طرحت السعودية في 28 يوليو/ تموز الماضي، آليةً لتسريع تنفيذ اتفاق الرياض بين الحكومة اليمنية والانفصاليين الجنوبيين، بعد إجبار الشرعية على قبول الشقّ السياسي بتعيين محافظ ومدير لأمن عدن (أحمد حامد لملس ومحمد أحمد الحامدي)، وتسمية رئيس للحكومة المرتقبة. وقبل أيام من انتهاء المهلة المقررة لتشكيل الحكومة وتنفيذ الشق العسكري خلال 30 يوماً، لا توجد أي مؤشرات حقيقية إلى وجود "تسريع" لتنفيذ ذلك. صنعت السعودية، بالتعاون مع الإمارات، اتفاق الرياض في 5 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بهدف شرعنة وجود "المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي. وطيلة 10 أشهر، ظلّت تعمل على تمييع الاتفاق، تارة بطرحه على شكل "بنود" سياسية وعسكرية وأمنية واقتصادية، وتارة على شكل "مصفوفة"، وأخيراً ابتكرت "آلية تسريع".
كان من المفترض أن يتخلل مشاورات تشكيل الحكومة اليمنية المرتقبة، تنفيذ الشقّ العسكري من الاتفاق بالكامل، بخروج القوات الانفصالية من عدن، وفصل القوات المتناحرة في أبين، على أن تعود الحكومة المرتقبة، أواخر شهر أغسطس/ آب الحالي، إلى العاصمة المؤقتة، لكنّ شيئاً من ذلك لم يحدث، بل زاد منسوب العنف جنوباً، على الرغم من أن السعودية أوفدت فريقاً عسكرياً لتنفيذ تلك النقاط.
ويبدو أن الفريق السعودي الذي وصل إلى عدن في 13 أغسطس الحالي، ويرأسه شخص وصفه السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر بـ"الأستاذ"، مجرد وفد شكلي، كما إجراء إرسال الفريق. فالمجلس الانتقالي حصد ما أراده بعد تقديم الشق السياسي، وذلك بتعيين محافظ ومدير لأمن عدن، لكنه لن يسحب ألويته العسكرية وأسلحته الثقيلة من عدن، ولن يفضّ الاشتباك في أبين، بعد عودة المعارك هذا الأسبوع بكافة الأسلحة الثقيلة.
حتى أن أيام العسل بين "الشرعية" والانفصاليين بدأت بالتلاشي، بعد عودة الخطاب العدائي. فقيادات المجلس الانتقالي، التي وقفت، قبل أيام، مثل تلميذ نجيب أمام رئيس الحكومة المكلف معين عبد الملك للتشاور على حصصها، عادت خلال الساعات الماضية لتصف الحكومة اليمنية وقواتها المرابطة في حضرموت بـ"الاحتلال".
جراء التمييع السعودي، لم يتحقق أي شيء جوهري حتى الآن بالآلية الجديدة التي اقتربت من إتمام شهرها الأول، حتى أن محافظ عدن الذي تم تعيينه في أواخر يوليو، وأدى القسم الجمهوري أمام الرئيس عبد ربه منصور هادي، لم يعد إلى عدن التي تئن من عجز الخدمات ولهيب الصيف، في ظل انقطاع التيار الكهربائي المستمر. هناك مصادر تتحدث عن أن السعودية ترفض السماح بعودة المحافظ لملس إلى عدن، قبل أن ينفّذ المجلس الانتقالي الشق العسكري. هكذا تفكر الدولة الراعية لاتفاق الرياض بطريقة تنفيذه، فهي لا تملك أي أوراق ضغط سوى الإقامة الجبرية. ومع تسرب الزمن وغياب الرئيس هادي في رحلة علاجية تقول مصادر حكومية إنها قد تستمر أيضاً من أسبوع إلى 10 أيام قادمة، كان على رئيس الحكومة المكلف أن يقدم خلاصة مشاوراته مع المجلس الانتقالي وباقي الأحزاب إلى رئيس البرلمان سلطان البركاني وهيئة مستشاري الرئيس. طالب البركاني بتشكيل الحكومة في الموعد المحدد، وإنجاز "جميع مضامين" آلية تسريع اتفاق الرياض كمنظومةٍ متكاملة، وتنفيذ الشقين العسكري والأمني وفق الجدول الزمني، كما تحدث رئيس الحكومة المكلف عما سمّاها بـ"التحديات" ورؤيته للتعامل معها، لكن وسائل الإعلام الرسمية لم تفصح عن ماهية تلك التحديات.
في الواقع، لا تريد السعودية لليمن أن يتعافى، وهي أخيراً، بدلاً من الدفع نحو التنفيذ الكامل لاتفاق الرياض وإنقاذ الاقتصاد المتدهور بشكل مريع، تعمل على تفجير بؤر صراع جديدة، آخرها في المهرة وحضرموت.