أساس المهزلة

أساس المهزلة

30 مايو 2017
+ الخط -
(أساس المهزلة)
مَن مع الثورة السوريَّة، وضدّ الثورة البحرينيَّة بحجَّة أنّها مؤامرة إيرانيَّة. مَن مع الثورة السوريَّة، ومشتاق لـ"رجولة" صدام حسين أو لـ "بطولات" أسامة بن لادن، ويشيّر صوره مع السيجار. من ضد أردوغان ومع الأسد وحزب الله والسيسي. مَنْ لا يفرّق بين النظام الإيراني التسلّطي، والشعب الإيراني المغلوب على أمره. مَنْ يُحرِّض بشكل مجاني وعلني ضدّ الشيعة العرب، بحجّة أنّهم كلهم قشّة لفة "عملاء لإيران". مَن يشتم كل الأكراد بحجّة أنهم انفصاليون ويصنّفهم على "كيفو". مَن لا يفرّق بين المشروع السياسي لحزب كرديّ معيّن ومعروف، وبين كل الشعب الكردي. 

أنتم سبب المهزلة الحالية.
(الشماتة الخفية)
ثمَّة جملةٌ يوجِّهها البعض للأكراد، في سياق المناكفات العربيَّة - الكرديَّة، وهي: "إذا بدكم هويَّة قوميّة، روحوا اكتبوا بالكردي، ولا تكتبوا بالعربي". هذه الجملة عنصريّة وسيئة جدًا، باعتقادي. عدم قدرة الأكراد على الكتابة بلغتهم، في سورية وتركيا، ليست خياراً ذاتياً، بل نتاج سياسات القمع السياسي والثقافي المفروضة قسرًا، ومنع اللغة الكرديَّة من قبل الحكومات المتعاقبة في سورية وتركيا. كما أنّها تضمر شماتةً وتحدياً على غبن ثقافي وسياسي وتاريخي تعرّض له هؤلاء الناس. كان البعث الأسدي يعاقب كلّ من يحاول أن يدرّس أو يعلم اللغة الكرديّة بشكل علني، فكيف تعيّرُ أحداً بعدم معرفته للغته الأم، والتي منعها نظام أنتَ تعارضه؟
تحيّة إلى اللغة العربيَّة التي صارت ملاذاً آمناً لنا في التفكير والتعبير.
(عن التعميم في الغرب)
أتعرَّض أحيانًا لأسئلة غريبة هنا في ألمانيا. من قبيل: “هل أنتَ مسلم متديّن؟”. طبعًا، لا أجاوب على هذا السؤال، ولا أبدِّد قلق وخوف من يسأل أو تسأل. لعدة أسباب، منها، كي لا أفسح المجال لقول: “أنتَ مختلف عن الباقيين”، وأصبح أداةً وممرَّاً لتحقير أو الحط من شأن أناس آخرين، وكي أفرض على من يسأل أو تسأل، معاناة أكبر في معرفة إذا ما كنت متديّناً أم لاء، إمَّا بالتعامل أو بالمعرفة الشخصيّة، بدلاً من الكسل والمباشرة واستسهال طرح هكذا سؤال. كما أنه من غير النزيه أن أنكر ديانة ما، كأنّها شبهة أو تهمة، كي أحظى بمكانة معنويَّة أو شخصيّة.
قبل شهور، كنت الأجنبي “الأسمر” الوحيد في عيد ميلاد صديقة. وانهالت عليَّ الأسئلة، إن كنت أشرب الكحول، أو ما رأي بلحم الخنزير، أو بأنّي مسيحي، أو بأنّ الناس في سورية يعرفون شيئًا عن ألمانيا، أو متى ينتهي “صراع الأديان” في سورية، وغير ذلك من الأسئلة المزعجة. خرجت غاضبًا واحتجّيت علنًا على هذا التحقيق. هذا ليس تعميماً على الإطلاق، ولكن، الشاب الذكر القادم من منطقتنا، ولا يهم إن كان عربيّاً أو كردياً (مع النساء الوضع مختلف) متّهم عند شريحة لا بأس به من النساء الغربيّات بدرجة أولى، والرجال بشكل أقل، بالأصولية أو التشدد وغير ذلك من التعميمات. من الممكن أن تكون لدى المرأة الغربيَّة فعلاً تجربة سيئة مع رجل عربي أو كردي ما، ولكن، هل تجربتها كافية لبناء نظرية عامة؟ ليس سهلاً أن تكون ذكرًا من منطقتنا هنا في أوروبا، وهي حالة تستوجب الانتباه واليقظة والحس الدائم بالكرامة.

(سورية "الصامدة")
الإعلام السوري يفتخر بأن سوريّة "صامدة"، ولا تتمكّن الفيروسات الإلكترونيّة منها مثل الغرب، وذلك تعليقًا على آخر هجوم إلكتروني فيروسي ضرب أنظمة "ويندوز" حول العالم. يا رفاق، الفيروس المسكين وين رح يضرب؟ الأنظمة الإلكترونية التقنية لسجون المخابرات الجوية؟ ولا علب الطون والبطاطا المسلوقة في الجيش العربي السوري؟ ولا دفاتر التموين وبونات السكر؟ ولا صناعة جوارب "السماح" الثقيلة؟ ولا شركات الإنترنت التي تجعل المودم يصدر صوتًا يشبه صوت أبو وديع قبل الاتصال؟ ولا قطط مشفى "المواساة"؟ ولا سرافيس "قدم - عسالي"؟ المأساة أنكم لستم مؤهلين حتى لضربة فيروسية، والضربة رح تكلف القرصان أكثر ما رح تكلفكم. وبدكن كتير حتى تاكلوا ضربة فيروسات. يا فيروس منك إله.


(كذبة الاندماج)
لا يوجد شي اسمه "اندماج في المجتمع الألماني"، هذا كذب وخداع. هنالك ألمان فقراء وألمان أغنياء، ألمان مع اليمين وألمان مع اليسار وألمان مع الليبراليّة، وألمان لا يهتمّون بالسياسة. ألمان مع حزب البديل المتطرّف، وألمان مع ميركل. ألمان محافظون وألمان منفتحون. ألمان مع حقوق المثليين والنساء، وألمان ضدها. ألمان من ميونخ، وألمان من برلين، وألمان من كولن، ألمان من الريف، وألمان من المدينة. ألمان مع اللاجئين، وألمان ضد اللاجئين، وألمان لا يهتّمون بكل هوبرة الأخبار حول اللاجئين، ومشغولون بعملهم وحفلاتهم وسفرهم. وبالتالي، بأي نمط ألمان مطلوب منا أن نندمج؟ بعدين، من نحن؟ السوري الكردي ولا السوري العربي ولا العلوي ولا السني ولا الغني ولا الفقير؟ نحن مختلفون وموزّعون على أجناس وهويات وطبقات ومناطق ولنا أنماط عيش مختلفة. وبالتالي، أنتَ تطلب منّي أن أندمج فيك أنتَ بالذات. واعذرني، أنتَ بالذات ما رح أندمج معك.
دارا عبدالله
دارا عبدالله
كاتب سوري يقيم في العاصمة الألمانيّة برلين، من مواليد مدينة القامشلي عام 1990. له كتابان: "الوحدة تدلل ضحاياها" (صادر عام 2013) و"إكثار القليل" (صادر عام 2015). يدرس في كليّة الفلسفة والدراسات الثقافيّة في جامعة "هومبولدت" في برلين. من أسرة "العربي الجديد" ومحرّر في قسمي المدوّنات والمنوّعات. يمكن التواصل مع الكاتب عبر الحسابات التالية:

مدونات أخرى