أخطاء تحكيمية قاتلة!

أخطاء تحكيمية قاتلة!

22 يونيو 2020
+ الخط -
الكثير من الإضافات يمكن أن يُعاد تصنيفها ضمن إطار المستحيلات الثلاثة الخاصة بالأخطاء التحكيمية التي طالما تَحدثُ في إدارة المباريات الرياضية التي صارت تعيشها، وبكل أبعادها، ملاعب الكرة!

وإذا ما حاولنا أن نعرّف بالمستحيلات الثلاثة، وهي: الغول، العنقاء، والخلّ الوفي، فإنَّ المستحيل الرابع الذي يمكن أن نضيفه إلى سلسلتها، ولا يمكن بحال أن نغفل عنه في عالم الكرة، هو تحكيم بلا أخطاء، وخامسها هو تواجد أشخاص من عشّاق اللعبة يحاولون ضبط أنفسهم، وكبت انفعالاتهم وغيظهم حيال الأخطاء التي يرتكبها حكّام الفيفا الدوليون، الذين يقودون المباريات عالية الجودة، والتي لطالما بقراراتهم الخاطئة، قلبوا الموازين رأساً على عقب، وأهدوا الفريق الفائز نتيجة إيجابية لا يستحقها بغفلة من حكم المباراة، وهذا ما أثار الكثير من التساؤلات لجهة المدربين وإدارات الأندية.

ففي مباراة إياب الملحق الأوروبي المؤهل إلى مونديال 2010، استطاع منتخب جمهورية ايرلندا من إنهاء المباراة بالتقدم على نظيره الفرنسي بهدفٍ كان كفيلاً بمعادلة الكفة والذهاب بالمباراة إلى وقتين إضافيين، وفي الدقيقة 113 قام النجم الفرنسي تيري هنري بلمس الكرة مستخدماً يده اليسرى بشكلٍ واضح، قبل أن يرسل تمريرةً عرضية أسفرت عن هدف ثمين للديوك، وسط احتجاجاتٍ كبيرةٍ من لاعبي وجماهير أيرلندا، لم تجد آذاناً صاغية لدى الحكم السويدي مارتن هانسن، الذي حرم ايرلندا من بلوغ نهايات المونديال العالمي.

ولا ننسى أيضاً هدف لاعب ليفربول لويس غارسيا في مرمى تشيلسي، خلال إياب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا عام 2005 في ملعب الأنفيلد، حيث احتسب الحكم السلوفاكي لوبوس ميشيل هدف المباراة الوحيد، رغم أنه بدا واضحاً للجميع عدم تجاوز الكرة خط المرمى، لينجح ليفربول في إقصاء مواطنه تشيلسي والصعود إلى نهائي البطولة، بعد فوزه على ميلان الإيطالي وتتويجه بلقب "الشامبيونزليغ".


وخلال مباراة قمّة دور الـ16 في مونديال جنوب إفريقيا عام 2010، بين المنتخب الألماني والإنكليزي عندما أطلق اللاعب الإنكليزي فرانك لامبارد تسديدةً بعيدة، ارتطمت بالعارضة وسقطت داخل مرمى الحارس الألماني مانويل نوير، ليرفع لاعبو إنكلترا أيديهم محتفلين بإحراز التعادل، بعد أن كان الفريق الألماني متقدماً بهدفين لهدف، إلا أن الحكم الأورغوائي خورخي لاريونا رفض احتساب الهدف بدعوى عدم تجاوز الكرة خط المرمى، رغم أنها تجاوزته بأكثر من نصف متر، لتنتهي المباراة بفوز الألمان وخروج الإنكليز من المونديال.

