أزمة سد في السودان

أزمة سد في السودان

22 نوفمبر 2016
+ الخط -
يُعدّ السودان من الدول التي تتمتع بموارد مائية ضخمة ومتنوّعة، لتعدّد التضاريس الجغرافية والمناخات المتعدّدة من مناخ صحراوي وشبه صحرواي شمالاً، إلى المناخ شبه الاستوائي جنوب البلاد. وتتكوّن الموارد المائية في السودان من مياه الأنهار ومياه الأمطار إلى جانب كلّ من المياه السطحية والمياه الجوفية.
سعت الحكومات السودانية المتعاقبة إلى الاستفادة من هذه الموارد بالتفكير في إنشاء مشروعات سدود وخزانات لما تلعبه من دور مهم في التنمية، وحماية الأراضي من خطر فيضان النيل، وإنشاء مشاريع صناعية وثروة حيوانية، خصوصاً أنّ السودان بلد زراعي في المقام الأول. بالفعل، أُقيم خزان سنار، وسد الروصيرص وخزان جبل أولياء وسد مروي وغيرهم.
غير أنّ السدود التي تمّ إنشاؤها في عهد الحكومة الحالية صاحبتها مشكلات متعلّقة بتعويض المتضرّرين الذين انتزعت أراضيهم السكنية والزراعية لصالح قيام السدود، كان أبرزهم أبناء قبيلة المناصير وقضيتهم مع سد مروي (شمال السودان)، حيث رأوا أنّ الحكومة لم تلتزم باتفاقياتها معهم، في توطين أصحاب "الخيار المحلي" الذين تمسّكوا بالبقاء حول بحيرة السد، إضافة إلى خلافات أخرى، بخصوص قيمة التعويض المادي للأراضي التي وقعت في محيط جسم السد.
برزت، خلال الفترة الماضية، أزمة سد أعالى نهر عَطبرة وسِتَيتْ، وهو سدان ترابيان كهرومائيان بـ "نواة طينية" وبحيرة تخزين مشتركة، يقع أحدهما على أعالي نهر عطبرة والآخر على نهر سيتيت في ولايتي كسلا والقضارف، بالقرب من الحدود مع إريتريا، وأنشأ السد المشترك بهدف توفير مياه الشرب لمواطني ولاية القضارف وتوفير مياه الري لمشروع حلفا الجديدة الزراعي، إضافة إلى مشاريع أخرى جديدة متصلة بهما، إلى جانب إنتاج الطاقة الكهربائية، ويقع المشروع على بعد 460 كيلومتر من العاصمة الخرطوم .
بطبيعة الحال، لا يمكن للسكان الاعتراض على قيام مشروع، كسد سيتيت، من دون مبررات، فلا أحد يرفض التنمية والتطوّر، خصوصاً إنّ محلية ودالحليو من محليات ولاية كسلا الواعدة، كونها محلية غنيةً بمواردها الطبيعية والزراعية وثروتها الحيوانية، فضلاً عن موقعها الاستراتيجي الرابط بين السودان وجمهوريتي إرتيريا وإثيوبيا.
يقول الأهالي إن وزارة السدود قامت بتهجير نحو 70% من سكان المنطقة، وتجاهلت البقية، بحجة إنّهم غير متأثرين بالمياه، حسب دراسات الوحدة المكلفة بالمشروع، في حين أنّ الدراسة أثبتت فشلها، منذ بداية عملية التخزين للبحيرة، حيث وصلت المياه إلى منازل المواطنين وأغرقت أطفالهم، وتسبّبت لهم في أضرار كثيرة، منها توالد الحشرات والبعوض، وتركتهم في حيرة من أمرهم، لا يستطيع الواحد منهم أن يخرج من بيته مطمئناً على أسرته، ويتخوّف في أيّ لحظة من غمر المياه لبيته.
ويشتكي الأهالي من رداءة الوضع البيئي الناتج عن طبيعة العمل في السد، بالإضافة إلى تردّي الوضع الصحي، وانعدام المؤسسات الصحية، حيث يضطر المواطنون إلى النزوح إلى مدينتي كسلا والقضارف لتلقي العلاج. وفوق هذا، يعبّر السكان وأصحاب الأراضي عن عدم رضاهم من ضعف التعويض المادي وتأخر تسليم المنازل التي وعدوا بها.
ما تشهده منطقة سد سيتيت ونهر عطبرة دفع الأهالي إلى تَذكُر التجارب السيئة التي صاحبت إنشاء السدود في السودان، وفي مقدمتها الأزمة التي ارتبطت بسد مروي شمال البلاد، وما شهدته المنطقة من أحداث عنف واعتصامات لأبناء المناصير، وقبل ذلك تهجير سكان مدينة وادي حلفا الحدودية التي أغرقت تماماً من أجل قيام السد العالي في مصر، حيث يقع جزء مقدّر من بُحيرته داخل الأراضي السودانية، وتعرف محليا باسم "بحيرة النوبة".
نخشى من تطوّر قضية المتضررين من قيام سدّي سيتيت وأعالي نهر عطبرة لتصبح أزمة جديدة، تُضاف إلى أزمات السودان المتعددة. وعليه، نتمنى من الجهات المعنية في وزارة الكهرباء والسدود أن لا تتجاهل قضية المتضرّرين، وأن تعمل على تداركها، بالتعاون مع حكومة ولاية كسلا وصندوق إعمار الشرق.
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
71F29908-DD1C-4C71-A77C-041E103F4213
محمد مصطفى جامع
كاتب سوداني.
محمد مصطفى جامع