أخطاء كيري

أخطاء كيري

11 ابريل 2014

كيري .. لم يفعل شيئا لوقف الاستيطان الإسرائيلي (أرشيفية)

+ الخط -

مشكلة أميركا الكبيرة مع العرب والفلسطينيين أنها حين لا تستطيع، أو لا تريد فِعل شيء وعدتْ به، ويتعلق الأمر، هنا ببناء الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة (وإن كانت منزوعة السلاح!) إلى جانب الكيان الإسرائيلي، تُعلّق المسؤولية على الطرفَيْن، وأحياناً، تذهب التهديدات والضغوط على الطَرَف الفلسطيني الضعيف.
هذه الحقيقة جرّبها الفلسطينيون، بمرارة، مع كلّ الإدارات الأميركية المتعاقبة، خصوصاً مع التي كانت تُشتَمُّ منها رائحة تفهم الموقف الفلسطيني، ومأساة الشعب المظلوم منذ نحو سبعين سنة. فكانت أقسى التنازلات تُطلَب من الفلسطينيين، ما جعل الرئيسَ الراحل ياسر عرفات، مرّة، يسألُ الرئيس بيل كلينتون، بجدية، إن كان "يريد حُضورَ جنازته، فعلا!". 
والذين تفاءلوا بوُعود باراك أوباما (وهو القادم من أُصول سوداء عانت من التمييز والإقصاء ما عانت!) يكتشفون، اليوم، أنَّ لا شيء تغيّر في السياسة الأميركية، وأن على الفلسطينيين أن ينتظروا حتى لا يبقى، في النهاية، شيءٌ ليُتفاوَض حوله. وأصبح فشل التفاوض مع إسرائيل في هذه الفترة يحمل عنواناً عريضاً، هو أخطاء وزير الخارجية جون كيري.
المسألة ليست مسألة أبٍ مع ابنيه، ويحاول إقناع أحدهما بالتنازل للآخر. إنها مسـألة شعب مظلوم يريد دولته، ويتوق للعودة من الشتات والمنافي والملاجئ، ليبني مصيره، ويعيش قَدَرَهُ، مثل كل شعوب العالم، لا أقل ولا أكثر.
ثمة غول الاستيطان السرطاني الرهيب، والذي لم يفعل كيري شيئاً لوقفه. ما يعني نسفَ حلِّ الدولتين وفق حدود 1967، كما أنه يمنح الكيان الإسرائيلي، كقوة احتلال، وضعيةَ من يفلت من العقاب والمحاسبة، دائماً.
يخطئ كيري، ثانية، حين يُقرر إبعاد الحلفاء الأوروبيين عن أي حل سياسي بين الطرفين. كان الأوروبيون، مانحو المساعدات السخية للفلسطينيين وللإسرائيليين، يُريدون تأدية دور العصا مع إسرائيل، من خلال استثناء بضائع ومنتجات مستوطنات الضفة الغربية من برنامج التعاون بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، وترك الجَزَرة للأميركيين، لكن استئثار كيري بالتفاوض المباشر مع القيادة الإسرائيلية، واستعانته بعضو فعال سابق في اللوبي الموالي لإسرائيل (أيباك)، وهو مارتن إنديك، والذي لا يقل انحيازاً عن المبعوث الأميركي السابق، دينيس روس، أصاب المساعي الأوروبية في مَقْتل.
 تعلق الفلسطينيون بالحق الدولي، وقدموا تنازلاتٍ، في ما يخص توقيع مجرد اتفاق - إطار، بسبب استحالة اتفاق سلام كامل، وهو أمل في أن يتضمن الاتفاق المرجعيات التاريخية لمسار السلام، وخصوصاً حدود سنة 1967 والقرار الأممي 242، لكن الإسرائيليين فرضوا على كيري، وهنا خطأه الثالث، أن يحصر نقاشاته حول نقطتين يرفضهما الفلسطينيون، هما الاعتراف بيهودية الدولة واحتفاظ إسرائيل بقوات في غور الأردن. وعلى الرغم من اعتراف كيري المتأخر بـ"خطأ" الارتكاز على هاتين النقطتين لم يفعل شيئاً.
الغريب أن ما تفعله أميركا في سياساتها مع دول أخرى من تحميل الطرف المفشل للمفاوضات المسؤولية لا تريد أن تفعله مع إسرائيل. وهكذا، لا يوجد تاريخ محدد للانتهاء من المفاوضات، ولا تحميل المسؤولية للطرف المُعيق... على الرغم من أن كيري، وهنا خطأه الرابع، كان في وسعه إشعار إسرائيل بأنه في حال مواصلة اعتراضاتها، فإن أميركا لن تمنع الفلسطينيين من الانتساب إلى وكالات الأمم المتحدة.
يُصرّح الإسرائيليون، باعتزاز، بأنه لا يوجد "تاريخ مقدس" في أي تفاوض، ما يعني أنهم يفرضون الأجندات، وهو ما يؤكد، من جديد، أن الإدارات الأميركية لا تزال عاجزة عن الضغط على إسرائيل، وتقوم بإقناع حلفائها العرب بالضغط على الجانب الفلسطيني.
ضاقت الدنيا بالفلسطينيين، ولا يعرفون إلى أين يتوجهون، ولا ما يتنازلون عنه! لم يتبق لهم سوى توسل اعتراف المنظمات الدولية، وإحصاء عدد اللاجئين، فهل سيتوقف العرب "الرسميون" عن الضغط على هذا الشعب وقيادته، واستثمار ما يمكن استثماره من علاقاتهم مع أميركا التي يُصرّحون بأنها حميمية ووثيقة؟

1260BCD6-2D38-492A-AE27-67D63C5FC081
بشير البكر
شاعر وكاتب سوري من أسرة العربي الجديد