وبين ضغوط بالحجز على الصحيفة وممتلكاتها والتهديد بإغلاقها من قبل ضريبة الدخل ومؤسسات إسرائيلية أخرى كالتأمين الوطني، والأزمة المالية الخانقة التي تعانيها الصحيفة المقدسية بسبب سوء معالجة التضخم الوظيفي الذي مرت به في العقد الأخير وانتباهة إدارتها المتأخرة لهذا التضخم، احتجبت الصحيفة اليوم، والتي كشف حجبها عن معاناة كبيرة لنحو مائة موظف وعامل يعملون في الصحيفة الورقية وموقعها الإلكتروني وإدارتها الإعلانية "موديكو".
وفي هذا الإطار، أكد رئيس لجنة العاملين في صحيفة القدس، منير الغول، في حديث لـ"العربي الجديد"، عزم موظفي الصحيفة والعاملين فيها على المضيّ في إضرابهم حتى تتم الاستجابة لمطالبهم بدفع الرواتب المتأخرة عن الأشهر الأربعة الماضية.
وأشار الغول إلى أن "إدارة الصحيفة كانت أخلّت بوعودها التي كانت قطعتها للموظفين مطلع يوليو/ تموز الجاري، بدفع جزء مهم من تلك الرواتب، قبل أن تعود وتتراجع عن هذه الوعود متذرعة بضغوط تمارسها عليها مؤسسات الضريبة والتأمين الوطني الإسرائيلية بالحجز على ممتلكاتها إن لم تسدد ما عليها من ضرائب".
وعن أسباب الأزمة المالية التي تتذرع بها إدارة الصحيفة، قال الغول "مردّ هذه الأزمة هو تراجع المردود المالي للصحيفة والذي أثر بشكل كبير على نسختها الورقية ولم تعد قادرة على تأمين رواتب موظفيها ودفع التزاماتها المالية الأخرى تجاههم. علماً أن الصحيفة كانت خلال السنوات العشر الماضية، أي قبل العام 2010، قادرة على تأمين الرواتب، وتوفير النفقات جميعا المتعلقة بمستلزمات الصحيفة".
وشدد الغول على أن تراجع الصحيفة مالياً بدأ في العام 2010، ولم تنبه إدارتها في حينه إلا متأخرة لحالة التضخم الوظيفي لديها، ما كان سبباً في تعمق الأزمة المالية وشروعها خلال السنوات الثلاث الماضية بتقليص عدد موظفيها. إذ استغنت عن 35 موظفاً من كبار الصحافيين والعاملين، في حين ظلّ نحو مائة موظف هم عدد موظفيها في نسختيها الورقية والإلكترونية، وفي إدارتها الإعلانية "موديكو".
هذه الأزمة المالية، كما يوضح الغول، كان ضحيتها الأولى موظفو الصحيفة العاملون فيها، والتي تركت آثاراً سلبية جداً على التزاماتهم المالية للبنوك، وإيجارات السكن، وعلى قدرتهم على دفع فواتير الماء والكهرباء وضريبة الأرنونا، ورسوم ترخيص مركباتهم الخاصة، ما جعلهم فريسة سهلة لمؤسسات الاحتلال التي نفذت حجوزات عليهم وعلى حساباتهم، بل إنهم لم يعودوا قادرين على توفير حتى رسوم تعليم أبنائهم في الجامعات والمدارس.
إلى ذلك، استبعد الغول تراجع الموظفين عن إضرابهم، مؤكداً إصرارهم على المضي في هذا الإضراب بالرغم من مناشدات مسؤولين في السلطة الفلسطينية لهم باستمرار صدور الصحيفة، باعتبارها صحيفة وطنية لا يجوز أن تتوقف عن الصدور.
بدوره، قال سليمان قوس، من قسم الترجمة في الصحيفة، لـ"العربي الجديد": "منذ أربعة أشهر ونحن نعيش المعاناة التي تمثلت في عدم القدرة على سداد الفواتير الاعتيادية مثل الكهرباء والماء والهاتف، حتى أننا فقدنا القدرة على إصدار الشيكات الشخصية التي أصبحت مرتجعة، ما أوقعنا في إشكالات مع البنوك، وصرنا نقترض من الأهل والأصدقاء، وأصبحت أولويتنا شراء الطعام فقط".
وتابع "على صعيد المناسبات الاجتماعية مثل حفلات الزفاف صرت أعتذر عن حضورها لعدم القدرة على تقديم واجب النقوط للعريس أو العروس، حتى أن ابني الذي تخرج من الجامعة لم أتمكن من تقديم هدية له، وفي عيد الفطر فضلت الاعتكاف في البيت خشية الحرج من أبناء إخوتي الذين كانوا يتوقعون مني تقديم العيديات لهم. وفي الأيام التي كنت فيها لا أتمكن من تأمين أجرة السفر كنت أتغيب عن العمل، وقد فكرت مليا بالاستقالة، لكن حتى لو فعلت فلن أتمكن من الحصول على تعويضات نهاية الخدمة، بعبارة أخرى أصبحت عالقا في حبائل انعدام الدخل".
وأضاف قوس "هذه الأزمة أوقعتني والزملاء في إشكالات اجتماعية كثيرة لا تحمد عقباها، فأحد الزملاء قطعت عليه الكهرباء في المنزل، وآخر أحرج لعدم القدرة على الوفاء بواجبه الاجتماعي بعدما رزق حفيداً جديداً، وآخر لم يتمكن من تسجيل ابنته المتفوقة في الثانوية العامة في الجامعة، علماً أنها حصلت على معدل 94 في الثانوية".
يُذكر أن صحيفة القدس، هي صحيفة يومية سياسية ناطقة بالعربية أسسها محمود أبو الزلف في القدس سنة 1951، وتعد الأكثر توزيعاً في فلسطين، ويرأس تحريرها حالياً وليد أبو الزلف، وتتخذ من مدينة القدس مقراً لها.