أزهى عصور العذاب والمعاناة

أزهى عصور العذاب والمعاناة

24 نوفمبر 2015

صلاح دياب أدرك أن أيام جده توفيق دياب ولت

+ الخط -

بكلمات قليلة، حسم رجل الأعمال الشهير، صلاح دياب، التكهنات، حول أسباب اعتقاله بشكل مهين وشديد القسوة، أطلق العنان لخيال كثيرين، فتحدث بعضهم عن تآمره مع جهات أجنبية لإسقاط نظام عبد الفتاح السيسي، وتحدث آخرون عن ضربة موجهة، من خلال دياب، إلى نجيب ساويرس، شريكه في جريدة "المصري اليوم"، في حين ركز مهاويس نظرية القائد الإصلاحي على أن الاعتقال بداية لحملة اعتقالات تطاول من أسموهم (رجال لوبي الفساد)، وأن صلاح دياب هو أول الغيث. وبالطبع، وجد أنصار الطائفة الإخوانية البائسة، فيما جرى، فرصة لإحياء نظرية (الانقلاب يترنح)، التي كانت قد شارفت على الهلاك، من فرط ثقل ظلهم وفقر خيالهم، ليتضح، بعد الإفراج المفاجئ والسريع عن صلاح دياب ونجله، خطأ كل هذه التكهنات، ويثبت أن الأمر ليس فيه مؤامرة أجنبية، ولا ضربة موجهة، ولا حملة اعتقالات لرجال الفساد ولا ترنح ولا يحزنون، وكل ما في الأمر أن السيسي شعر أن بعض "رجال أعماله" نسوا وعده الانتخابي الصريح الذي تم تسريبه من قبل: "السيسي عذاب السيسي معاناة"، فأراد أن يذكّرهم به، ليلزم الكل حدوده، ويلتزم بدوره المقرر له سلفاً، ويطلب الإذن قبل الكلام، وإلا تعرّض للمهانة والإذلال من دون رحمة.

كلمات صلاح دياب المفسرة لما جرى له جاءت ضمن مقال استعطافي، نشرته له مواقع إلكترونية عديدة، وعبرت عن اعتراف الرجل بخطئه، حين ظن أنه يمكن أن يرتجل في النص المكتوب، ولو قليلا، وكشفت، أيضاً، عن إدراكه أن أيام جده الصحافي الكبير، توفيق دياب، قد ولت بلا رجعة، فالكلمة المعارضة في عهد ولي النعم الجديد، حتى وإن كانت مجرد فضفضة، يمكن أن يكون لها عاقبة وخيمة، ويمكن أن تنسي الجنرال كل ما تم بذله من دعم وتأييد وتطبيل. ولذلك، حرص المهندس صلاح دياب على أن يشير إلى أن "ما صدر عنه من كلام"، وأغضب السيسي لم يكن إلا في إطار الاختلاف معه، وليس عليه، وأنه لا يمكن أبداً أن ينسيه محبة السيسي وتأييده ودعمه، ولم تكن عبارات التمجيد التي خلعها صلاح دياب على السيسي نابعة من فراغ، هذه المرة، بل نابعة عن تداعيات قهر باطش مجنون، لم يراع صحته، ولا سنه، ولا خدماته للنظام.

المضحك المبكي أن "الكلمات" التي أشار إليها صلاح دياب، لم تكن موجهة لمسؤول أجنبي، كما نقل بعضهم عن الأستاذ محمد حسنين هيكل، الذي قدم، في لقاء أخير له مع لميس الحديدي، بلاغا تلفزيونياً مجهّلا، بحق رجل أعمال، قال إنه ذكر نظام السيسي بسوء، خلال لقاء مع ديفيد كاميرون رئيس الوزراء البريطاني، لا أدري هل عثرت جهات الأمن على رجل الأعمال الذي قصده هيكل، أم أن البحث لا زال جارياً عنه؟ لكن ما علمته أن واقعة القبض على صلاح دياب ليس وراءها فضفضة أجنبية، بل فضفضة محلية، فالمهندس صلاح، وعلى عكس كثيرين من رجال البيزنس، يحب أن يدلي بآرائه في الشؤون العامة، وهو، أحياناً، يمليها على بعض الصحفيين العاملين معه، ليصيغوها له بشكل مقروء، فتُنشر في صورة مقالات، مثل مقال (نيوتن) الذي تعاقب على صياغته منذ عام 2012 الكاتبان المتوفيان، عبد الله كمال وعلي سالم، أو تُنشر أحياناً على لسان أحد "كتابه" المعتمدين، الذي يعرف العليمون ببواطن الأمور أن صلاح دياب اتصل به، قبل كتابة مقاله، حين تأتي مقالاته حاملة فكرة مثيرة للجدل، أما حين تجيء راكدة هامدة، يدركون أنها من بنات أفكاره البور.

