أزمة رواتب الأسرى الفلسطينيين... مسكنّات إجرائية بلا حل جذري

أزمة رواتب الأسرى الفلسطينيين... مسكنّات فنية وإجرائية بلا حل جذري

رام الله

مجد علي

avata
مجد علي
21 مايو 2020
+ الخط -
أضحى الأسير الفلسطيني المحرر سعيد أبو خضير، مضطرا للسفر من مخيم شعفاط شمالي مدينة القدس المحتلة، إلى مدينة رام الله عبر حاجز قلنديا الإسرائيلي، شديد الازدحام في ساعات الصباح والظهيرة بدءا من يونيو المقبل، من أجل الحصول على راتبه المحوّل من هيئة شؤون الأسرى، إثر سحب بطاقة الصراف الآلي الخاصة به، من قبل بنك الإسكان في مدينة رام الله، في 10 مايو/أيار الماضي.

ولكن معاناة الأسير أبو خضير، الذي مكث ثماني سنوات في السجون الإسرائيلية، لا تختصرها "تعاسة السفر عبر الحواجز" كما يقول، إذ أصبح غير قادر أيضا على إدارة مصروفاته في المملكة الأردنية، التي يسافر إليها كثيرا، ويضطر إلى التعامل عبر البطاقة المصرفية لتسيير أموره ونفقاته هناك، مستنكرا رد إدارة البنك بأن البطاقة لن تعود والأسباب لن توضّح، وهو ما وثّقه معد التحقيق عبر محاولة التواصل مع المدير الإقليمي لبنك الإسكان عدة مرات، لمنحه حق الرد من دون جدوى، بينما أحالت مديرة مكتب المدير الإقليمي الأمر إلى دائرة العلاقات العامة التابعة للبنك، والتي رفضت بدورها التعقيب، واكتفت بالإشارة إلى أن التصريح في كل ما يتعلق بقضية حسابات الأسرى، من اختصاص جمعية البنوك، التي تمثل كافة المؤسسات المصرفية العاملة في الضفة الغربية، والتي اعتذرت موظفة تعمل بها بعد معرفة تفاصيل الموضوع، مؤكدة أنها ليست من صلاحياتها توصيله بالمسؤولين في الجمعية.


 
 
 


كيف يعمل النظام المصرفي الفلسطيني؟

تؤكد المادة 12 من قانون المصارف، رقم (9) لسنة 2010، أنه "لا يجوز لأي مصرف أن ينهي أو يعلّق أعماله في فلسطين، أو أن يتوقف عن أداء بعض أو كل الأعمال، التي يمارسها، والمسموح بها، من دون الحصول على الموافقة الخطية المسبقة من سلطة النقد، والتي لديها الحق في أن تضع الإجراءات والشروط لإنهاء العمل بما يحقق الحفاظ على حقوق المودعين واستقرار الجهاز المصرفي في فلسطين"، لكن البنوك العاملة في الضفة تجاوزت ذلك، من خلال قيامها بإغلاق حسابات بنكية لأسرى ومحررين، حتى من دون إعلامهم في بعض الحالات، وفق ما يؤكده لـ"العربي الجديد"، الأسير المحرر رائد أبو هنود، أحد مسؤولي الحراك الحالي ضد إغلاق الحسابات، مشيرا إلى أن ذلك أدى إلى موجة من الاحتجاجات وصلت حد إطلاق النار على فرع بنك القاهرة عمان في جنين بتاريخ 8 و9 مايو الجاري.

ويتلقى النظام المصرفي الفلسطيني، الذي تديره سلطة النقد، الخدمات من النظام المصرفي الإسرائيلي، وفق اتفاقية باريس عام 1994، التي تنظم العلاقات الاقتصادية مع السلطة الفلسطينية، وقد يؤدي وقف الخدمات المصرفية الإسرائيلية إلى شل النظام المصرفي الفلسطيني. ويعتبر بنك هبوعليم، أكثر المؤسسات المصرفية في دولة الاحتلال تنسيقا مع البنوك الفلسطينية ويزودها بالمقاصة والضمانات والخدمات الأخرى التي تسمح لها بالحصول على ائتمان في الخارج لغرض الاستيراد والاحتياجات الأخرى، كما يوضح الخبير في الاقتصاد الفلسطيني ماهر الطباع، والذي يشكك في إمكانية انفكاك النظام المصرفي الفلسطيني عن نظيره الإسرائيلي، وبالتالي سيبقى خاضعا له.
 

