أحداث بسيطة من أيام رضوى

أحداث بسيطة من أيام رضوى

08 يونيو 2020
+ الخط -
وقفت رضوى في منتصف الطريق لتحاول تذكر بداية أغنية عن الراكون، لكنها لم تفلح. ولأنها كانت مصرة على أن الأغنية تلائم الجو ظلت واقفة تتذكر، حتى سمعت فرامل دراجة هوائية. انتبهت وهي تقول:

- لعلها كانت، يا إلهي! من سيئ الحظ؟ وقبل أن تنهي جملتها صارت واقعة على الأرض.
- لم تقفين وسط طريق الدراجات؟ وفوق ذلك تتجاهلين كل صيحاتي!

أغمضت رضوى عينيها وقالت:
أجزم أن هناك شخصا لن يبارح جانبك أبدا
أرجوك حاول تذكر اسمه الجميل
في الليالي التي ينغلق فيها قلبك ولا ترى شيئا
أجزم أن هناك شخصا لن يبارك جانبك
حتى وإن رحلت بعيدا عن مسقط رأسك
أرجوك لا تنس كيف أشعرتك الريح هناك
أجزم أن هناك شخصا لن يبارح جانبك أبدا
أجل، وأجزم أنك ستقابله بالمثل
ماذا ستفعل في صباح يوم ممطر؟
أستكون وحدك عندما تستفيق من أحلامك كما هو الحال دائما؟
إذا تأذيت وأنت تناضل واضمحل نظرك
افتح قلبك وستبلغه الأفنية
دموعك وألمك سيتلاشيان يوما ما
أنا متأكدة أنه ينتظر ارتسام البسمة على محياك
أريد أن أكون بصحبة شخص ما في الليالي التي يسمع فيها عزف الريح
أريد أن أكون معك أنت يا من رأيته في أحلامي
أجزم أن هناك شخصا لن يبارح جانبك أبدا
أرجوك حاول تذكر اسمه الجميل.


حين انتهت كان سائق الدراجة انطلق مبتعدا بعد أن فقد قدرته على الغضب من رضوى، فصرخت: أرجوك حاول تذكر اسمه الجميل! يبدو أن سقطتي قد أنعشت ذاكرتي، لم يتسع لي الوقت لشكره. وعادت إلى المنزل.

تعتقد والدة رضوى أنها أنجبت أكثر الفتيات جهلا في العالم، وانفصالا عن الواقع. وبعد مضي عدة سنوات من محاولة تعليمها كيف يكون الواقع وما المتوقع منها يئست وبدأت تبحث عن عزاءات بدلا من ذلك. فهي على الأقل لا تجلب المشاكل لها، ولم تكسر المزيد من الصحون منذ العام الفائت. لذلك، حين دخلت رضوى المنزل بملابس ملطخة بطين شبه جاف وصندل قطع أحد خيوطه لم تزد على قولها: اغتسلي قبل العشاء.

حين كانت رضوى في الخامسة سألت والدتها: لم هناك آباء للآخرين وليس هناك أب لي؟
- لأنك محظوظة.

ويبدو أنها صدقت الأمر ولم تفكر في الأمر منذ ذاك الحين، عدا اليوم الذي هددتها فيه المدرسة بإخبار أبيها بانخفاض مستوى علاماتها: لكنه غير موجود.
- أنا آسفة.
لماذا تتأسفين؟
- لأنه.. متوفى؟
لا، هو ليس كذلك.
- ماذا إذن؟
إنه غير موجود فقط.
ولم تجرؤ المدرسة على نطق شيء آخر.

ولكن كان هذا منذ زمن طويل، فالآن صار عمرها ثماني عشرة سنة، وحين اصطدمت بصاحب الدراجة كانت تحتفل بنفسها لوحدها. على العشاء حكت لوالدتها ما جرى: أتعرفين؟ لو أني لم أخش أن أنسى كلمات الأغنية بحركاتي كنت رقصت!

- لكن كيف ترقصين على نغم أغنية مترجمة، لا أظنها تحتفظ باللحن، إن ظلت أغنية أصلا.
أتعتقدين أنه لهذا السبب غادر دون أن يقول شيئا؟
- أعتقد أن صوتك لم يكن جميلا.

لسبب ما كانت والدة رضوى ساخرة جدا، رغم أنها تستمتع بحديث ابنتها البسيط كل عشاء. لم يكن لرضوى صديقات، وتم اعتبارها مغفلة الصف، لأنها دائما ما تسهو وتضحك بدون سبب محدد. لكنها اعتبرت الجميع أصدقاء لها، لذلك لم تمتنع يوما عن مساعدة أي صديقة ولو كان ذاك بالخيال فقط.

في الأيام التالية لم يحصل شيء جديد فقد كانت العطلة الصيفية، الاختلاف الوحيد هو الفراغ الذي يتملك رضوى طوال النهار إلى حين عودة والدتها. لم تكونا تسافران، بل تكتفيان بجولة في المدينة خلال إجازات الأم. ولم يكن السفر خيارا يمكن التفكير فيه، فكل ما تحبانه موجود ولا حاجة لشيء آخر. ولإبعاد الملل اعتنت رضوى بنباتات المنزل وتجولت خارجا.

خلال خروجها كانت تستمتع بالحديث مع من تمر بهم أحيانا، وتحمل الملل إليهم. تخرج دون هدف محدد عادة، لكنها قررت اليوم أن تبحث عن الدراج. فكرت: ما الشيء السيئ الذي قد يحصل؟ أقع في الحب معه؟ أم يؤذيني؟ هما الشيء نفسه في النهاية، لكن لا بأس فهذا سيمنحني شيئا أحكيه لأمي ساعة العشاء.

الفكرة التي راودتها هي أن تذهب إلى نفس البقعة التي رأته فيها والجلوس هناك حتى يأتي، وببساطة مدهشة أتى. لكنه لم يتوقف حين لوحت له، بل قال لها: أرجوك ابتعدي عني ولا تحاولي أن تكوني الشخص الذي لن يبرح جانبي أبدا لأني أملكه بالفعل!