أتراك إيران الأذريون.. ترويج الفنون الشعبية للحفاظ على ثقافتهم

22 يونيو 2016
الفلكلور مدخل مهم (العربي الجديد)
+ الخط -
لا يعد أتراك إيران الأذريون أقلية قومية، فهم يحتلون المرتبة الثانية من بعد الإيرانيين الفرس في هذه البلاد التي تتكون من أعراق وقوميات عديدة، فيشكلون اليوم ربع الهرم السكاني تقريبا
أتراك إيران الأذريون يتمركزون في مناطق شمال غربي البلاد، وكما يتحدثون الفارسية فهم يتقنون اللغة التركية الأذربيجانية والتي تختلف في لهجتها عن تلك التركية الإسطنبولية، ويلاحظ أن كل فرد من هؤلاء يحافظ على لغته وينقلها من بعده لأبنائه وأحفاده.

من الواضح أيضاً تأثر الأذريين في إيران بطبيعة المناطق التي يقطنونها والتي تتميّز بكونها أقاليم جبلية زراعية خصبة، فقد أعطت الجغرافيا بمرور الزمن ملامح خاصة للغاية للفن والفلكلور التركي الأذري، وباتت الموسيقى والرقص الشعبي جزءاً رئيسيا من ثقافتهم التي يحافظ عليها حتى يومنا هذا من يقطنون المناطق الرئيسية لأتراك إيران، والتي تتوزع في مدن وقرى محافظات أذربيجان الشرقية والغربية وأردبيل وزنجان، لكن تقدم الحياة العصرية وهجرة عدد كبير من هؤلاء إلى المدن الكبرى وعلى رأسها العاصمة طهران، جعلت الحفاظ على الفلكلور تحدياً كبيراً، وهو ما يحاول بعضهم التمسك به.

سامان علوي، صاحب مؤسسة "إحياء ثقافة أتراك إيران"، شاب في الثلاثينيات من العمر يحب الموسيقى والفنون قاطبة، تعلّم العزف على عدد من الآلات الموسيقية الكلاسيكية الإيرانية، لكن للموسيقى الأذرية طعماً آخر، كما يقول، فهي التي يقرأ معها الشعر أو يرافقها غناء باللغة التركية الأذرية، وكما أتقن الموسيقى فهو اليوم مدرب على الرقص الأذري الفلكوري، وقد عمل مع أساتذة إيرانيين وأتراك وأذربيجانيين على حد سواء لتطوير هوايته.

يقول علوي لـ"العربي الجديد"، إن الفنون الشعبية ما زالت حاضرة في مناطق أتراك إيران، لكنه أراد وعدداً من زملائه الأذريين أيضا أن يعرّفوها ويقدموها لأهل المدن، لا ليساعدوا الأتراك الأذريين القاطنين فيها على الاحتفاظ بثقافتهم وحسب، بل ليروجوها بين القوميات الأخرى، وكان هذا هدف افتتاح مؤسسته، التي استطاع أن يحصل على ترخيص رسمي خاص بها لتعليم الفنون الشعبية الأذرية.

طلابهم في غالبيتهم من الجيل الجديد من أتراك إيران الأذريين كما يذكر علوي، وتراوح أعمارهم بين ست سنوات وثلاثين عاماً، كما يؤكد أن هناك إصراراً واضحاً على إحياء هذه الثقافة، قائلا إن كل القوميات الأخرى تقوم بالمجهود ذاته، حتى لا تخسر فنونها الشعبية بمرور الزمن. وفضلا عن الأتراك يحاول أكراد إيران أيضا الإبقاء على فنونهم حية.

يصف علوي الإقبال على دروس الموسيقى والرقص التركي الأذري بالجيد، ويعتبر أن السبب يعود لارتباط الإيرانيين بثقافتهم وبتاريخهم، وهو ما يجعل محاولات الحفاظ على الفلكلور أسهل، رغم وجود بعض القيود التي يمكن تحويلها لفرص تخلق المزيد من الإبداع والتميُّز، حسب رأيه.


دروس الرقص الفلكوري الأذري تقدم في هذه المؤسسة للرجال وللنساء على حد سواء، لكنها منفصلة، وكما تواظب هذه المؤسسة على إجراء حفلات في مدن إيرانية عدة ضمن سياق محاولات الحفاظ على التراث التركي الأذري في إيران، لكن السيدات يستطعن المشاركة في حفلات الموسيقى، أما حفلات الرقص الفلكلوري للسيدات اللاتي يتدربن على يد مدربات، فتعرض للسيدات فقط.