 
 



البنوك في مواجهة الأسرى

جرى تحويل رصيد الأسير المحرر أبو خضير إلى حساب مجهول مطلع مايو، كما يقول في إفادته لـ"العربي الجديد"، ليكتشف أن البنك اتخذ إجراءات بحقه هو ورفاق آخرين لهم، قبل أن يتم التراجع عن ذلك وإعادة الرصيد إلى حسابه.



لكن معاناة أبو خضير تعكس صورة مصغرة عن مشكلة أكبر، تشمل أسر الأسرى المحررين والمعتقلين، التي ستتضرر معيشيا إذا ما اتخذت البنوك العاملة في الضفة الغربية إجراءات ضد الحسابات. ويشير الناطق باسم هيئة شؤون الأسرى، حسن عبد ربه، إلى أن حوالي 12 ألف أسير ومحرر، يتقاضون رواتب من الهيئة، مشددا على أن صرف الرواتب منصوص عليه في المادتين الرابعة والخامسة من قرار بقانون رقم (1) لسنة 2013 بشأن تعديل قانون الأسرى رقم (19) لسنة 2004، ولذلك يجب أن يتم الصرف من خلال البنوك، لأن الأخيرة تعمل وفق النظام والقانون الفلسطيني ومرجعيتها السلطة الفلسطينية، والرواتب تدفع وفق قوانين وتشريعات صادرة عن السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير.

وتصرّ البنوك العاملة في الضفة الغربية على عدم صرف رواتب الأسرى والمحررين من خلالها، خوفا من تبعات الأمر العسكري الإسرائيلي المعدّل رقم 67 للقرار العسكري رقم 1827 الصادر في فبراير/شباط الماضي، والذي يجرّم، الهيئات والأدوات، التي يتم من خلالها صرف رواتب الأسرى، وفق ما كشفه لـ "العربي الجديد" مصدر رسمي، فضل عدم الكشف عن اسمه لحساسية موقعه الوظيفي والقيادي في حراك الأسرى أبو هنود، بينما نفى الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إبراهيم ملحم الأمر، مشددا في إفادته لـ"العربي الجديد"، على أن البنوك تأتمر بالقرارات الوطنية والحكومية في هذا الشأن، وستستمر في صرف الرواتب من خلالها، إلا أن الأسير المحرر أبو هنود اعترض على ذلك، مؤكدا أن مجموعة كبيرة من زملائه يتجهزون للاعتصام أمام مجلس الوزراء في رام الله، احتجاجا على رفض البنوك الاستمرار في صرف رواتبهم من خلالها، محذرا من أن هذا لن يمرّ من دون ردة فعل قوية ضد البنوك وبعض الأطراف، التي تتآمر على قضية الأسرى.
 


مقاربات السلطة لحل الأزمة

شكلت السلطة الوطنية الفلسطينية، لجنة بتاريخ 7 مايو 2020، برئاسة محافظ سلطة النقد عزام الشوا، ووزير شؤون الأسرى قدري أبو بكر، وجمعية البنوك، وممثل عن وزارة المالية، لدراسة التهديدات الإسرائيلية ضد البنوك. وتناقش اللجنة مخارج فنية وإجرائية لتلافي التبعات القانونية للأمر العسكري الإسرائيلي المعدّل، وفق إفادات 4 مصادر من داخل هيئة شؤون الأسرى، والذين أكدوا أن أبرز الاقتراحات المطروحة هو إنشاء بنك فلسطيني غير مرتبط بالنظام المصرفي الإسرائيلي والأنظمة المصرفية العالمية، لكن تجهيزه يحتاج إلى ستة أشهر على الأقل، وبالتالي فإن النقاش يتضمن أيضا مقترحات مؤقتة لاستمرار دفع الرواتب خلال الفترة المذكورة، من بينها الصرف من خلال المحافظات أو مالية هيئة شؤون الأسرى.

وأنهت اللجنة أعمالها، ومن المفترض أنها رفعت توصياتها إلى القيادة الفلسطينية خلال الاجتماع الذي عقد في 19 مايو بحضور فصائل منظمة التحرير الفلسطينية، وفق ما أكده عضو اللجنة المركزية لحركة فتح عزام الأحمد، مشيرا إلى أن التعليق على التوصيات يتم بعد الإعلان عنها وليس قبل ذلك. ويتفق الأحمد ووزير الأسرى السابق وصفي قبها، في إفادتهما لـ"العربي الجديد"، على أن الأمر العسكري الإسرائيلي بمثابة تدخّل في العمل المصرفي الفلسطيني، وهو أمر يمس بالسيادة الفلسطينية.