في ذلك وغيره، تطول الحكايات المنبئة عن أحد جوانب بؤس الصحافة المصرية، ولعلي أعود إلى ذكرها بتفصيل أكثر، في سلسلة مقالات أكتبها عن بعض تجاربي الصحفية. وبالتأكيد، سيكون لتجربتي في (المصري اليوم) نصيب منها، علماً أنني تركت الكتابة فيها راضياً مختاراً عقب ثورة يناير، لأكتب في صحيفة (التحرير)، ثم في صحيفة (الشروق)، وكنت وقتها محتفظاً بمودتي مع المهندس صلاح الذي ظللت أكن له التقدير والمودة، على الرغم من أن موقفه مني تغير، عقب نقاش حاد عن الثورة التي تغير موقفه منها بشكل حاد، منذ أن تعرّض بيته للاقتحام، في أكتوبر/تشرين أول 2011، من جيرانه في منطقة أبو النمرس، ليعتبر الثورة، منذ تلك اللحظة، وبالا على البلاد، بعد أن كان يتحدث عنها من قبل بفخر واعتزاز، بل ويعتبر نفسه "أحد مفجريها"، من خلال ما تحمله من مشكلات، بسبب أداء صحيفة (المصري اليوم)، بل ووصل الأمر به إلى أن يضع يده في يد واحدٍ من أعتى أعدائها، مثل عبد الله كمال، والذي كان قد خاض في ذمة صلاح دياب وشخصه قبل الثورة، وكسب صلاح بحقه قضية، وحصل على حكم بغرامة قدرها 100 ألف جنيه، وهو واحد من أضخم أرقام الغرامات، يكشف فداحة ما كتبه عبد الله كمال بحقه، لكن صلاح قرّر أن يحوله من خصم إلى صائغ لأفكاره المعادية للثورة، والمتخفية تحت اسم (نيوتن) الذي لم يجرؤ أحد من كتاب الصحيفة على الاعتراض عليه، ولا على مهاجمته، على أساس أن (من حكم في ماله فما ظلم). وبالطبع، لذلك التحول المهم سياسياً وصحفياً في تفكير وممارسة صلاح دياب، تفسيرات يختلط فيها الخاص بالعام، والإنساني بالسياسي، ولنا لذلك عودة بإذن الله.

