أزمات السلطة الفلسطينية المستمرة

أزمات السلطة الفلسطينية المستمرة

25 اغسطس 2019
بدت السلطة الفلسطينية أكثر عزلة مما سبق(حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -
دون أفق تتوالى الأزمات التي تعصف بالسلطة الفلسطينية وتتدرج من انغلاق مسار المفاوضات مع إسرائيل التي لم يعد السلام مدخلها للعمق العربي بعدما بات التطبيع مفتوحاً على مصراعيه ولم تعد القضية الفلسطينية شرطا أو مدخلا ضروريا له، إلى القطيعة مع واشنطن وتغول الرئيس الأميركي دونالد ترامب واقترابه حد التماهي مع نتنياهو على حساب الحد الأدنى مما يقتضيه حفظ ماء وجه السلطة الفلسطينية التي باتت عطفاً على ما سبق في عمق عاصفة سياسية ومالية تهدد بقاءها.

واقع السلطة يؤكده رئيس الوزراء محمد اشتيه، في اعترافه بأن السلطة الفلسطينية تواجه خطر الانهيار، وتحذيره من احتمال إفلاسها مالياً في غضون شهرين أو ثلاثة. لم يوجه اشتيه حديثه هنا إلى الجمهور الفلسطيني، لكنه كان يتحدث لجريدة نيويورك تايمز الأميركية، ملوحاً بأن السلطة ستبدأ في تسريح عناصر من الأجهزة الأمنية إذا استمرت الأزمة المالية الراهنة. والتي اضطرت معها الحكومة الفلسطينية إلى الاقتراض من البنوك المحلية لمواصلة صرف رواتب الموظفين العموميين بنسبة 60 في المائة يتوقع أن يتدنى الشهور القادمة لتصبح 30% من قيمة الراتب.

أزمات السلطة وسيناريوهات مستقبلها أفضت وفق تقديرات أمنية وسياسية محلية وعربية وإسرائيلية إلى شعور الرئيس محمود عباس (83 عاماً) نتيجة الوضع الحالي بالإحباط، فلجأ إلى الاعتكاف في المقاطعة برام الله ثم استدار لإقالة مستشاريه، في المقابل تتحرك حركة حماس خصمه اللدود بأريحية في قطاع غزة، وقد باتت المصالحة في خبر كان.

لا تحيا السلطة على واقع أزمة مالية فقط، أو على وقع استدارة عربية وتنكر أميركي، لكن الأزمات تتدرج بفعل الممارسات الإسرائيلية أيضا، والتي تتوغل في الضفة وتهدم البيوت وتعتقل المواطنين وتلتهم الأرض وتتربص بضم الضفة وحسم مسألة الأقصى زمانياً ومكانياً، وتبني المستوطنات وتشق الطرق وتبني الجدار وتسرق المياه وتخصم الضرائب، الأمر الذي ألحق بالسلطة أضراراً بالغة في قدرتها على الاستمرار سلطةً فلسطينيةً وطنيةً يقتنع الناس بروايتها ووظيفتها.

لا أفق أمام السلطة، وهذا تحدٍ آخر، حتى الأزمة المالية لا تملك السلطة موارد مالية ذاتية لحلها، وهي التي منذ نشأتها قبل ربع قرن تعتاش على المساعدات الدولية التي باتت بعد وصول ترامب للبيت الأبيض شحيحة، ولا يبدو أنها ستتغير إلى الأفضل في لاحق الأيام. وأي تغير في الوضع المالي للسلطة وإنهاء أزمتها المالية سيكون مقابله دفع ثمن سياسي ووصول السلطة أو قبولها بذلك أو اشتراكها في مجريات صفقة القرن سيفضي ظاهره لحل الأزمة المالية، لكنها لن تنجو من أزمة سياسية واجتماعية، خاصة في ظل حالة الانقسام الحاصلة، وهو ما يعني بيع القضية الفلسطينية لتحسين الحالة المعيشية.

هذا السيناريو رفضته السلطة الفلسطينية عندما تقدمت بعض الدول العربية للرئيس عباس بخطة صاغتها الأردن والسعودية لحل الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها السلطة، حيث تقوم هذه الدول بتعويض السلطة، عن المبلغ الذي تقتطعه إسرائيل مقابل رواتب الأسرى وعائلاتهم. ودعمت فيها الأردن فكرة إنشاء لجنة إسرائيلية فلسطينية مشتركة للتوصل إلى حل متفق عليه بشأن حجم الديون المترتبة على السلطة. وهو ما يعني إقرارا عربيا بما تفعله إسرائيل من اقتطاع لأموال السلطة وتعني أن الأموال التي تصرف لعائلات الشهداء والأسرى تصرف لإرهابيين.

إن واحدة من أسباب الأزمات التي تمر بها السلطة هو نتيجة خذلان عربي رسمي لم يستجب حتى الآن لمطلب توفير شبكة أمان مالية للسلطة كبديل عن تراجع المساعدات الدولية، خاصة توقف المساعدات الأميركية. ولم يقترب العرب من السلطة لدعمها سياسياً على الأقل بعدما ذهب الجميع لورشة البحرين من دون حضور فلسطيني. وما بين الذاتي والموضوعي يبقى مستقبل السلطة مرهوناً بمجموعة متغيرات تدفع كلها باتجاه أنه لا أفق في المنظور القريب وأنّ ما بعد الرئيس عباس لن يكون كما قبله أو كما كان المشهد وواقع السلطة معه.