ربما كانت أقسى مشاعر الفقد، هي افتقاد طفل لفرحة العيد بجوار والده، وهذا حال عشرات الآلاف من الأطفال والأبناء الذين غُيّب آباؤهم خلف جدران السجون، وعاش أطفالهم شعور الفقد في أيام الأعياد الفرحة.
أحلام مريم
مريم مراد ابنة مراد محمد محمد علي "45 سنة طبيب ومدير شركة multinational في الشرق الأوسط وعدة دول، والمستشار الإعلامي لحزب الحرية والعدالة"، ومن التهم التي وجهت إليه محاولة قلب نظام الحكم، ومحاولة خطف عدلي منصور، وبثّ أخبار كاذبة تهدد الأمن القومي، وحكم عليه بالمؤبد في القضية المعروفة إعلامياً بغرفة عمليات رابعة، وفي 21 أغسطس/آب المقبل يكون قد مر عامان على تغييبه داخل السجون.
تقول مريم: "في غياب بابا لم يعد هناك عيد أصلاً.. كان دائماً حريصاً على شراء لبس جديد ويوقظنا قبل الصلاة بكثير للاستحمام وينادي على كل واحد لوحده ليعطيه العيدية، ونستقل جميعنا السيارة معه ونبدأ التكبيرات إلى أن نصل لساحة صلاة العيد، ثم نرجع لنفطر معه، والعيلة تتجمع كلها ويوزع العيدية على ولاد إخواته ويفضل يهزر مع الجميع، كان يوم العيد يكون فرحان جداً جداً وبالأخص وهو ذاهب لصلاة العيد.. حالياً لم يعد يفرق معنا اللبس الجديد ولم نعد نتجمع مع العيلة وغالباً نقضيه في البيت، ولو خرجنا دايماً يبقى في حاجة ناقصة ويبقى كل كلامنا "بابا كان بيحب ديه" أو "لو بابا كان معانا كان...".
ولم يعد العيد عيداً.. ظللنا ثلاثة أشهر لا نعلم شيئاً عن والدنا لوجوده في سجن العقرب، وكل المعلومات التي كانت تصلنا عن منع المياه والأكل وعن التعذيب، مما يجعلنا في وضع أسوأ في هذا العيد.
حين كان في الليمان كان في زيارة أول يوم العيد، وكان كل الأهالي والمعتقلين يجتمعون وننفخ "البلالين" ونوزع الأكل والحلويات على بعض، وكان هذا يهون علينا، لكن سجن العقرب مدمر في كل شيء وهذا العيد بالذات، لأن الأوضاع أسوأ بكثير.
اقرأ أيضاً: "عيدهم في التأديب" حملة تضامن مع معتقلي مصر
كنافة بابا
سارة بدوي، ابنة إبراهيم السيد إبراهيم البدوي "53 سنة مدرس أول علوم وجيولوجيا" ومغيب منذ 15 فبراير/شباط الماضي وتم الحكم عليه جوراً بالحبس سنة مع الشغل والتهمة الانتماء لجماعة الإخوان وقطع طريق وتوزيع منشورات، لديه أربعة أبناء منهم ابنة مفصولة من الجامعة لمدة عامين.
تقول سارة: "والدي كان يحرص أن يشتري لنا لبساً جديداً للعيد لكنه كان دائماً يقول لنا ليس العيد لمن لبس الجديد ولكن العيد لمن خاف يوم العيد.. وكان لوالدي في كل يوم من أيام شهر رمضان دعاء بأسلوبه الخاص على الإفطار افتقدناه هذا العام، وكانت له طريقة مميزة جداً في عمل الكنافة وكنا نقول لماما اتركي بابا يعمل لنا الكنافة، وهو ما حرمنا منه هذا العام".
وبالنسبة للعيد، تقول سارة: "والدي كان يعود للبيت آخر يوم في رمضان بعد صلاة العشاء، بعد أن يرتب مع الشباب ساحة الصلاة، ويدخل علينا مهللاً بتكبيرات العيد بصوت عالٍ ليسمع جميع من في البيت، ونبدأ الهزار معه، ثم يطلب منا أن نحضر هدومنا ليكويها لنا وكنا نتسابق ليفوز كل منا بأن يكون أول من يكوي له بابا ملابس العيد.. ثم يدخل لينام حتى يستيقظ على صلاة الفجر ويوقظنا كلنا بتكبيرات العيد، ثم ينزل لإيقاظ عمي ويأخذ أطفاله ويذهبوا لصلاة العيد، وبعد الصلاة يقوم هو وزملاؤه بلمّ الحصير وتنظيف مكان المصلى ثم يلف هو وزملاؤه لتهنئة أهل البلد بيتاً بيتاً، وبعدها يعود ليعطينا العيدية ونذهب للمعايدة على جدتي وأعمامي ونقضي اليوم معهم، وفي آخر اليوم نرجع بيتنا وبابا يعملنا الغداء ونأكل واحنا فرحانين ونضحك ونتبادل الحديث معه ومع والدتي.. ياااااارب يفك أسره ويرجع بسرعة لأن فعلاً غيابه عن البيت مؤثر جداً".
اقرأ أيضاً: عائلات مصرية تُمضي العيد بين زيارة القبور والمعتقلات
حلم طفلة
أسماء رضوان، أخت خالد حمدي رضوان، كان مدير إنتاج في قناة مصر 25 سابقاً، وهو مغيب منذ 16 شهراً ومتهم بالتخابر مع قطر ولديه ابنة اسمها أسماء "4 سنوات" وثائر "9 أشهر".
تقول أخته أسماء: "مفتقدة خالد في كل حاجة، حتى حياتي الخاصة كنت أستأنس برأيه فيها.. أنا زوجي معتقل وكان خالد يسأل ويطمئن على أحوالي يومياً ولما اعتقلوه شعرت أن ظهري انكسر.. العيد أصلاً لا نشعر به ونقضيه في طابور السجون.. بدل ما كان خالد وزوجي يأخذوننا ونذهب لصلاة العيد، أصبحنا احنا اللي بنروح نقف في الشمس والطابور بالأربع ساعات عشان نشوفهم دقايق ونقولهم كل سنة وانتو طيبين، حتى دي استخسروها فينا ومنعوا الزيارة تماما عن خالد ولم أره من 6 أشهر.. مأساة بمعنى الكلمة.. خالد بجد فيه حنية عمري في حياتي ما شفتها.. خالد كان فاكهة عيلتنا.. ابنته أسماء قالت لي إنها حلمت حلماً تتمنى أن يتحقق، وهو أن باباها رجع وعاش معنا في البيت فهل يتحقق حلم الطفلة الصغيرة؟.. احنا ماعندناش عيد.. عيدنا يوم ما ربنا يفك أسر الدكتور مرسي وخروج جميع المعتقلين والقصاص للشهداء والمصابين.. وعموماً هذا طريقنا اخترناه بإرادتنا وسوف نظل ثائرين للآخر نفس إما النصر أو الشهادة".
اقرأ أيضاً: التنكيل بمعتقلي وادي النطرون.. أحمد ليمون نموذجاً