01 نوفمبر 2023
أبو ضحكة جنان
أبو ضحكة جنان
(رنا بشارة)
أن يُخصّص يوم عالمي للابتسامة، فمعنى ذلك أننا لا نبتسم بقية أيام السنة، مثلما تم تخصيص يوم للأم، لأننا لا نعتني بأمهاتنا، سرّ وجودنا في الحياة، كما يجب، فتأخذنا الحياة منهن، ويقتصر اهتمامنا بهن على اصطحابهن إلى موعد طبيبٍ، أو زيارةٍ أسبوعيةٍ سريعة، أو مكالمة هاتف عابرة.
يوم عالمي للابتسامة يذكّرنا بالكم الكبير من القتامة والبؤس والضغط النفسي والعصبي الذي يعيشه العالم 365 يوماً، وبأننا يجب أن نبتسم في اليوم الخامس والستين بعد الثلاثمائة، وإنْ أصبحت الابتسامات، هذه الأيام، أمام الآخرين، ومعهم، وأمام الكاميرات الأمامية للهواتف الذكية، لا تنم عن سعادة، وتخفي خلفها مشاعر دفينة. وقد كان الغرب في القرن السابع عشر يعتقد أن من يبتسم أمام الكاميرات هم الفقراء والفسقة والجهلة وشاربو الخمور، وأن العقلاء والمفكرين لا يبتسمون أمامها. ولذلك خلت الصور الفوتوغرافية القديمة من الابتسامات.
اعتقدت، حتى زمن قريب، أن فنان الكوميديا الأقرب إلى قلبي، وهو إسماعيل ياسين، هو أسعد إنسان على وجه الأرض في زمانه، حتى قرأت قصة حياته، فعرفت ما كان فيها من بؤسٍ ويُتم وفقر، وأن الفنان الذي أضحك الملايين مات فقيراً، بعد أن خذله جمهوره الذي أحبّه، وكنتُ من هذا الجمهور الذي تابعه، وهو الذي انتزع الضحكة من أعماقي في أحلك الظروف. وتمنيت لو طال عمره لأقابله، وأطلب منه السماح، فهو "أبو ضحكة جنان" الذي لم يكن سعيداً في حياته، ومثله شارلي شابلن الذي اعترف لزوجته، وهو على فراش الموت، بأنه عاش حياة تعسةً مليئة بالأعداء.
واعتقدت، في صغري، أن الشعب المصري أسعد شعوب الأرض، لأنه شعب "ابن نكتة"، لكن التاريخ أثبت العكس، وأثبت ما قاله المفكر الدنماركي، سورين كريكغور "إذا بدأ شعب بصناعة النكتة، فاعلم أنه بدأ يشعر بالفقر والجوع".
اعتقدت أن جارتي المقرّبة هي أسعد الزوجات، وغبطتها على ضحكاتها التي لا تنقطع في أي مجلس، حتى دخلت بيتها، واكتشفت حقيقة حياتها، وأطلعتني على أسرارها ومعاناتها مع زوجٍ متجهّم طوال الوقت، يعتبر أن ظهور الأسنان من أجل الابتسام جريمةٌ، لا يغفرها لها أو لأولاده، وأنه غارقٌ في خيانتها مع نساءٍ يلتقطهن من مواقع التواصل الاجتماعي.
اعتقدت، في صغري، أن عارضات الأزياء لا يبتسمن، لأنهن مغروراتٌ ومتكبرات، وكانت أمي تسخر من الأزياء التي يعرضنها، وبأنها مبتذلة، وغير صالحة سوى لتصبح خرقاً تجفّف بها أدوات المطبخ بعد غسلها. حتى كبرت، وعرفت سر عدم ابتسامة عارضات الأزياء، وبأنهن مجبراتٌ ومأموراتٌ، لكي لا يلتفت الجمهور إلا لما يعرضن من ملابس وأحذية وإكسسوارات ومجوهرات، فلو ابتسمت الواحدة منهن، فسوف تجذب أنظار الجمهور، لسحر ابتسامتها ووضاءة وجهها وجمال ثغرها.
أما خالتي التي لم أقابل في حياتي امرأةً أكثر بؤساً منها فقد كانت تصرّ على أن تبتسم وتضحك وتمزح، وكانت تزور كل بيت عزاء، لأنها تؤمن بقاعدة مهمة، عرفتها لاحقاً، وهي أن كل بيت عزاء سوف تغزوه ضحكةٌ بطريقةٍ ما، وقد ابتسمت وسط المعزيات يوم وفاة أمي، فخالتي كانت تجلس بجواري، لتشدّ من أزري وتكفكف دمعي، ولم تكن ماهرةً في دورها، اكتفت بأن تلكزني في كتفي، لكي أقف كلما دلفت امرأةٌ من الباب لكي تعزيني وأنا لا أعرفها، وتعرّف نفسها بأنها إحدى تلميذات أمي قديماً، حتى أضحكتني خالتي، فقد كان بيت أمي حديث الطلاء، وقد انتقلت إليه حديثاً ولم تهنأ به. وكانت كل امرأةٍ من المعزيات، حين تدلف إلى البيت، تستند إلى الحائط، فيترك لون طلائه الأبيض على ملابسها السوداء، فعلقت خالتي بقولها إن كل امرأة تحضر إلى العزاء تأتي مطبوعةً بختمٍ يؤكد أنها قامت بواجب العزاء، فأضحكتني، وهي تلكزني، لكي أنظر خلسةً إلى الأختام البيضاء المطبوعة على ظهور النساء وهن لا يعرفن ذلك.