تقول مدربة الرقص الفلكلوري في مؤسسة "إحياء الثقافة الأذرية"، ساناز سيد زاده، عن الأمر، إن هذه المؤسسة حددت لها ولمدربات أخريات مكاناً خاصاً للتدريب، وتم تقسيم الأوقات بينهن وبين الدروس الأخرى.

تتحدث ساناز عن نفسها لـ"العربي الجديد"، فتقول إنها من أتراك إيران، وقد أحبت الرقص والفنون الشعبية منذ الطفولة، كانت تقطن في تبريز، إحدى أبرز وأكبر مدن أتراك إيران والقريبة من الحدود الإيرانية التركية، لكنها غادرتها للالتحاق بصفوف الجامعة، فدرست الفنون الجميلة في طهران، وفي الوقت ذاته أصرت على استمرار تدريباتها على فنون قوميتها الفلكلورية، كما أجرت دراسات أكاديمية تركز على الفلكلور الأذري.

ترى سيد زاده أن الرقص الأذري، وهو ما أتقنته، يختلف عن بقية الفنون، فهو يشبه الدبكة لكن الحركات مختلفة والملابس أيضا شعبية متميزة، وتقول إنه فن حديث للسيدات رغم عراقته التاريخية، معتبرة أن الإيرانيات يقبلن على تعلّم هذا النوع من الرقص التراثي أيضا ويعتبرن أن الدروس مفيدة ومختلفة.

وفي ظل وجود واقع أن هذا الفن حديث للسيدات، من الطبيعي أن تكون هناك ندرة في عدد المدربات على الرقص الفلكلوري، وترى سيد زاده أن هذا الأمر شكل تحديا كبيراً لها ولزميلاتها الأخريات، حيث اضطررن للتدرب لوحدهن بشكل مكثف، قائلة إن التجربة والتمرين هي التي تصنع الخبرة والتميّز.

وعن طالباتها، تقول إنهن يقصدن المؤسسة من الكبار والصغار ومن الأتراك الإيرانيين ومن غير الأتراك. وترى سيد زاده أن هذا المركز الرسمي يقدم شيئا مختلفا لكل الإيرانيين، معتبرة أنه مركز ثقافي فريد من نوعه، وبالتالي ترى أنه من الضروري أن يكون هناك دعم حكومي أكبر، وهو ما سيساهم بالوصول لدرجة احتراف أعلى سواء للمدربين أو للهواة.

وأضافت أن بيت الفنون، وهو المؤسسة الرسمية التي تُعنى بكافة الفنون الإيرانية، عليه تقديم الدعم ذاته للمؤسسات التي تحيي ثقافة القوميات العرقية المتعددة والمتنوعة في إيران، وهو ما سيساعد على حفظ هويتها بل وحفظ التاريخ الإيراني وحضارة البلاد برمتها.

تؤكد على هذا الأمر السيدة سلطاني، وهي أم إيرانية من كرمان، الواقعة جنوب شرقي البلاد، ولا تنتمي بدورها للأتراك الأذريين، لكنها سجلت ابنتها في هذه المؤسسة لتتعلم الرقص الفلكوري الأذري.

تقول إن هذا فن يبعث على النشاط والحيوية، ويجعل ابنتها تتمتع بطاقة إيجابية، كما يجعلها تتحرك بشكل دائم، وتؤكد في الوقت نفسه على أن من الضروري حفظ وإحياء كل ما يرتبط بالفنون الفلكلورية الشعبية ومنعها من الانقراض، فعدم الاهتمام بها على كافة فروعها وعلى كافة انتماءاتها يعني ضياع جزء من التاريخ والهوية، وتعتبر أن هذا هو الباب الرئيسي الذي جعلها تصر على وضع ابنتها في مؤسسة كهذه لتتعرف على فلكلور قومية هامة وتمثل جزءا رئيسا من الشريحة الإيرانية الاجتماعية في يومنا هذا.

نجحت هذه المؤسسة إلى حد ما في تحقيق الهدف الذي أسست لأجله، لكنّ هناك مدنا إيرانية كثيرة ما زالت تفتقد لهذا النوع من النشاطات. فضلا عن هذا، يخطط المعنيون في مؤسسة إحياء التراث الأذري لتوسيع حفلاتهم في الخارج، فهم يخططون الآن للقيام بحفلات في دبي وأخرى في مدن أوروبية.