أبو صلاح

أبو صلاح

13 فبراير 2018
يحبّ عمله (العربي الجديد)
+ الخط -
كثيرة هي الذكريات التي يحملها أبو صلاح، كمال جمال الدين، ويحبّ أن يرويها للخاصة. فالخمسيني، المربوع القامة، الأنيق الهندام والمبتسم دائماً، الخفيف على القلوب أينما مرّ، عاش تجارب كثيرة في حياته، لكنّه على الأقل تنقّل بين ثلاث مراحل أساسية، كلّها جعلت منه هذه الشخصية المميزة والمحببة اليوم.

في شبابه الأول، نشأ مقاوماً ضد الغزو والاحتلال الصهيوني في جنوب لبنان. نفذ مع رفاقه أكثر من عملية، ونجا أكثر من مرة، حتى من غارة جوية جعلته يطير في الهواء بعيداً ويرتطم، ليعرف لاحقاً أنّ كلّ رفاقه في المركز قتلوا فيها. اعتقل وعذب، لكنّه استمر في مهامه من قبل الاجتياح الأول عام 1978 إلى ما بعد الاجتياح الثاني عام 1982.

لاحقاً، تزوج أبو صلاح، وأصبح لديه أربعة أولاد، وعمل سائق باص تابع للقطاع العام (النقل المشترك). لكنّ تدهور القطاع مع بداية الألفية الجديدة جعله مع غيره من الموظفين من سائقين ومعاونين ومفتشين بمثابة فائض. لم يطردوا بل وزعوا كموظفين على مؤسسات الدولة، فاختار مؤسسة تعليمية، باتت هي مرحلة أساسية ثالثة في حياته.

كلّ من هذه المراحل تعكس حبّه للناس واستعداده للتضحية بنفسه من أجلهم، سواء بحياته أو بجهده أو بماله. في الأسر لم يأخذ منه الصهاينة معلومة واحدة على الرغم من التعذيب. وفي الباص كان الركاب ينتظرونه ويسألون عنه بقية السائقين، إذ كان يدفع من جيبه ليسمح للبعض بالركوب مجاناً، وينزل من الباص لمساعدة راكب عجوز أو ذي إعاقة في النزول أو الصعود.
وفي المؤسسة التعليمية يفعل ما هو أكثر، إذ يساعد حتى من دون أن يعرف صاحب العلاقة أنّه ساعده.

سئل أحد معارفه تصنيف ثلاثة كان أبو صلاح من بينهم، فقال عنهم: "فلان بخيل لن يعطيك وإن كان معه، وفلان كريم سيعطيك إن كان معه، أما أبو صلاح وإن لم يكن معه شيئاً استدان وأعطاك".



هي فلسفة حياة نابعة من داخله ترتبط بحبّ الناس والتقدم إليهم بهذه الروح بالذات بدلاً من الشكّ فيهم والتعالي عليهم واعتبارهم لا يستحقون. فأبو صلاح قبل كلّ شيء يحبّ عمله، وكلّما كان أقرب إلى الناس وخدمتهم كان أحبّ إلى قلبه. هو يشعر بالآخرين، ولا يعتبر أحداً غير مستحق للعطاء. ويرتدّ عليه كلّ ذلك - من دون أن يطلب - حباً واحتراماً يجعل كثيرين يتحدثون عن كرم أخلاقه في السرّ والعلن، بل تكرّس هذه الروح بقية الموظفين لمساعدته مهما كان الأمر.

موسم الانتخابات البرلمانية في لبنان على الأبواب. أبو صلاح بالتأكيد ليس من المرشحين، لكن، حتى البحث عن مرشح - وافر الحظوظ - في مثل صفاته، يبدو ضرباً من المستحيل.

المساهمون