آفاق الاتفاق السياسي الليبي

آفاق الاتفاق السياسي الليبي

25 أكتوبر 2015

ليبيون في طرابلس يحيون ذكرى غياب القذافي (20 أكتوبر/2015/الأناضول)

+ الخط -
صرح، الخميس 8 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، رئيس بعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا، برناردينو ليون، في الصخيرات المغربية، حيث استُؤنفت المفاوضات بين الأطراف الليبية قبل ذلك بثلاثة أيام، أنّه "بعد عام من الجهود المبذولة من أكثر من 150 شخصية ليبية تمثّل مختلف المناطق، آن الأوان، أخيراً، لاقتراح تشكيلة حكومة وحدة وطنية"، تجمع مختلف الفصائل المتصارعة في ليبيا، ولكن يواجه المُقتَرَح معارضة من العديد فصائل سياسية وجماعات مسلّحة متشدّدة عديدة.
وبعد أربع سنوات من إسقاط نظام معمر القذافي، لا تزال ليبيا غارقة في الفوضى، ومنقسمة بين برلمانين وحكومتين متخاصمتين، إذ يسيطر المؤتمر الوطني العامّ المنتهية ولايته، بدعم من ائتلاف فجر ليبيا، على العاصمة طرابلس، في حين يتّخذ مجلس النوّاب المعترف به من المجتمع الدولي من طبرق شرق البلاد مقرّاً له، ويفترض أنّ يصادق الطرفان على كلّ اتّفاق سياسي، متجاوزين بذلك "الصقور" في المعسكرين. وقد أكد ليون على أنّ مندوبي طرابلس رفضوا اقتراح أسماء لهذه الحكومة، يوم الأربعاء 7 أكتوبر/ تشرين الأول، لمطالبتهم بإجراء تعديلات على المقترح الأممي، في حين رشّح ليون ست شخصيّات لمناصب مهمّة في حكومة الوفاق الوطني، من بينها فايز السرّاج رئيساً للوزراء، وثلاثة نوّاب له.

الهياكل السياسية
تنصّ الوثيقة المقدّمة من بعثة الأمم المتّحدة إلى ليبيا، على الالتزام بمبادئ ثورة 17 فبراير، المتضمّنة في ديباجة الإعلان الدستوري، والمبنية على أساس العدالة والمساواة واحترام حقوق الإنسان، وبناء دولة القانون والمؤسسات، وعلى الالتزام بحماية وحدة ليبيا الوطنية والترابية، وسيادتها واستقلالها، وسيطرتها التامّة على حدودها الدولية، ورفض أيّ تدخّل خارجي في الشؤون الداخليّة الليبية.


1. حكومة الوفاق الوطني

يقتضي الاتّفاق السياسي تشكيل حكومة وفاق وطني، تحدّد ولايتها بعام واحد، بدءاً من تاريخ بدء سريان عمل الاتّفاقية، قابلة للتمديد عاماً واحد، في حال تعذّر تشكيل حكومة بموجب الدستور الليبي، إثر الاستفتاء عليه واعتماده، ويتطلّب سحب الثقة من حكومة الوفاق الوطني موافقة ثلثي أعضاء مجلس النوّاب، ولا تكون هذه الإقالة نافذةً، إلّا بموافقة ثلثي أعضاء المجلس الأعلى للدولة.
يُشكَّل مجلس لرئاسة الوزراء يرأسه رئيس مجلس الوزراء، وبعضوية نائبيه ووزيرين، أحدهما لشؤون رئاسة مجلس الوزراء والتشريع، والآخر لشؤون المجالس المتخصصة، ويتطلّب اتّخاذ أي قرار إجماع رئيس مجلس الوزراء ونائبيه، ويختصّ رئيس مجلس الوزراء بتمثيل الدولة في العلاقات الخارجية، واعتماد ممثّلي الدول والهيئات الأجنبية لدى ليبيا، والإشراف على أعمال المجلس، وتوجيهه في أداء تخصصاته وترؤس اجتماعاته، بالإضافة إلى إصدار القوانين الّتي يقرّها مجلس النوّاب. في حين يختصّ مجلس الوزراء بالقيام بمهام القائد الأعلى للجيش الليبي، وتعيين جهاز المخابرات العامّة وإقالته بعد موافقة مجلس النوّاب، وتعيين ممثلي ليبيا في الخارج باقتراح من وزير الخارجية، وتعيين كبار الموظفين وإعفائهم من مهامهم، وإعلان حالة الطوارئ والحرب والسلم، بعد موافقة مجلس الدفاع والأمن القومي، على أن يعرض القرار على مجلس النوّاب.

