أزمة "الإخوان" هل هي صراع أجيال؟

أزمة "الإخوان" هل هي صراع أجيال؟

25 ديسمبر 2015

جماعة الإخوان المسلمين ليست ملكا لأفرادها

+ الخط -
تمنيت ألا أكتب عن الصراع الدائر داخل جماعة كبيرة بثقل الإخوان المسلمين، لما تمثله من رمانة الميزان في مقاومة الانقلاب العسكري في مصر، ما يجعل من مصلحة الثورة التئام الجرح الذي لم يكن خافياً، وإن كان يتوارى عبر عدم التصعيد الإعلامي الذي لم يصمد كثيراً، فظهر جلياً بداية من ظهور الأمين العام للجماعة، محمود حسين، في لقاء إعلاميٍ سبقته حملة تشويه للرجل وتاريخه، وتم الحكم على فشل اللقاء، قبل أن يتم.
وحقيقة الصراع، من واقع البيانات والبيانات المضادة، لا تكمن في آلية مقاومة الانقلاب كما يريد أن يصور بعضهم، ولا تعبّر عن الفشل في إدارة المرحلة التي أعقبت الانقلاب العسكري، لأن كلا الطرفين يحمل المضمون الإعلامي السلمي الثوري المستمر نفسه، والذي يؤكد على أنه لا تفاوض مع القاتل، ولا تفريط في حق الدماء، ثم إن إدارة المرحلة التي سبقت الانقلاب وتلته اشترك فيها الطرفان، أحدهما، وهم ما يود أحد الأطراف أن يطلق عليهم الشيوخ، من خلال إدارة الجماعة، والآخرين من خلال عملهم مستشارين للرئيس ووزراء في عهد الرئيس محمد مرسي، بل إن أحد هؤلاء الوزراء قال إنه كان يحمل بيانات المجلس العسكري وتصريحات عبد الفتاح السيسي على محمل النية الحسنة. وكانت تكفي هذه العبارة لاعتزال العمل السياسي، أو على الأقل، الإداري في إدارة الأزمة، لكن هذا لم يحدث، كما أن كلا الطرفين شارك في إدارة العمل بعد الانقلاب، بل إن الذين يُنتقدون في شيوخ الجماعة أداروا المرحلة وفق بياناتهم، منذ فبراير/ شباط 2014، ما يعني تحمّلهم بالعبء الأكبر من الفشل، إن كان هناك فشل، كما أن صراع الأجيال ليس حقيقياً، لأن الشباب لا يمثل القيادة في كلا الطرفين، لكن الشباب هو من يقدم التضحيات في كل ميادين مصر.
إذا ما دام كلاهما يحمل وزر الفشل المزعوم، ويتبنى النهج الثوري نفسه، فلماذا هذه الزوبعة؟ يعتقد الكاتب أن هذه المشكلة ترتبط كثيراً بامتلاك أحد الطرفين الإعلام، ما جعله يشعر أنه يمتلك قرار الجماعة، ويستطيع منفرداً تصويب مسارها، وأن شيوخ الجماعة وإداراتها المنتخبة ستعجز عن مواجهة الواقع، بسبب الزمان والمكان الذي توجد فيه أيضاً. فقد سيطرت مجموعة الشباب، إن صح التعبير (ولا أظنه كذلك)، على الموقع الرسمي للجماعة، وعلى القناة
الفضائية المملوكة للجماعة (مصر الآن)، وعلى المتحدث الرسمي الذي تمت إقالته، طوال الفترة الماضية، ومع امتلاكهم كل هذه الأدوات، بالإضافة إلى وجود برامج داعمة لهم في قنوات أخرى، مثل (مع زوبع) في قناة (مكملين)، ووجودهم ضيوفاً دائمين في الإعلام. ومع امتلاكهم كل ما سبق، لم يستطيعوا أن يتقبّلوا خروج أحد شيوخ الجماعة ساعة واحدة في قناة الجزيرة، وثاروا عندما اتخذت إدارة الجماعة، بموافقة رئيس اللجنة الإدارية العليا في الداخل، والتي ينتمون إليها، قراراً بتغيير المتحدث الرسمي، وسارعوا بردود أفعال تصعيدية وغير محسوبة، أظهرت الانقسام وأجّجته. وكما أن امتلاك الإعلام كان سبباً، فقد كان هناك سبب رئيسي، يكمن في لجنة الأزمة في الخارج، والتي رفضت الانصياع لإدارة الخارج، ما حدا ببعض أفراد إدارة الداخل لإصدار بيان باسم الجماعة، وفي موقعها الرسمي، يدافع عن عمرو درّاج (أحد أفراد إدارة الأزمة في الخارج)، في صلب البيان، بدلاً من التركيز على كسر الانقلاب، وكان ذلك تأكيداً على بؤرة الأزمة.
لم تكن إقالة المتحدث الإعلامي للجماعة منشأً للأزمة، بل كاشفاً عن مكنوناتها، والتي بدأت في الخارج، وتحديداً في لجنة إدارة الأزمة، وتم نقلها سريعاً إلى الداخل، ولن يتم الحل سوى بشفافية كاملة، وحل لجنة إدارة الأزمة التي تضخمت بفعل الإعلام، وأصبحت تشعر بأنها أقوى من إدارة الجماعة، ما يعيق العمل، ويشغل الرأي العام عن المعركة الرئيسية لإسقاط الانقلاب. ولعل قرار استقالة أربعة أعضاء من تلك اللجنة، وفق البيان المنشور في موقع "علامات أون لاين"، يكون مؤشراً إيجابياً لفعل ذلك.
وفي ظل الأزمة، ظهرت أصوات عاقلة تطالب الجميع بالصمت، وعدم الخروج للإعلام، وحل المشكلة داخلياً، لكن تلك الأصوات لم تجد من يسمعها، في ظل وجود شباب متحمس، مثل منتصر الذي شعر بأنه يدير الجماعة، ولا يمكن أن يترك هذه اللحظة الفاصلة للإصلاح من وجهة نظره. ولم يعلم هؤلاء المتحمسون أنهم يستعجلون الثمرة قبل أوانها، وإن أي انتخابات مقبلة بالتأكيد كانت ستغيّر كثيرين من قيادات الجماعة، سواء الشيوخ أو مستشاري الرئيس، والذين يديرون الأزمة في الخارج، ولعلهم صلب هذه المشكلة، كما يظن الكاتب.
على العقلاء في جماعة "الإخوان" وخارجها، أن يسارعوا بالتدخل للحل، وأن يصارحوا الجميع بحقيقة المشكلة، حتى يتفرغ الجميع للموجة الثورية الجديدة، فجماعة الإخوان ليست ملكاً لأفرادها، بل هي أمل الأمة المقاوم، ولو سقطت لاستقر الانقلاب، وثبتت أعمدته. وعلى من يمتلك أدوات للمقاومة أن يتوقف عن تسخيرها من أجل أهداف ضيقة، مثل استغلال مقدرات الجماعة، سواء الإعلامية أو التربوية، لترويج فصيل دون الآخر، فهذه الإمكانات أعدت لتقوية الصف المقاوم، لا تفريقه وشرذمته، فهل يستجيب العقلاء؟