أزمة بين ماكرون والجيش الفرنسي تنذر بإقالة رئيس الأركان

ماكرون يواجه أول تحدّياته الرئاسية: أزمة مع الجيش تنذر بإقالة رئيس الأركان

17 يوليو 2017
يحظى رئيس الأركان باحترام كبير من الجمهور الفرنسي(فرانس برس)
+ الخط -
بدأ الرئيس الفرنسي الجديد، إيمانويل ماكرون، يدرك صعوبة اتخاذ القرارات، وخاصة مع مؤسسة الجيش الفرنسي، التي تحظى بالتفاف شعبي واسع، بسبب دورها في مناطق عديدة من العالَم، وأيضًا بسبب دورها في الداخل الفرنسي، إلى جانب مؤسسة الشرطة، في مرحلة ما بعد الاعتداءات الإرهابية التي ضربت فرنسا.

وبات مصير رئيس أركان الجيش الفرنسي، بيير دي فيليي، الذي كان إلى جانب الرئيس الفرنسي في الاستعراض العسكري بمناسبة العيد الوطني الفرنسي، حيث حلّت الولايات المتحدة الأميركية ضيفة شرف، معلّقًا في المؤسسة إلى حين، فيما تؤكد مصادر صحافية متعددة أن استقالته لا مفر منها.

وبدأت المشكلة حين أكد وزير الحسابات العمومية، جيرالد دارمانان، أن التضامن بين الوزارات غير قادر على تحمل أعباء إضافية بسبب عمليات خارجية، وبالتالي من المفروض على وزارة الدفاع أن توفّر 850 مليون يورو على حساب تجهيزاتها، إضافة إلى تجميد العديد من القروض.



وهذه القرارات، التي رآها رئيس أركان الجيوش الفرنسية مجحفة لوزارته، دفعته للاحتجاج، يوم 12 يوليو/تموز، في مجلس الدفاع، أمام الرئيس ماكرون، قبل أن يلتحق بالجمعية الوطنية، أمام لجنة الدفاع، في جلسة مغلقة، حيث تسرّبت عنه تصريحات غاضبة وخادشة: "لن أتركهم (أي وزراء الحكومة) يعاملونني بهذه الطريقة"، وهو ما قابله النواب بتصفيق وموافقة، ما يعني أنه قد تحقق نوع من التوافق بين البرلمانيين والمسؤولين عن صناعة الأسلحة، وبين المؤسسة العسكرية.


ولكن هذا التسريب أغضب الرئيس الفرنسي، فصرّح في اليوم التالي: "أعتبر أنه من العيب نشر بعض النقاشات في الساحة العمومية"، مضيفًا: "أنا القائد"، مطمئنًا الجميع بأنه سيطبق التزاماته الانتخابية، ومتوعّداً بالقول: "لست في حاجة لأية ضغوط، ولا لأي تعليق".

وفي 14 يوليو/تموز، وجّه الجنرال دي فيليي، كما هي العادة في مثل هذا اليوم، رسالة عن طريق موقع "فيسبوك" إلى جنوده، عن موضوع الثقة، وكانت خاتمتها بمثابة لغز، لجهة أنه احتفظ لنفسه بموضوع الرسالة القادمة. كما كشف الجنرال لطاقمه عن قرار قد يتخذه في بداية الأسبوع، والذي قد يكون قرارًا بالاستقالة.

وفي 15 يوليو/تموز، وفي لقاء مع صحيفة "لوجورنال دي ديمانش"، كان الرئيس الفرنسي واضحًا وصارمًا، وهو يقول: "حين يتعارض رئيس الأركان مع رئيس الجمهورية، يتغير رئيس الأركان"، وهو ما قرأ فيه البعض رغبة من ماكرون في التخلص من رئيس جيوشه "المزعج".

غير أن ماكرون بدا يوم الاحتفال باليوم الوطني غير مرتاح لخرجات قادة عسكريين، إذ اعتبر أنه لا يليق بالعسكريين إثارة قضايا سياسية، وخاطبهم: "أنا رئيسكم"، وفق "لوموند".

ومن المعروف أن الرئيس إيمانويل ماكرون لم يتوقف عن مغازلة الجيش والمؤسسة العسكرية منذ تولّيه الرئاسة، فقد كان أول سفر له خارج فرنسا، بعد انتخابه، إلى دولة مالي، للتعبير عن وقوفه وتضامنه مع جنوده في حروبهم الخارجية، وهناك قال لهم: "سوف أحمي المؤسسة العسكرية (...) إن ثقتي فيكم مطلقة".

ولكن هذه الثقة الكليّة، لم يعد كثير من العسكريين يثقون فيها، بسبب الحد من الميزانية والانتقاص من كثير من النفقات، التي عارضها حتى بعض نواب الأغلبية الرئاسية، وآخرون من حزب ماكرون نفسه؛ "الجمهورية إلى الأمام"، وهو ما دفع نائبًا في المعارضة للقول: "إن الرئيس ماكرون من خلال ظهوره عدة مرات مع جنوده؛ يمنح الانطباع بأنه يستخدمُ جنوده لبناء صورته، وللجنود، في المقابل، انطباع بأنه غُرّر بهم".

وقبل أن يعرف مصير رئيس الأركان الفرنسي، لا يخفي مراقبون مطلعون على المؤسسة العسكرية حقيقة أن ولاية ماكرون انطلقت مع اندلاع أزمة كبرى حقيقية.

وإذا كان واجب العسكر في بلد ديمقراطي كفرنسا أن "يمتثلوا (لأوامر القيادة السياسية)، وواجب رئيس الجمهورية أن يُذكّر بسلطته"، فإن الجنرال بيير دي فيليي "لم يفعل سوى واجبه من خلال الدفاع عن ميزانية الجيوش، ولن يكتشف ماكرون حقيقة الأمر إلاّ حين سيكون في ساحة ليزانفاليد لتأبين أول جندي قتيل في ولايته بسبب عيب في التجهيزات العسكرية، وإليه ستتوجه الانتقادات"، كما يقول هنري بينتيجات، وهو رئيس سابق للأركان في عهد الرئيس جاك شيراك، ولا يزال يحظى بتقدير كبير.