المهم أن المهندس صلاح دياب كان، قبل اعتقاله، محتشداً بآراء كثيرة، ربما أدرك أنه لن يتسع لها مقال واحد، فقرّر خلال صالون جمعه ببعض المقربين له من الكتاب، أن يأخذ راحته في الفضفضة، وقال كلاماً كثيراً عن استيائه مما يجري في البلاد، وكان يمكن لذلك الكلام أن يعبر، خصوصاً بعد أن علت أصوات كثيرين به، لكن صلاح دياب في لحظة جموح قال إن السيسي لن يظل طويلا في الحكم، وأنه يعطيه ستة أشهر فقط، لكي يترك منصبه، بعد أن ينفجر الوضع، بسبب فشله في حل المشكلات التي تسبب في إحداثها، ولا يدري أحد، حتى الآن، هل نُقل الكلام إلى السيسي، عبر أحد الجالسين الذي أحب أن يأخذ بنطا لدى رجل العذاب والمعاناة، أم أن الجلسة بأكملها نقلت على الهواء مباشرة، ببركات جهاز سيادي، ينقل مثل هذه الجلسات إلى صناع العذاب والمعاناة، ليختاروا منها ما ينقلونه إلى السيسي، أحياناً بأكمله، وأحيانا مقطّعاً ومجتزءاً، لكن المؤكد أن ما سمعه السيسي أثار غضبه الشديد، إلى درجة أنه لم ينتظر حتى الصباح، لكي يستخدم الطرق القانونية في اعتقال صلاح، خصوصاً وأن شماشرجية القوانين لا يقصّرون معه أبداً في كل ما يطلبه، وأحياناً فيما يظنون أنه سيطلبه. لذلك، قرّر شن غارة من رجال العمليات الخاصة المقنعين، لكي يعتقلوا صلاح دياب ونجله من سريره، وبشكل مهين وغير آدمي، لكنه بالمناسبة أخف وطأة مما جرى لآلاف المواطنين المحترمين الذين كانت جريمة انتمائهم إلى تنظيم الإخوان المسلمين كافية لإسقاط كل حقوقهم الإنسانية. وبالتأكيد، كان صلاح دياب أسعد حظا منهم، لأنه لم يتعرّض للتصفية مثل بعضهم، ولم يتم ضرب نساء بيته أو سحله عاريا، بل تم الاكتفاء بتصويره بالكلابشات، وهو يرتدي ملابسه كاملة.

في اليوم التالي، وبعد أن تم تسريب صورة صلاح دياب بالكلابشات، إلى أكثر المواقع الصحفية انحطاطاً وسفالةً وتنفيذا للتعليمات، وجرى أمر مسؤولي الموقع بنشر الصورة، من دون أي اجتهادات، بدأت المفاجآت تتوالى، حين أكدت وزارة الداخلية أنها لم تنفذ الاعتقال، واتضح أن قضية (نيو جيزة) التي قيل إن صلاح دياب اعتقل على ذمتها، لم تتم إعادة فتحها أصلا، وبدأ البحث عن مخارج قانونية، لتستيف القضية التي دفعت رجال أعمال كثيرين لكي يطلبوا من مذيعيهم إثارة المسألة في برامج الدجل شو الليلية، ليتحول هؤلاء، فجأة، إلى معترضين على إهانة الكرامة الإنسانية، ورافضين سلب الحقوق الآدمية، وتجري اتصالات للم المسألة من رجال أعمال مصريين وعرب ومسؤولين دوليين، من دون أن يفهم أحد حقيقة ما حدث، لكن صلاح دياب وحده كان يعرف سبب ما حدث له، وكان حريصاً على أن يسجل شفاهة وكتابة، إدراكه خطأ ما قام به، وندمه عليه، وعزمه على ألا يعود إليه أبداً.

أياً كانت ملابسات ما جرى، يظل ما حدث للمهندس صلاح دياب مرفوضاً بكل المقاييس، اختلفت معه أو اتفقت، وأظنه سيشكل علامة فارقة بين السيسي وكثيرين من مؤيديه من رجال الأعمال، وإنْ أظهروا غير ذلك علناً أو سراً، وإن بدا للسيسي أن "الرهبوت خير من الرحموت"، لكن المشكلة تظل فيمن يرفضون إهانة الكرامة وانتهاك الحقوق، حين تحدث مع رجل أعمال "ثقيل"، مثل صلاح دياب، سواءً كانوا طامعين في ما يجمعهم به من مصالح، أو خائفين من تكرار ما حدث معه لهم، وهو ما يذكّرني بواقعة خطيرة، سبق أن كتبت عنها من قبل في أكتوبر/تشرين أول 2013، ونشرتها في كتابي (فتح بطن التاريخ)، وأعتقد أنك حين تقرأها، الآن، ستدرك خطورة ما نحن مقدمين عليه، وستدرك أيضاً كيف ساعد كثيرون ـ ومن بينهم صلاح دياب ـ على أن نصل إليه، للأسف الشديد، فتعال نقرأ سويا قصة (المكالمة المهلكة) التي تشبه ما جرى مع صلاح دياب:

"هل تفيد الحاكم أحلامه العظيمة وآماله العريضة عندما يكون مهووساً بالتسلط والبطش؟ وهل يكون عظيماً حقاً من ينشغل بإخراس أي صوت معارض له، حتى لو كان صوتاً خافتاً ضئيل التأثير؟ سأترك هذه الواقعة الغريبة تجيبك بنفسها.