وفي خطاب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، الذي أعقب الاجتماع القيادي المذكور، أشار إلى أن السلطة الفلسطينية مستمرة في صرف رواتب الأسرى رغما عن الاحتلال الإسرائيلي، لكنه لم يشر إن كان ذلك سيتم من خلال البنوك كالمعتاد، أو من خلال وسائل أخرى للتكيف مع التهديد الإسرائيلي للبنوك. فيما تؤكد مصادر مطلعة على نقاشات الحكومة الفلسطينية والبنوك، أن المؤسسات المصرفية طلبت من الحكومة حمايتها في حال تعرّض لها الاحتلال الإسرائيلي مقابل استمرار صرف الرواتب، لكن الرد كان بأن الحكومة  لن تستطيع القيام بالأمر.

وبالرغم من انتهاء أعمال اللجنة ورفع توصياتها للقيادة، كما أكد الاحمد، فوجئ أسرى محررون بأن بنك فلسطين في مدينة رام الله رفض فتح حسابات بنكية لهم، وفق مصدرين مسؤولين في هيئة شؤون الأسرى. في المقابل، أكد ربيع دويكات، مسؤول الإعلام في بنك فلسطين، أن لا تعليمات لديهم لإغلاق حسابات الأسرى أو عدم فتح أخرى جديدة.
 

 
 


مزيد من الرضوخ

يحمّل الوزير السابق قبها السلطة الفلسطينية المسؤولية المباشرة عن ما وصل إليه ملف الأسرى من استهداف، مشيرا إلى أن "رضوخ السلطة في محطتين سابقتين في سياق هذا الملف، هو الذي شجع الاحتلال على مواصلة استهدافه للأسرى وصولا إلى رواتبهم، إذ كانت المحطة الأولى بتحويل وزارة الأسرى إلى هيئة في مايو 2014 تحت الضغط الأميركي والإسرائيلي"، وفي هذا السياق يكشف المصدر الرسمي أن السلطة كانت بصدد تحويل الهيئة إلى جمعية تتبع لوزارة الداخلية أو الشؤون الاجتماعية بعد ضغوط أميركية مورست على قيادة السلطة خلال وبعد زيارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى بيت لحم ولقائه الرئيس الفلسطيني محمود عباس في مايو 2017، لكن ذلك لم يتم تحسبا لردة فعل الأسرى.



"أما المحطة الثانية فتمثلت في استقبال أموال المقاصة منقوصة 140 مليون دولار في شهر أكتوبر/تشرين أول 2019 عبر صفقة مشبوهة، بعد سبعة أشهر من رفض استلامها، بعد دخول قرار الاستيلاء الإسرائيلي حيز التنفيذ في مارس 2019، وهذا بدوره شجع على اتخاذ الاحتلال قرارا بتجريم البنوك التي تصرف من خلالها رواتب الأسرى في شباط الماضي، وكانت هذه المحطة الأخيرة" كما يوضح قبها.

وفي حين يعتبر الأحمد أن أزمة رواتب الأسرى والأمر العسكري الإسرائيلي جزء لا يتجزأ من الخطوات الإسرائيلية في سياق تطبيق الضم وفرض القانون الإسرائيلي في الضفة الغربية، يشدد الوزير السابق في الحكومة الفلسطينية العاشرة قبها، على أن توجيه الاحتلال رسالته وتحذيره للبنوك مباشرة يعني أنه قد تجاوز السلطة الفلسطينية وكينونتها، وبالتالي فإن القضية سيادية، ولا يمكن أن تواجه بمخارج فنية وإجرائية، يصفها رئيس نادي الأسير الفلسطيني والقيادي في حركة فتح، قدورة فارس، بالبضاعة الفاسدة، التي يجب أن لا تشتريها السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير، مشيرا إلى أن الحلول الفنية الإجرائية في أحسن الأحوال قد تعالج الأزمة لقليل من الوقت، ويفترض أن يكون الأساس في مواجهة الأمر العسكري الإسرائيلي على أساس سياسي، باعتباره عدوانا على الشعب الفلسطيني، وليس البحث عن مخارج للبنوك وغيرها.

ويتفق فارس والمصدر الرسمي في أن الإجراءات الفنية لن تنهي الأزمة، ويؤكد الأخير أن الاحتلال الإسرائيلي قد يلاحق البريد أو يقدم كشفا بأسماء الأسرى المفرغين على الوزارات، لأن الاحتلال ينظر للقضية بشكل جوهري وليس إجرائيا، وقد يغلق البنك الفلسطيني الجديد، وبالتالي فإن هذه المقترحات مرحلية مؤقتة، والأساس مواجهة القرار وليس محاولة البحث عن مخارج لتفادي ما يترتب عليه قانونيا.

