أبعد من انتخابات المغرب

أبعد من انتخابات المغرب

10 أكتوبر 2016
+ الخط -
بشيء من التعجّل ربما، ومع مقدارٍ لازم من الحذر في التحليل، في الوسع القول (أو الزعم؟) إن النتيجتين الأكثر وضوحاً في الانتخابات التشريعية المغربية تؤكدان حالةً عربيةً، إلى حدّ ليس قليلاً: إقبال المغاربة على الاقتراع يوم الجمعة الماضي جاء قليلاً (43% من المسجلين في كشوف الانتخاب)، وأقلّ من موسم عام 2011. والثنائية القطبية بين حزبي "العدالة والتنمية" و"الأصالة والمعاصرة" تعزّزت، وهي ثنائيةٌ بين تكوينٍ إسلامي النزعة وتشكيلٍ يُرمى بأنه من تمثيلات الدولة العميقة، مع تنويعات ليبراليةٍ ظاهرة فيه.
وإذ تلت نسبة الاقتراع المغربية الضئيلة مثيلتها الأردنية الشهر الماضي (45%)، وقبلها التونسية في الانتخابات الرئاسية (36%) في ديسمبر/ كانون الأول 2014، فذلك كله مما يسوّغ الذهاب إلى أن ازورار المجتمعات العربية (في المدن ومن الشباب خصوصاً) صار ظاهرة عربية، ولا مدعاة هنا للتذكير بالنسبة الفضيحة في الانتخابات المصرية المطبوخة بجدارة، وقد قيل إن 27% من المصريين المسجلين تجشّموا عناء التصويت لانتخاب مجلس النواب الراهن. وفي انتخاب عبد الفتاح السيسي رئيساً، احتيج ليوم ثالث لم يكن مقرّراً، وتفوقت الأوراق الباطلة على أوراق المرشح الآخر، حمدين صباحي. لا تتصل هذه المسألة بالربيع العربي وما نجم عن ثوراته من أجواء، بل هي سابقة عليه، وإنْ تحسنت نسب الاقتراع بعده قليلاً، ففي انتخابات تشريعيات المغاربة 2007 لم تتجاوز النسبة 37%، وكانت 35% لدى جيرانهم في الجزائر في العام نفسه. وما أكّدته استطلاعات المؤشر العربي التي يجريها سنوياً المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات عن تناقص ثقة المجتمعات العربية بالبرلمانات في بلادها ييسّر واحداً من أسباب عدم حماسها في التوجّه إلى صناديق الانتخاب.
أما عن تلك القطبية من إسلام سياسي وسطي وتشكيلٍ حزبي يجمع متصلين بالنظام العميق في الدولة والقصر، فإن الذي شهدته تونس في انتخابات أكتوبر/ تشرين الثاني 2014، موصولٌ بها، وإنْ جاء حزب نداء تونس، العميق الشبه بـ "الأصالة والمعاصرة" المغربي، متقدّماً على حركة النهضة، عميقة الشبه مع "العدالة والتنمية"، أقله في عدم إخوانيّتهما. ولا شطط في الذهاب إلى أبعد من هذا، والقول إن حسني مبارك صارح الأميركيين، إبّان زوبعة كوندوليزا رايس عن مطالب واشنطن بإصلاحات سياسية عربية، قبل أزيد من عقد، لمّا قال لصحيفة أميركية إن إجراء انتخابات نيابية نزيهة وشفافة في بلاده يعني فوز "الإخوان المسلمين"، دلّ على ذلك أن انتخابات عام 2005، والتي شهدت، في جولتين من ثلاث، مقادير من النزاهة (طُلبت أميركياً)، عرفت فوز "الإخوان" بـ 88 مقعداً. وبذلك، أمكن القول إن القطبية الأوضح في المشهد السياسي المصري، قبل ثورة 25 يناير، هي بين حزب السلطة والرئاسة والنظام ورجال الأعمال، الوطني الديمقراطي، من جهة، والإسلام السياسي ممثلا بجماعة الإخوان. لم يختلف الحال كثيرا بعد الثورة، وإنْ باغتنا فوز كاسح للسلفيين أيضاً في انتخابات برلمان 2011 المنحلّ لاحقاً، وهو البرلمان الذي منح ناخبوه حزب الحرية والعدالة (الإخوان) 127 مقعداً، حتى إذا استجدّت انتخابات الرئاسة، وصل الإخواني محمد مرسي إلى قصر الاتحادية. لم يجد الجيش، ومعه أذرعه المدنية العديدة، غير معاقبة "الإخوان" على جريمة فوزهم المؤزر هذه، فكانت إزاحتهم المعلومة عن السلطة، مع حبسهم، ونعتهم بالإرهاب، وقتل من أمكن منهم في منازلهم.
كان خيار الدولة العميقة في مصر كسر تلك القطبية التي ازدادت وضوحاً بعد ثورة يناير، وإيجاد معادلة مرتجلة بديلة، بانقلابٍ عسكري، يذكّر، بانقلابٍ من لون آخر، على انتخاب الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر في 1992. وكان الخيار في الأردن، أخيراً، الأخذ بصيغ أخرى في إضعاف الجسم الإسلامي السياسي في البلاد. والخلاصة الأوضح في هذا كله هو إما المضي في أن تأخذ تجربة القطبية بين سلطة الجيش وتحالفات الدولة العميقة وغير العميقة، من جهة، والإسلاميين من جهة أخرى، مداها التاريخي والزمني، بإخضاعها للرهان الاجتماعي والانتخابي والامتحان العملي، أو كسر هذه القطبية بالصيغتين، المصرية الراهنة الدامية والجزائرية المعلومة الكلفة.. وبشأن الحواشي، في اليسار وفي التمثيلات الأهلية والمدنية المقدّرة، فتفاصيلُ أخرى.
معن البياري
معن البياري
رئيس تحرير "العربي الجديد"، كاتب وصحفي من الأردن، مواليد 1965.