بطل الواقعة واحد من أعظم محققي التراث العربي الإسلامي والمنافحين عنه، هو الأستاذ محمد محمود شاكر، الشهير بين محبيه بلقب "الشيخ شاكر"، والذي أتمنى أن تعفيني من طلب أي تعريف موجز له، لأنه حتما سيخل بعظمته وقدره، دونك "جوجل" لتستزيد منه بمعلومات أتمنى أن تدفعك إلى قراءة كتبه والاستفادة من علمه وأسلوبه ولغته البديعة، ولتبدأ، مثلاً، بصفحة الويكيبديا العربية الخاصة به، والتي أحسن محبوه تحريرها، فجاءت دقيقة ومتميزة على غير العادة.

ستقرأ في أي سيرة موجزة عن حياة الشيخ شاكر أنه تعرض للاعتقال مرتين في عهد عبد الناصر، أولاهما في 1959، حيث لبث في السجن تسعة أشهر، وكانت الثانية في أغسطس/آب 1965 واستمرت حتى نهاية ديسمبر/كانون أول 1967، وربما ستظن، حينها، أن الرجل بحكم لقبه وتخصصه وتاريخ اعتقاله تعرّض للاعتقال، لأنه كان من قادة جماعة الإخوان المسلمين، لكن الحقيقة أنه لم يكن له صلة بالإخوان، ولا بغيرهم من التنظيمات السياسية، فما تسبب في حبسته الأولى لم يكن سوى مكالمة تليفونية، جمعته بأديبنا الكبير يحيى حقي، يروي تفاصيلها الشيخ أحمد حسن الباقوري، في مذكراته، بوصفه شاهداً عليها، حيث يقول إن حقي أخذ يشكو في التليفون لشاكر من نقله إلى موقعٍ، لا يناسبه في وزارة الثقافة التي كان يعمل فيها، فقام شاكر تضامناً مع صديقه بإطلاق شتيمة قبيحة في حق عبد الناصر، وضباط يوليو. يروي الباقوري أنه كان وقتها يصلي، وأنه بعد أن فرغ من الصلاة، أنكر الشتيمة على شاكر، من دون أن يدرك الاثنان أن المكالمة تم تسجيلها، وأنها ستلقي بشاكر في السجن، من دون محاكمة عادلة، بل ستكون سببا في أن يستدعي عبد الناصر الباقوري بعدها بأيام، ليقول له "بلغني أنك تحضر مجالس تنتقد الثورة التي أنت علم من أعلامها"، ثم يسمعه تسجيلاً للمكالمة التي كانت سبباً في استقالة الباقوري في الصباح التالي من منصبه وزيراً للأوقاف. 

 لكي أقطع الطريق على من وصفهم عمنا محمود السعدني "أرامل الزعيم الراحل"، لن أعتمد فقط على رواية الشيخ الباقوري، ولا على تأكيد صديقه الحميم الكاتب الكبير خالد محمد خالد لها، بل سأعتمد على تحقيق وافٍ لها نشره الكاتب الكبير رجاء النقاش في كتابه (رجال من بلادي)، كان الأستاذ رجاء ممن أعلنوا محبتهم كثيرا عبد الناصر، لكن ذلك لم يمنعه من استهجان هذه الواقعة، وانتقاد موقف عبد الناصر من الحريات، ما جلب له غضب بعض الناصريين الذين يحلو لهم أن يحملوا كل الرؤساء أي أخطاء تحدث في عهدهم، إلا عبد الناصر، فهو وحده الزعيم الذي لا يعتبرونه مسؤولا عن أخطائه، لأنها إما وقعت بفعل مؤامرة دولية، أو كانت تتم من دون علمه، إلى درجة أن بعض هؤلاء كتب لرجاء، مفضلا الطعن في ذمة الشيخ الباقوري، من دون دليل قاطع، على أن يعترف بخطأ عبد الناصر وهوسه بالتسلط حتى على مكالمات التليفونات.