2. السلطة التشريعية

تؤكّد الوثيقة المقدّمة من بعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا، على الالتزام بأنّ مجلس النوّاب المنتخب في يونيو/حزيران 2014 هو السلطة التشريعية الوحيدة في البلاد في الفترة الانتقالية، يمارس صلاحياته وفقاً للإعلان الدستوري، وتنصّ أيضاً على انعقاد المجلس، بعد التحاق النوّاب المقاطعين، للنظر في المقرّ المؤقت له، أيّ من الممكن أن يستمرّ انعقاده في مدينة طبرق، إذا لم يتيسّر عقده في مدينة بنغازي (مقرّه الأصلي) نظرًا للظروف الأمنية.
يستمرّ عمل مجلس النواب المكتمل إلى حين انتهاء ولاية حكومة الوفاق الوطني، أو انعقاد الجلسة الأولى للسلطة التشريعية المنتخبة وفقا للدستور الليبي، أيهما أقرب.
ويتطلّب تعيين المناصب السيادية وعزلها (محافظ البنك المركزي، ورئيس ديوان المحاسبة، ورئيس جهاز الرقابة الإدارية، ورئيس هيئة مكافحة الفساد، ورئيس المفوضية العليا للانتخابات، والنائب العام) التئام الحوار السياسي الليبي، بالإضافة إلى خمسة ممثلين عن كلٍّ من مجلس النوّاب والمجلس الأعلى للدولة.

3. المجلس الأعلى للدولة

يُشكَّل بموجب الاتّفاق السياسي، أيضًا، المجلس الأعلى للدولة، المكوّن من 120 عضواً، على أن يتمّ اختيار 90 عضواً من بين أعضاء المؤتمر الوطني العام المنتخبين في يوليو/تموز 2012، ويتمّ اختيار باقي الأعضاء من شخصيّات تحظى بثقة الليبيين واحترامهم، ومعترف بمكانتهم في شؤون الدولة، ولدى المجتمع المدني والقبائل، على أن يراعى في اختيارهم البعد الجغرافي، والمكونات الثقافية، وتمثيل المرأة والشباب.
المجلس الأعلى للدولة هو أعلى جهاز استشاري في الدولة، ويتولى إبداء الرأي الملزم بأغلبية موصوفة في مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية، الّتي تعتزم حكومة الوفاق الوطني إحالتها إلى مجلس النوّاب، ويختصّ مجلس الدولة كذلك بدراسة السياسات والتوصيات اللازمة حول جملة من الموضوعات، واقتراحها (منها دعم الاتّفاق السياسي الليبي، ودعم الوحدة الوطنية، ومكافحة الإرهاب والتطرّف والعنف والإقصاء).

I. المخالفات

يتّضح ممّا سبق ذكره أنّ التوافق أساس المرحلة المقبلة في ليبيا، في حال التوقيع على الاتّفاق السياسي المقدّم من البعثة الأممية. ولكن، تتزايد الانقسامات داخل كلٍّ من المؤتمر الوطني العام ومجلس النوّاب، ناهيك عن الاختلافات القائمة بين الطرفين، ما يجعل اعتماد حكومة الوفاق الوطني أبعد من أيّ وقت مضى.
وقد عزّزت المخالفات الّتي ارتكبتها بعثة الأمم المتّحدة للدعم في ليبيا من الانقسام، إذ ينصّ الاتّفاق المقترح على أنّ حكومة الوفاق الوطني تتكوّن من مجلس للوزراء، برئاسة رئيس الوزراء وعضويّة نائبين له، وعدد من الوزراء. ويقدّم رئيس المجلس الوزاري قائمة كاملة بأعضاء حكومة الوفاق الوطني وبرنامج عملها لمجلس النوّاب، أيّ أن تسمية أعضاء الحكومة تعود إلى رئيسها، لا إلى البعثة الأممية، في حين أعلن المبعوث الأممي عن رئيس مجلس الوزراء وثلاثة نوّاب له، عِوَضَ النائبين المنصوص عليهما، وقدّم مقترحات لحقائب وزارية أخرى، ما رأى فيه بعضهم مصادرة لحقّ الرئيس ونائبيه في تسمية الوزراء، كما تمّ اعتماد المحاصصة الجغرافية في اختيار الرئيس ونائبيه، بينما أعلن ليون عن أربعة أسماء، هم فايز السراج (من طرابلس/المنطقة الغربية/إقليم طرابلس) رئيساً للوزراء، ونوّابه: موسى الكوني (من أوباري/المنطقة الجنوبية/إقليم فزّان)، وفتحي المجبري (من إجدابيا/ المنطقة الشرقية/إقليم برقة)، وأحمد معيتيق (من مصراتة/المنطقة الغربية/إقليم طرابلس).

