أحاديث في زمن الحرب

أحاديث في زمن الحرب

04 يوليو 2018
+ الخط -
شهر ولا ككل الشهور؛ لأنه شهر الربيع، لكنه لم يكن ربيعا على هذه الجغرافيh المسماة اليمن؛ ففي 26 منه عام 2015، انطلقت عملية عاصفة الحزم العسكرية، والتي ما تزال قائمة؛ إذ ما تزال طائرات التحالف العربي تمطر المدن اليمنية بالصواريخ، وما تزال مدافع الأرض تواصل عملها هي أيضا على الأرض اليمنية.
ثلاث سنوات مرت منذ بداية الحرب، وما يزال المواطن اليمني في هذا الأتون الذي وضعه فيه السياسيون، بكل أصنافهم المتعددة، سواء بحرب مباشرة أو بالوكالة، لا فرق!
القصف والحرب والقتل والتهجير والتفجير... هذه هي المصطلحات المتداولة على الساحة اليمنية الواقعية، أو الافتراضية، الأسئلة التي تلوح: ماذا بعد؟ إلى أين ستجرفنا هذه الحرب؟ ماذا يريد السياسيون؟ هذا إن كانوا يعرفون أصلا ماذا يريدون.
أغلب الظن أنهم لم يعودوا يدركون ذلك، بل صاروا دمىً تحركها شهوة الانتقام والانتقام المضاد، وكل طرف يتعامل مع الحرب على طريقة "قد بدا الوجه"، في مقامرة ممجوجة، ومغامرة بمستقبل شعب بأكمله، من دون حسابٍ للعواقب المترتبة على هذه الحرب، تلك العواقب التي تزداد قتامة ووخامة باستمرار اشتعال هذا الأتون.
هم تجار الحروب الذين يظهرون في كل زمان ومكان، لا يهمهم أيٌّ من الأطراف السياسية ينتصر، المهم أن يستمر دوران عجلة الحرب لتستمر تجارة الموت، وجني الأرباح من وراء ذلك. وهناك تجار من نوع آخر؛ إنهم تجار الرؤوس. إذ يحدثنا مصطفى محمود، في أحد كتبه عن تجار الرؤوس في أثناء الحرب الأهلية اللبنانية، فيقول: "تاجر رؤوس في الحرب الأهلية اللبنانية عنده عصابة من القناصة تقتل المارة في الشوارع من على رؤوس العمارات، لحساب هذه الطائفة أو تلك، وفي النهاية يقبض الثمن بالدولار".
منْ يستغربون من هذا الكلام، أقول إنني لا أستغرب أبدا؛ فالحرب تفرز أسوأ أنواع التجارة، وأقذر النفسيات الإنسانية، لأن الشعوب تتعرّى في زمن الحروب، فتظهر العورات. أليست الحرب أحلك بقعة في تاريخ البشرية، كما يقول الفيلسوف الهندي برابهات ساركار؟ تفرّ هذه الظلمات منها الشعوب العاقلة، ولا تلجأ إليها إلا للضرورة القصوى، لأنها تعلم أن الحرب تنزع منها حرية الاختيار.
كل يوم نلتقي في "مجلس" فيسبوك، ندلق أحزاننا البائتة، ونستعرض خسائرنا الفادحة، وكأننا تجار نقوم بعملية جرد يومية: كم أصبح حجم جبل الحزن الذي نبت في أعماقنا؟ كل يوم نردد أخبار الغارات والغزوات؛ غارات من السماء، وغزوات من الأرض، والضحايا يمنيون. .. وليست الحرب نزهة ولا مغامرة صبيانية لشلة مغامرين، بقدر ما هي اجتثاث لمجتمع بأكمله، فاليمنيون سيخرجون من هذه الحرب بصورة أخرى.
البيت القديم الهش الأركان يتداعى، ونحن ما نزال مشغولين بالخلاف على منْ يرث الأبواب الصدئة، أو من يجلس على كرسي الغرفة الرئيسية فيه! نختلف على منْ يجعل المفتاح القديم في جيبه، أنا أم أنت؟
الضباب لف البيت القديم، وانعدمت الرؤية وما يزال صوت المدافع يرافق التكبيرات عند كل فرض، فهل من الضروري أن نكون مسلمين على ضربات المدافع؟ فمنْ يخرجنا من هذا المأزق؟
صرنا خارج الزمان والمكان والتاريخ، أي كارثة تلك؟ فمنْ ينتظر الخلاص بيد مريم على ارتفاع عشرات الكيلومترات فوق عنان السماء، لا يقل إجراما عمن ينتظر الخلاص بفوهات مدافع تقتل الأبرياء على الأرض، لأن القتل إجرامٌ يستوي منْ يمارسه، محلي الصنع أم مستوردا.
ومن مهازل هذا الزمان، أنه أصبح على اليمني اليوم أن يختار قاتله، فمتى نتوقف عن هذا الاختيار الوجودي السمج الذي يلغي الوجود كليا، اتركوا للناس فسحة من أمل، لا تغلقوا كل الأبواب.
بعد السنوات الثلاث، لم أعد أدري ماذا يريد التحالف العربي، وهو يمشط سماواتنا طوال هذي الفترة، إذ ماذا يريد التحالف حقا؟ هل يريد أن يقضي على الحوثيين كما يزعم؟ هو قضى على الحلم اليمني، لا غير. هذه هي الحقيقة المرّة.
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
عبد الحفيظ العمري
كاتب ومهندس من اليمن، مهتم بالعلوم ونشر الثقافة العلمية. لديه عدّة كتب منشورة إلكترونيا. الحكمة التي يؤمن بها: "قيمة الانسان هي ما يضيفه للحياة ما بين حياته ومماته" للدكتور مصطفى محمود.
عبد الحفيظ العمري