وفي مباراة نصف نهائي مونديال إسبانيا 1982، التي جمعت بين المنتخب الألماني ونظيره الفرنسي الذي كان متقدماً بـ 3-1 انفرد اللاعب الفرنسي باتريك باتيستون بالحارس الألماني هارالد شوماخر، وهمّ بتسجيل هدفٍ رابعٍ لحسم الأمور تماماً، فإذا بالحارس الألماني يندفع من مرماه ويصدم المهاجم الفرنسي بعنفٍ شديد، أفقده الوعي وتحطمت أسنانه الأمامية، في واحد من أشد المشاهد عنفاً في تاريخ المستديرة، ورفض الحكم الهولندي تشارلز كورفر احتساب أي خطأ على الحارس الألماني، وسط صدمة اللاعبين الفرنسيين، التي استغلها الألمان خير استغلال، ليعودوا بالنتيجة ويفوزوا بركلات الترجيح، ويحرموا فرنسا من الصعود إلى أول نهائي عالمي في تاريخها.

كما شهد مونديال عام 2002 الذي استضافته اليابان وكوريا الجنوبية، صعود المنتخب
الكوري المضيف إلى الدور نصف النهائي للمرة الأولى في تاريخ المنتخبات الآسيوية، ولكن هذا الإنجاز الفريد شابته مهازل تحكيمية مشهودة سهلت من مهمة "الشمشون الكوري"، أبرزها ما حصل خلال مباراة دور الـ 16 التي جمعته بنظيره الإيطالي، حيث ألغى الحكم الإكوادوري ألديمار مورينو هدفاً إيطالياً مشروعاً أحرزه داميانو توماسي، قبل أن يقوم بطرد النجم الآزوري فرانشيسكو توتي دون وجه حق.

وتكررت المهازل خلال مباراة الدور ربع النهائي بين كوريا وإسبانيا، حيث ألغى الحكم المصري جمال الغندور هدفين شرعيين للإسبان سجلهما باراخا ومورينتس، كان أحدهما كفيلًا بإنهاء المباراة مباشرةً وفق قاعدة الهدف الذهبي التي كانت مطبقةً حينذاك، لتنتهي المباراة بالتعادل السلبي وفوز الكوريين بركلات الترجيح.

وفي ربع نهائي كأس العالم عام 1986 التي احتضنتها المكسيك، وجمعت المنتخبين الأرجنتيني والانكليزي وقادها الحكم التونسي علي بن ناصر، الذي لم يلحظ قبضة يد مارادونا اليسرى وهي ترتفع وتضرب الكرة نحو المرمى في الدقيقة 51 وسجل هدفاً أثار الكثير من الشكوك.. ويفخر بن ناصر بتحكيمه لتلك المباراة التي شهدت الهدف الثاني لمارادونا، وهو الهدف الذي يعتبره كثير من النقاد الرياضيين الأجمل في تاريخ كرة القدم، فقد استلم مارادونا الكرة من وسط الملعب ومضى يراوغ كل اللاعبين الانكليز الذين صادفهم في طريقه قبل أن يضع الكرة في الشباك بعد أن راوغ حارس المرمى الإنكليزي بيتر شيلتون، وليقود مارادونا بنجوميته المذهلة عبور الحاجز الإنكليزي الصعب، ومن ثم فوز الأرجنتين بلقب كأس العالم للمرة الثانية في تاريخها.

وقبل فترة، لاحظنا وبكل وضوح، الأخطاء التي وقع بها الحكم الألماني دينيز آيتكين الذي قاد مباراة برشلونة الاسباني مع سان جيرمان الفرنسي في إياب ثمن نهائي دوري أبطال أوروبا في ملعب الكامب نو، وبالتحديد في الثامن من مارس/ آذار 2017، ومنحت الأخطاء لمصلحة برشلونة دون انقطاع إلى تحقيق أصحاب الأرض لأكبر عودة في تاريخ "الشامبيونزليغ"، دوري أبطال أوربا، والفوز بستة أهداف مقابل هدف واحد، وخرج في حينها باريس سان جيرمان خاسراً ومظلوماً من أقوى البطولات.

