Skip to main content
أزمات وأسماء
عصام سحمراني
وسائل الإلهاء عديدة (عامر غزال/ Getty)

يومياً وعلى مدار الساعة، ينتظر المواطنون أخباراً تصل إليهم عبر منافذ مختلفة. الأحداث كثيرة وعديدة تنقسم بانقسام أبواب جريدة على سبيل المثال. لكنّ تلك الأخبار تحمل أيضاً تكراراً غريباً في أسماء الأشخاص والأماكن والملفات والقضايا. كأنّه إدمان لدى المتلقين لها. كأنّها لا تشبع من الظهور، ولا يمكن إشباعها تحليلاً ومديحاً وذماً.

هكذا تشهد منذ ثلاثين عاماً مثلاً على قضية الكهرباء في لبنان. تلك التي يشهد عليها غيرك منذ سبعين عاماً. هنا تتغير الأسماء وترتبط بمدير عام ووزير ومتدخلين، لكنّ الأزمة هي هي؛ التقنين، والإدارة العامة، والخصخصة، والمولدات الخاصة، والاشتراكات في المولدات الخاصة الأكبر، وزعامات الأحياء على أساس تلك المولدات، والجباة وإضراباتهم المطالبة بتسجيلهم كموظفين دائمين، والجباة واحتجاجاتهم على تعرضهم للضرب في الحيّ الفلاني، والمخالفات والتعديات على الشبكة، وخطوط التوتر العالي وما عليها من لوم في تزايد الأمراض، والاحتجاجات على خطوط التوتر العالي، وعدم السماح للمتضررين بالاحتجاج لأنّهم غير متضررين في عرف من يمنعهم. والفساد الذي يجعل موظفين ومديرين ووزراء ملوكاً وأباطرة.

الأسماء في لبنان أكثر تشبثاً بالساحة الإعلامية وقفزاً على الألسنة من القضايا بكلّ مشاكلها وأزماتها. الأخطر أنّ الأسماء تلك، وهي لرؤساء ووزراء ونواب وزعماء وحزبيين، تعقد علاقة جدلية مع القضايا، لكنّها علاقة غريبة، إذ إنّ نسبة كبيرة من المواطنين متأكدة أنّ تلك الأسماء، جماعياً أو فردياً، وبحسب الحالة، مسؤولة بشكل مباشر عن أزمة ما، أو تدهور ما، لكنّ الأسماء قادرة على الصمود في وجه أيّ اتهام وقادرة على الاستمرار في ما تفعل من دون أيّ رادع لها. في النهاية هي لها مؤيدوها الذين يفتدونها بالروح والدم، ويحلفون بها، لكنّها تحتقر حتى أولئك المؤيدين في استمرارها في مناصبها من يوم الوراثة الأول عن الأب والجدّ - غالباً، لكنّ بعض الحالات فريدة حتى في هذا الشأن - إلى حين الوفاة وتوريث الابن والحفيد. وهو احتقار يرتبط باستعدادها للتحالف مع من يعتبره المؤيدون عدواً، وذلك في لحظات حاسمة تحافظ على سلطة الطرفين، فيحتفل المؤيدون من الجهتين هذه المرة بـ"الزعيمين التاريخيين الخالدين" اللذين حميا الأمة ورفعا شأنها... ودائماً بانتظار خلاف بينهما وتحالف مع طرف ثالث. 



بين الأزمات والأسماء يعيش المواطنون اللبنانيون، وبينما يتأقلم كثيرون مع الأمر ويعتبرونه عادياً جداً وطبيعياً، بل ينظّرون في ذلك، فإنّ البقية الباقية لا مكان لها هنا أساساً، وإن أصرّت على البقاء.