أحبَّ الفتاة عندما شاهد كعبها

أحبَّ الفتاة عندما شاهد كعبها

22 فبراير 2019
+ الخط -
أشاد أبو زاهر بمقدرة "أبو الجود" على الحكي والتنويع فيه. قال إن المرحوم والده كان إذا أراد أن يصف شخصاً مثل "أبو الجود" يقول: هادا واحد حكواتي، معلّم في التشريق والتغريب. 

ولتأكيد صحة هذه الفرضية، أشار أبو زاهر إلى أنه يقصد هنا التشريق والتغريب بالمعنى الحرفي للعبارة، فأبو الجود حكى لنا عن المحتال "ميم"، وكيف أنه بعدما ضربه والده بالكف، وسبب له لَقْوة في الفم لأنه طلب منه خرجية، ذهب إلى حلب، يعني (شَرَّقْ)، ثم ذهب إلى ريف اللاذقية يعني (غَرَّبْ)، وصار يشتغل بالتشبيح والنصب والاحتيال.

قال أبو ماهر: يا شباب، حديثنا في المرة الماضية عن الاحتيال جاء بمحض المصادفة، فنحن أساساً كنا نحكي عن عيد الحب الذي صادف قبل نحو أسبوع، ويبدو أن "أبو الجود" أراد أن يَهْرُب من الإجابة عن أسئلتنا حول علاقته بـ عيد الحب، فصار (يكوِّع) ويحكي شوية من الشرق وشوية من الغرب يعني: شَرَوي غَرَوي.

قال "أبو الجود": أنا أهرب من الإجابة؟ لا يا أبو ماهر، هاي ما حبيتها منك. أصلاً السؤال اللي عَمْ تطرحوه كله غلط. نحن مو بس ما منحتفل بـ عيد الحب. نحن ما عندنا حب أساساً!

التقط الأستاذ كمال هذه العبارة وقال: أنا موافق على كلام "أبو الجود" في خطوطه العريضة، وفي التفاصيل. وإذا سمحتم لي فأنا سأوضح الفكرة.

توجهت الأنظار نحو الأستاذ كمال، فقال إن أهل بلادنا، بلا أدنى شك، أناس طيبون، وبسطاء، ولكن الطيبة والبساطة ليستا من الميزات، فحياتنا، للأسف، ملأى بالضغائن والأحقاد.. 

قلت: وأنا كذلك أؤيد كلام أبو الجود وكمال. وقد كانت لصديقنا الأديب الراحل تاج الدين الموسى قصة ظريفة عنوانها "حارة شرقية وحارة غربية".. والحقيقة أن معظم بلداتنا وقرانا يوجد فيها هذا الانقسام الـ (شرقي - غربي)، وهو مستمر من الآباء إلى الأبناء، بالوراثة، ولدينا مَثَل شعبي يكرس هذه البغضاء هو "عدو جدك ما يودك".. أضف إلى أن بين الحماة والكنة بغضاء تاريخية، والمرأة أيضاً تبغض سلفتها، وهناك مثل شهير يقول: دَقّ القرفة ولا صباح السلفة.

قال أبو الجود: صحيح سيدي، ولعلمك أن أهل الحارة الغربية لا يخطبون لأبنائهم فتيات من الحارة الشرقية، ولا يزوجونهم بناتهم، وكل حب في بلادنا يجب أن يُحاط بالسرّية التامة، فهذا خطر.. ولكن الخطر لا يطاول الرجل، فالرجل يستطيع أن يحب ويثرثر ويخون ويفعل ويترك، (مثل رِجله).. وأما الفتاة التي يُفْتَضَح أمرُها بأنها أحبت فمصيرها معروف، ومن يرتكب جريمة بابنته أو أخته لأنها أحبّت يسكت عنه المجتمع، بل يحترمه، وحتى القانون يخفف له العقوبة فينزلها من الجريمة إلى الجنحة.

قال العم أبو محمد: أنا معترض على ما تقولون كله، يا ريتنا ما فتحنا سيرة عيد الحب ولا سمعنا هَالكلام اللي يخلي القلب يضعف والتنفس يضيق. (وقال لأبي الجود) يو خاي أبو الجود. الشباب رايدين يسمعوا منك حكاية شخصية، يعني أنت ما عندك تجارب في الحب؟      

تصنع أبو الجود منتهى الجدية وقال: بلى، عندي.

قال: هات احك لنا.

قال أبو الجود: من زمان، لما كنت أعزب، كنت أعبر أحد أزقة القرية، فلمحت صبية تشطف حَجر الباب العرضانية التي يسمونها (البَرْطَاش)، وكانت بلباس الميدان الكامل، ولما شافتني شهقت وركضت نحو الداخل، وأنا لم أرَ منها غير كعب قدمها اليسرى وفوق الكعب بنحو خمسة سنتمترات شاهدت مساحة صغيرة بيضاء جميلة، ولم أتمكن من رؤية رِجْلها اليمنى لأنها أدخلتها أولاً، وكنت سعيداً بما رأيت - على قلة المساحة التي رأيتها - وعندما وصلت أمام الباب وجدتُه يهتز من عَزْم الضربة التي استخدمتها للإغلاق، وسمعتها تبربر بكلام لم أفهم منه شيئاً، فقربت أذني من الباب فاتضح لي أنها تقول: يا عيب الشوم، رجل قد الحمار يمر في الزقاق من دون إحم أو دستور.. يخرب بيته واحد واطي كلب! 

والتفت "أبو الجود" نحو العم أبو محمد وسأله: 

- برأيك هادا حب، وَلَّا مو حب؟!

خطيب بدلة
خطيب بدلة
قاص وسيناريست وصحفي سوري، له 22 كتاباً مطبوعاً وأعمال تلفزيونية وإذاعية عديدة؛ المشرف على مدوّنة " إمتاع ومؤانسة"... كما يعرف بنفسه: كاتب عادي، يسعى، منذ أربعين عاماً، أن يكتسب شيئاً من الأهمية. أصدر، لأجل ذلك كتباً، وألف تمثيليات تلفزيونية وإذاعية، وكتب المئات من المقالات الصحفية، دون جدوى...