خيارات السلطة

في مقابل ما سبق، ينفي الناطق باسم الحكومة الفلسطينية ملحم أن تكون اللجنة المشكلة قد ناقشت اقتراحات فنية وإدارية لتفادي تبعات الأمر العسكري الإسرائيلي، قائلا إن الأساس هو استمرار البنوك في صرف رواتب الأسرى والمحررين، ولا توجد أي اقتراحات أو إجراءات بديلة، وهو ما نفاه لـ"العربي الجديد" أكثر من مصدر من داخل هيئة شؤون الأسرى، مؤكدين أن اللجنة بحثت في البدائل الفنية، التي تعفي البنوك من مهمة تحويل رواتب الأسرى، وتوكل الأمر للحكومة لإيجاد هذه البدائل.

وحول خيارات السلطة في مواجهة الأمر العسكري الإسرائيلي، يقول ملحم: سنواجه الأمر العسكري كما نواجه كافة القضايا في حياتنا، وما يجري بلطجة إسرائيلية، ونحن لا نعترف بالقرارات الإسرائيلية. في المقابل، رفض رئيس نادي الأسير فارس، التعقيب حول وجود إرادة سياسية لدى السلطة الفلسطينية لمواجهة الأمر العسكري، قائلا: "لست محللا سياسيا وأنا أتحدث بما يجب أن يكون، وهذا الأمر يجب أن يواجه بإرادة سياسية ترفض أن يعود الفلسطيني تحت إمرة الحاكم العسكري الإسرائيلي".

ويتفق سيف الدين عودة، رئيس قسم السياسة النقدية والأسواق المالية في سلطة النقد، في إفادته لـ"العربي الجديد"، مع رئيس نادي الأسير، في أن الموضوع سياسي بالأساس، مكتفيا بالإشارة إلى أن سلطة النقد نشرت بيانا واضحا ومفصلا بالخصوص في 8 مايو 2020 حول الأمر العسكري.

وبالاطلاع على بيان سلطة النقد، فإنها لم تذكر الطريقة التي سيتلقى بها المحررون والأسرى رواتبهم، وإن كان سيستمر صرف الرواتب من خلال البنوك كما أكد الناطق باسم الحكومة ملحم أو من خلال طرق أخرى، لكنها أكدت أنها تنسق مع الحكومة من أجل استمرار تلقي الأسرى والمحررين مستحقاتهم، وأن اللجنة المشكلة بقرار من رئيس الوزراء اشتية باشرت العمل على تحليل المخاطر التي تلحق بمستحقات ذوي الأسرى وانعكاسات الأمر العسكري على البنوك العاملة في الضفة الغربية.

ويشير المصدر الرسمي المطلع على مناقشات اللجنة إلى أن الأمور قد تتجه إلى إغلاق حسابات الأسرى في البنوك بالفعل، إذ إن الحوارات بين البنوك والحكومة وسلطة النقد وهيئة الأسرى لم تثمر حتى الآن عن شيء.

لكن ردة فعل الشارع ضد البنوك، هي التي دفعت السلطة إلى تشكيل لجنة، والبنوك إلى التراجع، بحسب قبها والمصدر الرسمي الذي وصف ردود أفعال البنوك بـ"التكتيكية وليس المبدئية" خوفا من اتساع دائرة استهدافها احتجاجا على إجراءاتها، عبر إلقاء الكرة في ملعب الحكومة لإيجاد حلول للقضية، ما يعني أنها استجابت للأمر العسكري الإسرائيلي.

ذات صلة

الصورة
تعرض الأسير للتعذيب في سجون الاحتلال (الأناضول)

مجتمع

أحضر جيش الاحتلال مجموعات من المدنيين الإسرائيليين ليشاهدوا ويصوروا بهواتفهم جرائم التعذيب التي تمارس ضد المعتقلين الفلسطينيين، وفق ما كشف المرصد الأورومتوسطي
الصورة
سجن الدامون الإسرائيلي(فيسبوك)

مجتمع

أكدت هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية، اليوم الاثنين، أن إدارة سجن الدامون حولت ماء الشرب كوسيلة عقابية بحق الأسيرات الفلسطينيات، من خلال تعمد تلويثه.
الصورة

سياسة

شارك المئات من المتظاهرين العرب واليهود، في تظاهرة، ظهر اليوم السبت، في ساحة الحناطير بمدينة حيفا، مطالبين بوقف الحرب، وسفك الدماء وتحرير الأسرى
الصورة

سياسة

مروان البرغوثي، القيادي في حركة فتح والأسير في سجون الاحتلال الإسرائيلي، جرى نقله من سجن عوفر وعزله منذ نحو أسبوع مع رفض سلطات الاحتلال الإفصاح عن مكان وجوده.