أزمة اللاجئين والمهجّرين

أزمة اللاجئين والمهجّرين

05 يوليو 2018
لاجئة لدى وصولها إلى ميناء موتريل الإسباني أمس (Getty)
+ الخط -

يبقى السؤال الكبير الذي لا يتصدّى له أحدٌ حيال ما نسمعه من قصص يومية، وأخبار دورية، عن هجرة الناس الطوعية والقسرية، وعن المتاجرة بالبشر رقيقاً أبيض، وتهريب الأعضاء، وتجنيد الأطفال، وغيرها من قضايا... يبقى السؤال: لماذا تزداد هذه القضايا عدداً وتعداداً وحدّةً في عالم يسعى إلى تبني أخلاقيات ومبادئ للحد من كل هذه الظواهر المُخِلّة بسلامة الإنسان وكرامته؟

في ضوء فشل مرشح إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للفوز بمنصب المدير العام لمنظمة الهجرة الدولية، وتفضيل المرشح البرتغالي، بدا واضحاً الاستياء الدولي العميق من سياسة الهجرة التي تتبعها الإدارة، خصوصا الإجراءات التي اتخذتها لفصل أبناء المهاجرين غير الشرعيين عن آبائهم، ولتبنّي محكمة العدل العليا الأميركية حكماً بالأغلبية، يوافق على القرار التنفيذي الذي اتخذه الرئيس ترامب بإيقاف منح تأشيرات دخول للولايات المتحدة لمواطني سبع دول، خمس منها إسلامية.

وحيث أن الولايات المتحدة توفر أكثر من ثلث موازنة هذه المنظمة، فإن احتمال انسحابها منها، كما فعلت في حالة مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة انتصاراً لإسرائيل، ممكن ووارد، ما يعني فرض ضغوط مالية على منظمة الهجرة.
وللتذكير، أوقفت إدارة الرئيس ترامب أيضاً مساعداتها السنوية، البالغة 65 مليون دولار، لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين (أونروا)، ما يشل من قدرتها على التصدّي لمهامها الأساسية.
وفي وقتٍ ترتفع فيه الأصوات الإنسانية ومنظماتها المحلية والإقليمية والدولية، لدعم المهجرين واللاجئين، إلا أن تجاوب الحكومات، وتغير المزاج السياسي داخل الدول المستقبلة للمهاجرين واللاجئين، يجعل الحلول أصعب.

ومهما فكرت لتجد قضية أكثر جدلاً وعمقاً وردة فعل مثل موضوع الهجرة، فإنك لن تجد قضيةً مثل اللجوء والهجرة وموجات البشر المتحرّك تحت أقصى الظروف وأكثرها خطورة.

القوارب المطاطية (الدنجي) أو القوارب الخشبية المنهارة التي تحمل آلاف المغامرين بحياتهم عبر البحر الأبيض المتوسط من سواحل أفريقيا إلى أوروبا صارت أكبر قضية تواجهها القمم الأوروبية.

وعندما يعتقد العالم أن هذه القضية قاربت على الحل بين الزعماء الأوروبيين، إلا أن المسؤولين التنفيذيين يختلفون فيما بينهم بشأن تفسير بنود الاتفاق بين الزعماء، كما هو حاصل الآن في الحرب الكلامية التي تدور رحاها بين الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الإيطالي، جوزيبي كونتي. وقد وصلت هذه القضية من التنافر إلى ما انعكس على خريطة الأحزاب ونتائج الانتخابات وشكل التآلفات التي تحكم في دول مثل ألمانيا وإسبانيا وبولندا وإيطاليا وهولندا وبلجيكا.
والآن، تنفجر أزمة اللاجئين السوريين على الحدود الأردنية، عندما بدأت القوات النظامية في ضرب معاقل المعارضة في جنوب غرب البلاد مستهدفة درعا وما حولها.

ويقال إن عدد اللاجئين السوريين المتجمعين عند الحدود الأردنية قد فاق المائة ألف شخص، وهذا العدد ما يزال مرشّحاً للزيادة بنسب عالية، نتيجة استمرار الضربات الجوية والبرية على مناطقهم. وقد رفض الأردن والعراق فتح حدوديهما أمام المهاجرين. وأكد الأردن، عبر مختلف الوزراء، أنه استوعب أقصى حد يمكن استيعابه، ولم تعد لديه القدرة على تحمل المزيد، وقد أبدى تعاطفه الإنساني بإرسال قوافل من المساعدات، على شكل شاحنات عسكرية إلى اللاجئين السوريين.

ونرى أيضاً أن مشكلات اللاجئين، الروهينغا، القادمين من ميانمار إلى بنغلادش لم تحل، وكذلك مشكلة اللاجئين في شرق أفريقيا، خصوصا من الصومال إلى كينيا وإثيوبيا.
والأهم من ذلك أن مشكلة ملايين المهجرين داخل أوطانهم بفعل الحروب والفقر في دول كثيرة في الشرق الأوسط، وأفريقيا وآسيا، باقية من غير حل يذكر.

وفي ظل فقدان هؤلاء جميعاً كرامتهم، فإنهم صاروا عرضةً لتجارة المخدرات، والأعضاء، والتجنيد كمرتزقة، والرقيق الأبيض، واستغلال الأطفال في الحروب والأعمال الشاقة. وتتضافر كل هذه الظواهر لتثير السؤال: لماذا كل هذه الهجرات وهذه الأعداد المتزايدة من اللاجئين؟
أولاً، هنالك استهداف واضح للعرب والمسلمين، حيث أن غالبية اللاجئين والمهجرين في العالم مسلمون أو عرب (80%) تقريباً، وأن استهدافهم في المجتمعات التي يشكلون فيها أقليةً واضحةً في دول كثيرة، بعضها يظهر على الإعلام ووسائله، وكثير منه لا يذكر. وهذا أمر يجب على منظمة التعاون الإسلامي أن تتصدّى له، على الرغم من أنه أمر بعيد الاحتمال في الوقت الحاضر.

وثانيها هنالك خوف من الإسلام (أو الإسلاموفوبيا)، حيث وُصم مسلمون كثيرون بالإرهاب، والجريمة، وسوء معاملة المرأة، وسوء التصرف بالأموال، وغيرها من التهم، ما قلل من قيمتهم، وجعلهم هدفاً سهلاً للكراهية والإحباط.

وثالثها أن عدد سكان العالم وصل إلى حدود باتت تضيق فيها موارد الأرض وإمكاناتها عن تلبية الحاجات الأساسية بدون كلفة بيئية ومناخية عالية، ستجعل توزيع الموارد الأساسية، كالماء والغذاء والهواء بين مختلف الدول والمناطق منحرفاً بشكل كبير. وإذا صدقت تنبؤات المناخ، فإن دولاً كثيرة باتت مهدّدة بالغرق، ما سيؤدي إلى هجرات جماعية كبرى.

ورابعها أن توزيع الثروة والدخل في العالم، وأنانية الدول الغنية والحفاظ على مراكزها، تجعل الحياة الكريمة في دول نامية كثيرة شبه مستحيلة، ما يدفع هؤلاء إلى الهروب بحثاً من حياة أفضل؟

لن تنتهي أزمة الهجرة واللجوء في العالم قريباً، وإن لم يتصد العالم لها بكل جدية، فسوف تؤدي إلى مزيد من الحروب والدمار وتبديد الموارد، بدلاً من خدمة الإنسان وكرامته، وستؤدي إلى ظلمه واستغلاله، وحتى قتله.

المساهمون