وقبلها شرب الألمان من الكأس ذاتها، ولم يصدّق معها الكثيرون ما فعله الحكم الهنغاري فيكتور كاساي ومساعداه في مباراة ريال مدريد الاسباني وضيفه الألماني بايرن ميونيخ في إياب ربع نهائي الــ "شامبيونزليغ" التي أقيمت في ملعب سانتياغو بيرنابيو، في الثامن عشر من ابريل/نيسان 2017 وسط مدريد في اسبانيا، حيث توالت الأخطاء في الشوط الثاني والثالث والرابع لتهزّ أركان الضيوف وتمنح الريال فوزاً غير عادل وبـأربعة أهداف مقابل هدفين، وودع البايرن البطولة متحسّراً على العدالة الغائبة!

وفي حادثة أخرى شاهد كل من له عينان في ملعب "لا سيراميكا" اللاعب الكونغولي سيدريك باكمبو يسجل بيده هدفاً لـ فياريال في مرمى ضيوفهم ليغانيس في الدقيقة الثالثة من الوقت بدل الضائع ليخطف فوزاً مؤلماً ومشبوهاً 2 ـ 1، وبقي الحكم خايمي سانتياجو ومساعداه وزملاؤهم من بقية الطاقم وحدهم بلا أدنى رؤية لتلك المخالفة الفنية والأخلاقية.. وظل موقف ليغانيس خطيراً في سعيه للهروب من الهبوط.

وألغى حكم مباراة البرتغال والمكسيك في بطولة كأس القارات التي جرت نهائياتها في روسيا في عام 2017 هدفاً من مشارف المنطقة سدده بيسراه اللاعب البرتغالي بيبي من كرة ارتطمت بالعارضة لترتد فتابعها داخل الشباك لكن الحكم قرّر عدم احتسابه الهدف بداعي التسلل!.

وشهدت مباراة الإياب للدور النهائي لمسابقة دوري أبطال أفريقيا بين الترجي التونسي والوداد البيضاوي المغربي التي أقيمت في عام 2019 ما وصف بـ"المهزلة".

المباراة أقيمت على أرض نادي الترجي في الملعب الأولمبي في رادس بتونس حيث توقفت لنحو ساعة ونصف بسبب احتجاجات فريق الوداد بعد استحالة اللجوء إلى تقنية التحكيم بالفيديو "فار" بعد رفض هدف سجله في مرمى مضيفه، قبل أن ينسحب لاعبوه من أرض الملعب، ويطلق الحكم الغامبي باكاري غاساما صافرته معلناً تتويج الترجي بلقبه الثاني توالياً. وكان الفريق التونسي متقدماً 1- 0 في المباراة عند توقفها، علماً بأن مباراة الذهاب في الرباط انتهت 1-1 وكان فيها التحكيم محور جدل أيضاً.

كما شهدت الملاعب المصرية في إطار الدوري العام مسرحاً لركلة جزاء غير محتسبة "للزمالك" ضد "مصر المقاصة" من لمسة يد لا يمكن أن تمر دون أن يلحظها الجميع، ولكن الأقدار ساقت العَمى المؤقت إلى عيون الحكم الدولي جهاد جريشة ومساعديه ليغفلوا تلك الواقعة ويتجاهلوا احتساب الركلة، وتنتهي المباراة بخسارة غير عادلة للزمالك، وبهدف يتيم، وقامت بعدها الدنيا ولم تقعد في مصر!

وهناك أخطاء استفادت وتضررت منها الأندية بلا استثناء، ويحتفظ جمهور كل نادٍ بقائمة طويلة لجهة الأخطاء التحكيمية التي دفعت ثمنها أنديتهم وخسروا بسببها الكثير، بينما تملك جماهير الأندية المنافسة قائمة أخرى بكل الأخطاء التحكيمية التي استفاد منها هذا النادي أو ذاك في المقابل.

أخطاء ربما يكون سببها الإرهاق، أو ضغوط وتوتر وانفعال وعدم تركيز، أو ضعف لياقة نفسية وبدنية، أو عدم تعاون وتناغم بين الطاقم التحكيمي في الملعب.

النماذج كثيرة ولا يمكن إحصاؤها، وهناك الآلاف من الأخطاء في كل مكان تمارس فيه كرة القدم.

فهل من علاج ناجع لتلك الأخطاء التي تحولت إلى وباء وشر مستطير أصاب عشاق الكرة في الصميم؟

دلالات

6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.