يوم عالمي للابتسامة يذكّرنا بالكم الكبير من القتامة والبؤس والضغط النفسي والعصبي الذي يعيشه العالم 365 يوماً، وبأننا يجب أن نبتسم في اليوم الخامس والستين بعد الثلاثمائة، وإنْ أصبحت الابتسامات، هذه الأيام، أمام الآخرين، ومعهم، وأمام الكاميرات الأمامية للهواتف الذكية، لا تنم عن سعادة، وتخفي خلفها مشاعر دفينة. وقد كان الغرب في القرن السابع عشر يعتقد أن من يبتسم أمام الكاميرات هم الفقراء والفسقة والجهلة وشاربو الخمور، وأن العقلاء والمفكرين لا يبتسمون أمامها. ولذلك خلت الصور الفوتوغرافية القديمة من الابتسامات.
اعتقدت، حتى زمن قريب، أن فنان الكوميديا الأقرب إلى قلبي، وهو إسماعيل ياسين، هو أسعد إنسان على وجه الأرض في زمانه، حتى قرأت قصة حياته، فعرفت ما كان فيها من بؤسٍ ويُتم وفقر، وأن الفنان الذي أضحك الملايين مات فقيراً، بعد أن خذله جمهوره الذي أحبّه، وكنتُ من هذا الجمهور الذي تابعه، وهو الذي انتزع الضحكة من أعماقي في أحلك الظروف. وتمنيت لو طال عمره لأقابله، وأطلب منه السماح، فهو "أبو ضحكة جنان" الذي لم يكن سعيداً في حياته، ومثله شارلي شابلن الذي اعترف لزوجته، وهو على فراش الموت، بأنه عاش حياة تعسةً مليئة بالأعداء.
واعتقدت، في صغري، أن الشعب المصري أسعد شعوب الأرض، لأنه شعب "ابن نكتة"، لكن التاريخ أثبت العكس، وأثبت ما قاله المفكر الدنماركي، سورين كريكغور "إذا بدأ شعب بصناعة النكتة، فاعلم أنه بدأ يشعر بالفقر والجوع".
اعتقدت أن جارتي المقرّبة هي أسعد الزوجات، وغبطتها على ضحكاتها التي لا تنقطع في أي مجلس، حتى دخلت بيتها، واكتشفت حقيقة حياتها، وأطلعتني على أسرارها ومعاناتها مع زوجٍ متجهّم طوال الوقت، يعتبر أن ظهور الأسنان من أجل الابتسام جريمةٌ، لا يغفرها لها أو لأولاده، وأنه غارقٌ في خيانتها مع نساءٍ يلتقطهن من مواقع التواصل الاجتماعي.
اعتقدت، في صغري، أن عارضات الأزياء لا يبتسمن، لأنهن مغروراتٌ ومتكبرات، وكانت أمي تسخر من الأزياء التي يعرضنها، وبأنها مبتذلة، وغير صالحة سوى لتصبح خرقاً تجفّف بها أدوات المطبخ بعد غسلها. حتى كبرت، وعرفت سر عدم ابتسامة عارضات الأزياء، وبأنهن مجبراتٌ ومأموراتٌ، لكي لا يلتفت الجمهور إلا لما يعرضن من ملابس وأحذية وإكسسوارات ومجوهرات، فلو ابتسمت الواحدة منهن، فسوف تجذب أنظار الجمهور، لسحر ابتسامتها ووضاءة وجهها وجمال ثغرها.
أما خالتي التي لم أقابل في حياتي امرأةً أكثر بؤساً منها فقد كانت تصرّ على أن تبتسم وتضحك وتمزح، وكانت تزور كل بيت عزاء، لأنها تؤمن بقاعدة مهمة، عرفتها لاحقاً، وهي أن كل بيت عزاء سوف تغزوه ضحكةٌ بطريقةٍ ما، وقد ابتسمت وسط المعزيات يوم وفاة أمي، فخالتي كانت تجلس بجواري، لتشدّ من أزري وتكفكف دمعي، ولم تكن ماهرةً في دورها، اكتفت بأن تلكزني في كتفي، لكي أقف كلما دلفت امرأةٌ من الباب لكي تعزيني وأنا لا أعرفها، وتعرّف نفسها بأنها إحدى تلميذات أمي قديماً، حتى أضحكتني خالتي، فقد كان بيت أمي حديث الطلاء، وقد انتقلت إليه حديثاً ولم تهنأ به. وكانت كل امرأةٍ من المعزيات، حين تدلف إلى البيت، تستند إلى الحائط، فيترك لون طلائه الأبيض على ملابسها السوداء، فعلقت خالتي بقولها إن كل امرأة تحضر إلى العزاء تأتي مطبوعةً بختمٍ يؤكد أنها قامت بواجب العزاء، فأضحكتني، وهي تلكزني، لكي أنظر خلسةً إلى الأختام البيضاء المطبوعة على ظهور النساء وهن لا يعرفن ذلك.