أما البعض الآخر، فقد لجأ للتشكيك، أصلاً، في حدوث ما رواه الباقوري، وهو ما رد عليه بشكل قاطع الدكتور ثروت عكاشة، وزير الثقافة الأشهر في تاريخ مصر، وأحد رفاق عبد الناصر، حين شهد لرجاء النقاش أن عبد الناصر استدعاه وأسمعه تسجيل المكالمة، وطلب منه أن يفصل طرفها الثاني، يحيى حقي، لكن ثروت عكاشة استغل علاقته القوية بعبد الناصر ليقنعه ببراءة يحيى الذي لا يجوز أن يتحمل ذنب غيره، ولو لم يكن ثروت عكاشة من العارفين بقدر يحيى حقي، لكان قد شارك صديقه في دفع ثمن تلك المكالمة المهلكة. 

خرج الشيخ شاكر بعد تسعة أشهر من السجن، بفضل وساطات محبيه المقربين لعبد الناصر، وفي مقدمتهم الزعيم السوداني، محمد أحمد محجوب، لكنه عاد إليه في عام 1965، بعد سلسلة مقالات قوية نشرت في مجلة "الرسالة"، شن فيها حملة على الدكتور لويس عوض (ستجدها في كتابه الشهير "أباطيل وأسمار")، حينها ربط "عبقري" ما في جهاز أمني بين تلك المقالات المدافعة عن التراث الإسلامي وفكر جماعة الإخوان التي كانت تتعرّض، في ذلك الوقت، لحملة اعتقالات ومحاكمات أعدم فيها منظر الجماعة الجديد سيد قطب، والذي كان، لسخرية القدر، قد خاض، في طبعته القديمة، معركة أدبية عنيفة، مع الشيخ شاكر، بعد هجوم سيد قطب على مصطفى صادق الرافعي، أستاذ شاكر الأقرب إلى قلبه.

من سخريات القدر، أيضاً، أن الشيخ شاكر الذي تم اعتقاله مع "الإخوان" لم يكن يطيق التعامل معهم بسبب ثقل ظلهم، وكان يفضل عليهم صحبة الشيوعيين الذين كان بينه وبينهم ما صنع الحداد، لكنهم كانوا أخف على قلبه كثيراً. ومع ذلك، ظل مسجونا أكثر من عامين، لأن الدفاتر الأمنية لا يمكن أن تخطئ أبدا، وحتى لو أخطأت، فمن العار أن يتم إصلاح أخطائها أبداً، لأن ذلك الإصلاح ربما يهز ثقة المواطن بقيادته الحكيمة الملهمة التي يتغاضى عن ظلمها، على أمل أنه سيحقق له العدل، ناسياً أن ما بُني على باطل لا يقود إلا إلى باطل، وإن صفقت له الملايين ورقصت وغنت.

أصبحنا نحتاج للتذكير بوقائع دالة مثل هذه مجدداً، بفضل جماعة الإخوان التي اضطرّتنا، بخيانتها الثورة وانتهازيتها، إلى أن ننشغل عن مستقبلنا بماضينا، فأخذ بعضنا يدّعي أنه كان ماضياً مشرقاً مهيباً، يجب أن نستلهمه ونحن نقمع "الإخوان"، واضطر بعضنا الآخر للتنبيه إلى أن ذلك الماضي كان، في أغلبه، مظلماً "مهبباً"، بدليل أن استبداده المتخفي تحت شعارات حماية الوطن أوقعنا في حفرة الهزيمة التي قمنا منها، لنقع في دحديرة الفساد، ولا زلنا للأسف نواصل القيام والوقوع من نقرة لدحديرة، لأننا لا نبدو راغبين في التعلم من أخطاء ماضينا، بقدر ما نفضل تكراره بحذافيره التي كان من بينها أن كثيرين من أبناء وطننا اختاروا اعتناق مذهب جحا في تطنيش أي قمع أو ظلم أو تضييق على الحريات يحدث في البلد، طالما كان بعيداً عن.. قفاه، مشيها قفاه.

هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.  

 

 

605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.