانة البرلمان وسلطته، واتصفت أعماله بالارتباك والتململ بسبب رفض الوزراء وامتناعهم عن حضور أعماله، ما تسبب في اهتراء صورته لدى الناخبين والمتابعين.

وكان رئيس الحكومة يوسف الشاهد أول الممتنعين عن القدوم إلى البرلمان اليوم الثلاثاء، لمناقشة موازنة الدولة للعام 2020، وهي سابقة لم تعرف السلطة التشريعية لها مثيلا، فلأول مرة يتغيب رئيس الحكومة عن مثل هذا الحدث ولا يقدم بيانا للدفاع عن القانون والموازنة التي اقترحها على البرلمان.

ورغم تنديد البرلمانيين وانتقاد الكتل لغياب رئيس الحكومة الذي تعلل بتصريف الأعمال، فإنهم اعتبروا في ذلك عدم احترام للسلطة التشريعية واستنقاصا من هيبة البرلمان المسؤول عن منح الثقة للحكومة ولوزرائها.

غياب الشاهد كان فاتحة أمام وزراء حكومته الذين امتنع عدد منهم تباعا عن القدوم إلى جلسات البرلمان المخصصة للرقابة والحوار والمساءلة، حتى أن لجنة الفلاحة والأمن الغذائي عقدت ندوة صحافية للتنديد بممارسات وزير الفلاحة وعدم احترامه للبرلمان، حيث تغيب مرارا عن البرلمان كما منع رؤساء هياكل تحت إشرافه من القدوم إلى مجلس النواب.

ولم تر عشرات الاستماعات مع وزراء، النور بعد، حيث ينصرف الوزراء إلى مهمات أخرى ومسؤوليات خارجية ويتعللون بأنهم حكومة تصريف أعمال في انتظار تشكيل الحكومة الجديدة.

وبحسب موقع البرلمان والدعوات الرسمية فإن الوزير المكلف بالشؤون الخارجية بالنيابة صبري باش طبجي اعتذر أكثر من مرة عن الحضور إلى البرلمان أمام لجنة التونسيين بالخارج، لينتهي المقام باللجنة بطلب أي هيكل للقدوم حفظا لماء الوجه ولكرامة البرلمانيين.

وعجز البرلمان عن تنظيم جلسة عامة لمساءلة الحكومة حول تطور الأوضاع في ليبيا مع وزراء الخارجية والداخلية والدفاع وكل من له مسؤولية في هذا الملف، واضطر رئيس البرلمان راشد الغنوشي إلى تأخير عقد الجلسة التي طالب بعقدها كتل وبرلمانيون لينتهي الوضع إلى ترحيلها إلى لجنة الأمن والدفاع بالبرلمان.

ولا يقف الامتناع عند وزراء حكومة الشاهد عن الحضور إلى البرلمان، بل إن رئاسة الجمهورية بدورها رفضت الحضور إلى جلسة استماع خلال أعمال لجنة الأمن والدفاع في إطار متابعة الوضع في ليبيا واستعدادات تونس لتطورات الأزمة الليبية، الأمر الذي دفع رئيسها عماد الخميري إلى التنديد بممارسة رئاسة الجمهورية والمطالبة باعتذار كتابي رسمي من البرلمان.

ويتخبط البرلمان في دائرة ارتباك علاقته بالسلطة التنفيذية وببقية مؤسسات البلاد، ما قلص من نجاعة دوره الرقابي وأثر على سلطته على الحكومة التي يعدها الدستور منبثقة عن البرلمان ومسؤولة أمامه.

وقال النائب فؤاد ثامر في تصريح لـ"العربي الجديد"، إن "التعاطي من السلطة التنفيذية مع البرلمان، الذي يعد السلطة الأصلية في البلاد، مقصود وينم عن عدم التزام بالدستور الذي ينظم العلاقة بين السلطات"، مشيرا إلى أن هذه الحكومة "مسؤولة أمام البرلمان في إطار استمرارية الدولة وحتى يتم تشكيل الحكومة الجديدة، ومادام رئيس الحكومة متمتعا بصلاحيات كاملة في تعيين وعزل وإقرار اتفاقيات وتمثيل البلاد فهو مسؤول أمام البرلمان الذي منحه الثقة وزكاه".

وأضاف ثامر أن "جميع مؤسسات الدولة عليها احترام الدستور وملزمة بتطبيقه، لأنه الضمانة لاستمرار العلاقات بين مختلف مكونات الدولة وبين مختلف السلطات".

وتعززت أخيرا أصوات منادية بحل البرلمان وإعادة الانتخابات سواء من داخل البرلمان أو من خارجه، وتتوزع الأصوات بين غاضبين من إبعادهم عن طاولة المشاورات الحكومية وبين الراغبين في تحسين شروط التفاوض، ولكنها جميعها تتراوح بين التهديد والتنديد بعيدا عن جدية المواقف وإمكانيات التنفيذ لاعتبار أن حل البرلمان آلية من حق الرئيس التونسي، بعد توفر شروط دستورية أهمها سقوط حكومة الياس الفخفاخ ونفاذ مهلة أربعة أشهر عن التكليف الأول.

من المسؤول؟

واعتبر المحلل محمد الغواري في تصريح لـ"العربي الجديد" أن "القلاع المحصنة تؤخذ من الداخل ونواب البرلمان الحالي يتحملون المسؤولية الكبرى في اهتراء صورة البرلمان وتراجع سلطته وتقلص هيبته، بما تركوه من أثر الفوضى تحت قبة البرلمان وآثار الصراع العنيف بين الكتل والأحزاب".

ولفت إلى أن "هناك أطرافا سياسية داخل البرلمان تعمل على ترذيل هذه المؤسسة والحط من مكانتها في منظومة الحكم وتسعى بكل الوسائل إلى زعزعة استقرارها والدفع نحو حل البرلمان".

وأضاف أن "اهتزاز مكانة البرلمان يعود أيضا إلى الوضع السياسي المتأزم في وضع حكومي انتقالي دام أكثر من اللازم، حيث تعتبر هذه الحكومة نفسها متكونة من أغلبية برلمانية غير موجودة وغير ممثلة في البرلمان، أغلبية غادرت بعد الانتخابات كما أن أغلب وزرائها بالنيابة ويعلمون أنهم مغادرون لا محالة بما قلص حجم التواصل مع البرلمان، مع غياب مشتركات وأهداف مستقبلية ينتظر أن ترسمها حكومة تعبر عن نتائج الانتخابات الأخيرة".

وأرجع المحلل سبب تراجع سلطة البرلمان إلى "انكباب الكتل والاحزاب على تشكيل الحكومة وإهمال بقية أدوارهم في تمثيل الشعب ومناقشة قضايا المواطنين والقيام بوظيفتهم التشريعية التي تعد أول مهماتهم إضافة إلى دورهم في مساءلة الحكومة".