أزمة سيولة دولارية: البنوك الأميركية تتفادى الإقراض بسبب المخاطر

أزمة سيولة دولارية: البنوك الأميركية تتفادى الإقراض بسبب مخاطر الائتمان

27 مارس 2020
أسهم البنوك خسرت نحو 50% من قيمتها (Getty)
+ الخط -

 

بات السؤال الملحّ لأسواق المال الأميركية والمستثمرين: هل تواجه سوق التمويل أزمة سيولة دولارية خلال الأسابيع المقبلة على الرغم من ضخ الاحتياط الفيدرالي "البنك المركزي الأميركي" نحو تريليون دولار يومياً في عمليات الإقراض قصير الأجل، أي عمليات "الريبو"، وإجازة الكونغرس لحزمة التحفيز البالغ قدرها تريليوني دولار؟

من الناحية النظرية، وحسب محللين، لا توجد أزمة سيولة دولارية لدى البنوك بسبب الضخ المتواصل للدولارات في السوق المالي، وخطوط الاقتراض المفتوحة للبنوك والمؤسسات المالية غير المصرفية في أميركا وخارجها، لكن من الناحية العملية تواجه الشركات الاستثمارية في أسواق المال صعوبة في الحصول على الدولارات أو المتاجرة في السندات. ويقدر حجم سوق سندات الشركات في الولايات المتحدة بنحو 10 تريليونات دولار.

والسبب الرئيسي وراء رفض القطاع المصرفي التعامل بسندات الشركات، كما يقول خبراء، أن البنوك تتفادى المخاطرة بما تملكه من سيولة في سوق الإقراض، وترغب في الاحتفاظ بها للمستقبل وسط ظروف "عدم اليقين" حول الفترة التي ستأخذها أميركا قبل السيطرة على فيروس كورونا وحجم الدمار الذي من المتوقع أن يتركه على الاقتصاد الأميركي.

وتقدّر دراسة متخصصة أصدرها كل من البروفسور أفيران أشاريا والبروفسور ألكسندر وانغر، في تحليل بنشرة "فوكس vox"، يوم الإثنين، حجم التزامات خطوط الائتمان للشركات الأميركية لدى البنوك التجارية بنحو 958 مليار دولار.

في شأن رفض البنوك توفير سيولة دولارية، تقول مديرة صندوق "دبل لاين" الاستثماري، مونيكا أيريكسون، "العديد من البنوك ترفض أخذ السندات كرهن مقابل الحصول على تمويلات دولارية في الوقت الراهن، ولذلك نجد أن العديد من السندات مجمدة، ولا تتم المتاجرة بها". وأضافت "البنوك التجارية تمنح حالياً القليل جداً من السيولة الدولارية". وذكرت في تعليقات نقلتها صحيفة "فاينانشيال تايمز" أن "أحد البنوك أبلغني أنه لا يستطيع تحمل مخاطر إضافية".

في ذات الصدد، قال خبراء في تجارة التمويل إن البنوك الأميركية لا تعيش حالياً أزمة نقص في التمويلات الدولارية، بسبب خطوط الائتمان المفتوحة التي يوفرها الاحتياط الفيدرالي.

ويقول رئيس استراتيجية الاقتصاد الكلي بشركة "أكاديمي سيكيوريتز" الأميركية المالية للاستثمار، بيتر تاشير، إن "لدى البنوك الأميركية الآن سيولة كافية من الدولارات، لكنها لا تريد المخاطرة بإقراضها تحسباً للمستقبل".

ويرى خبراء أن المصارف التجارية في الولايات المتحدة تراكم الدولارات على أمل استخدامها في شراء أسهمها من السوق المالي أو إقراضها بسعر أعلى في الأسواق الناشئة في المستقبل.

لكن خبراء تمويل ينصحون البنوك التجارية في الولايات المتحدة بعدم العودة لشراء أسهمها، أو حتى توزيع أرباح في ظل هذه الظروف التي ربما تحتاج فيها إلى السيولة لتلبية احتياجات زبائنها الذين لديهم خطوط ائتمان معها. وتعد البنوك التجارية في أميركا حالياً لاختبار "قدرة التحمل على صدمة "كوفيد 19" التي يسببها للاقتصاد الأميركي".

وما يحفز البنوك الأميركية على الاحتفاظ بالسيولة أن أسعار أسهمها رخيصة حالياً، وباتت مغرية لإعادة شرائها مرة أخرى على أمل أن يرتفع سوق المال، أو يكون الارتفاع الكبير الذي حققه السوق يوم الثلاثاء الماضي نقطة البداية لنهاية "الانهيار الكبير في سوق وول ستريت". لكن خبراء يحذرون من مخاطر عمليات إعادة شراء المصارف لأسهمها، لأن ذلك قد يسبب لها أزمة سيولة في المستقبل.

وحسب تحليل مالي أعده كل من البروفسور فيرال أشاريا الأستاذ بجامعة نيويورك، والبروفسور ألكسندر وانغر من جامعة زيورخ، وصدر يوم الإثنين الماضي، فإن أسهم البنوك الأميركية هبطت في المتوسط بنسبة تراوح بين 40 و50% حتى نهاية الأسبوع الماضي.

وهذه المستويات الدنيا ربما تجعلها جذابة جداً في حال تواصل تحسن سوق "وول ستريت"، أو على الأقل عودة السوق للتذبذب ارتفاعاً وهبوطاً بنسب معقولة في رحلته نحو "التوازن المطلوب"، وبالتالي ربما تغري المصارف بإعادة شراء أسهمها.

ويرى كل من أشاريا ووانغر، في تحليل بنشرة "فوكس vox"، أن أزمة أسواق المال والمصارف التي يمر بها العالم حالياً بسبب تداعيات الفيروس" كوفيد 19" الاقتصادية تختلف بشكل جوهري عن أزمة المال العالمية في عام 2008، إذ إنّ البنوك التجارية في أميركا حالياً في أفضل أحوالها من حيث كفاءة ونوعية رأس المال والقدرة على الإقراض، ولكنها تعاني من مشكلة تجميد النشاط التجاري وتكالب الشركات على التمويلات الدولارية بسبب حاجتها إلى تلبية التزاماتها في سوق السندات.

وفي المقابل، فإن أزمة المال في عام 2008 خلقتها البنوك نفسها بسبب قرارات الائتمان الخاطئة، إذ كان النظام المصرفي الأميركي وقتها ضعيفاً جداً من ناحية كفاية رأس المال ونوعيته، كما سارعت قرارات الإقراض غير المسؤولة في إطلاق شرارة الأزمة، إضافة إلى أن البنوك كانت غارقة في الديون الخطرة أو المشكوك في تحصيلها.

أما الآن، فترى الدراسة التحليلية التي أعدها البروفسوران وانغر وأشاريا أن المصارف الأميركية لديها قاعدة مالية جيدة، إذ تقدر قاعدتها الرأسمالية بنحو 1.3 تريليون دولار.

ولاحظت الدراسة التي نشرت يوم الإثنين الماضي أن المؤسسات المالية غير البنكية أخذت في السنوات الأخيرة جزءاً من عبء تمويل الشركات والأعمال التجارية، من البنوك التجارية في أميركا، رغم أن البنوك ظلت الضامن الرئيسي لتدفق السيولة.

المساهمون