أحزاب وبودرة عديمة الفائدة

أحزاب وبودرة عديمة الفائدة

11 مارس 2019
لماذا على الأشياء أن تكون عظيمة الفائدة؟ (العربي الجديد)
+ الخط -
دخلت إلى مطعم هندي في الدوحة لتناول إفطار "دوسا مسالا". وكان يمكن أن أمضي في الحديث عن مميزات المطبخ الهندي، أو طريقة إعداد هذه الوجبة الشعبية في خُبزتها الرقيقة، وحشوتها الغنية، والصلصات التي تحيط بها، وتتراوح بين الحار والأحرّ.

لكنّ في ذلك الصباح شأناً آخر.

فحين هممتُ بدفع الحساب، لمحتُ رفاً وقوراً، تُعرض عليه علب بهار، وعلب لمسحوق "Idli podi"، بالهندية أو "Idli powder" بالإنكليزية، وبالعربية "بودرة إيدلي".

هذا المسحوق، البودرة، يؤدي دور الصلصة فاتحة الشهية إلى جانب الطبق الرئيسي، ويتكون من الفلفل الأحمر الجاف، والسمسم، وورق الكاري، والكركم، والعدسين الأبيض والأصفر، ورشّة حلتيت.

لا شيء يفتح الشهية، سيدي "الكاشير". فالعلبة مكتوب عليها "بودرة عديمة الفائدة".

وبدا لي أنني العربي الوحيد الذي تسوقه قدماه إلى هنا، وبالفعل كان المطعم –ما عداي- مزدحماً بأشقائنا من شبه الجزيرة الهندية، وهم يشترون بودرتهم اللذيذة، دون الاكتراث بذلك الكلام الغامض، المكتوب بالعربية، ويشبه الأوردية والفارسية.

اشتريت علبة بودرة عديمة الفائدة، حتى ألتقط لها صورة وأكتب هذه المقالة، وبالمرّة حتى أعود إلى البيت ومعي هدية مثيرة للعائلة، التي ستتعرف إلى طعم جديد وفاتح للشهية، عديم الفائدة.

لماذا على الأشياء أن تكون عظيمة الفائدة دائماً؟

استناداً إلى خبرتي المتواضعة في اللغة الإنكليزية، ولأنني زبون دائم على "Google Translate"، فإن مرتكب "البودرة عديمة الفائدة" أخي بالرضاعة. هو بكل بساطة ترجم "Idly" أو "idle" التي تعني "خامل، فارغ، بلا أهمية، بلا عمل"، وقال لنا: تفضلوا، بالهناء وبالشفاء.

الأمر ليس جديداً على كل حال. هناك لائحة طعام في مطعم أفغاني، على استعداد لتلبية طلبات الزبائن من ولائم وحفلات. لكن في اللائحة على استعداد لإقامة الولائم والأحزاب، ذلك لأن "parties"، مثلما هي حفلات بالعربية، تعني أيضا الأحزاب.

هذا طريف واحتفالي وحزبي وعديم الفائدة، وفاتح لشهية التأمل المجاني المرح. فالترجمات الآلية كرنفال من السريالية، ومسرح العبث، والمصادفات التي لا تنتهي في الأفلام الهندية، والفكاهة الشعبية.

يمكنك في الترجمة الآلية أن تقول لحبيبتك "قلبي لا ينتظر، وأنتم منظمة الصحة العالمية"، فترد عليك بقصيدة نثر:

يا حبيبي خذني إلى أحد الأحزاب

أو تعال ومعك بودرة عديمة الفائدة

أما إذا ذهبت إلى الصحافة العربية، فإن الترجمات الآلية لا تقود إلى أجواء مرحة. هناك كوارث تتعلق بالحقائق. وما الصحافة إلا حقائق، لا يجوز العبث بها.

ولكن من قال إنه "لا يجوز"؟

إن مرور الخبر الصحافي عبر المترجم الآلي، ومن أي لغة كانت، يقدم هُوية جديدة للصحافي. فها هو ذا يتقن على الأقل خمس لغات بخمسة "كليكات"، بينما هو ذاته من يطلب قهوة "on the smell" (على الرّيحة).

هذا ليس أقل موهبة من خطابات عبد الفتاح السيسي، خصوصاً حين يترجمها إعلاميوه آلياً من الشقشقة إلى العربية.

دلالات

المساهمون