ولئن سلمنا بأنّ تمثيل مصراتة في الحكومة ضروري، لضمان حماية وجودها في العاصمة طرابلس، باعتبارها تخضع لسيطرتها، فإنّ تسمية معيتيق في مجلس رئاسة وزراء، واقتراح اسمي عبد الرحمن السويحلي وفتحي باشاغا، المثيرين للجدل، لمنصبي رئاسة مجلس الدولة ورئاسة مجلس الدفاع والأمن القومي، من شأنهما أن يعصفا بآمال التوصّل إلى اتّفاق، إذ يثيرا حفيظة سكّان المنطقة الشرقية، ويزيد من تشكيكهم في حياد البعثة الأمميّة، خصوصاً بعد سابقة البيان الّذي دان فيه ليون عمليّة الحتف الّتي أطلقها الجيش الليبي، والّذي اضطرّ إلى التراجع عنه، إثر مظاهرات اندلعت في بنغازي، تحت عنوان "ليون يدعم الإرهاب".
إذن، تلقى الحكومة المقترحة معارضة من المؤتمر الوطني العام الّذي لم يقدّم مرشحيه، مطالباً بإجراء تعديلات على الاتّفاق السياسي، في حين تعهّد ليون بعدم إجراء أي تغيير عليه، وتلقى أيضًا معارضة من مجلس النوّاب، حيث لم يعيّن مرشحه رئيساً للوزراء، ومن المستقلين نظراً للتجاوزات السابق ذكرها. ويبقى السؤال مطروحاً، هنا، عن جدوى مخالفة ليون بنود الاتّفاق السياسي، واقتراح أسماء مثيرة للجدل، يدرك أنّها غير مقبولة من دون الحصول على موافقة من لجان الحوار.

سيناريوهات فشل الاتفاق
انتهت ولاية مجلس النوّاب رسميًّا يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، ولئن مدّد لنفسه، في إجراء غير دستوري، فإنّه قد بلغ هذا التاريخ من دون التوصّل إلى اتّفاق سياسي، مما يضع البلاد في حالة فراغ دستوري، لن يزيد الوضع إلّا تأزّماً. ولم يتمّ أيضاً اعتماد الحكومة المقترحة، حيث ساد الغموض الجلسة الّتي عقدها مجلس النوّاب يوم 20 أكتوبر/ تشرين الأول، والّتي رفض بثّها على الهواء مباشرة. وإن كان نوّاب يشيرون إلى رفض مجلسهم التسميّات الّتي أعلن عنها ليون بشأن حكومة الوفاق الوطني، ومجلس الدفاع والأمن القومي، والمجلس الأعلى للدولة، بالإجماع، فإنّ آخرين يشيرون إلى مجرّد قراءة رئيس مجلس النوّاب، عقيلة صالح، بياناً يرفض فيه المقترحات، من دون أن يتمّ التصويت عليه.
وفي حالة استمرار مجلس النوّاب، سنكون أمام جسمين تشريعيين منتهيي الولاية، ما يزيد من الصراع على السلطة، على غرار ما حدث في السفارة الليبية في القاهرة يوم 21 سبتمبر/أيلول، حين رفض السفير المعيّن من المؤتمر الوطني العامّ تسليم المنصب إلى سفير آخر معيّن من مجلس النوّاب، مصرّاً على أنّ تعيينه شرعيّ، ليطرده الثاني من السفارة بقوّة السلاح، بعد الاستعانة بـ "بلطجية"، ناهيك عن تدهور الوضع الاقتصادي، الناتج عن تراجع إنتاج النفط، وتفشّي الفساد في غياب مؤسسات مراقبة ومحاسبة.
يتمثل السيناريو الأخطر في قيادة الجيش انقلاباً عسكرياً على مجلس النوّاب، المنقسم والضعيف، والحكومة المنبثقة عنه، حيث تتالى المؤشرات عن سيطرة قوّات الجيش على مجريات الأمور في الشرق، مثل منع قوّة مسلّحة رئيس الحكومة، عبد الله الثني، من السفر من مطار الأبرق (شرق) إلى مالطا يوم 15 سبتمبر/أيلول الماضي، لحضور مؤتمر عن النفط، بدعوى وجود أمر بالقبض عليه من القيادة العامّة للجيش، برئاسة الفريق خليفة حفتر، وامتثالاً لتعليمات قائد أركان القوّات الجوية العميد صقر الجروشي، متجاوزة بذلك تعليمات القائد الأعلى للجيش ورئيس مجلس النوّاب، عقيلة صالح، وقد أتت الحادثة على خلفيّة تعيين الثني حسن الصغير وزيراً للخارجية، بدلاً من محمد الدايري الّذي أوقفته هيئة الرقابة الإدارية عن عمله، بتهمة ارتكاب مخالفات مالية وإدارية، قبل أن يعود إلى متابعة أشغاله في الوزارة.
سيزيد الانقلاب العسكري من حدّة الاقتتال، ما من شأنه أن يقضي على أيّ أمل باستئناف العمليّة الانتخابية، ويعلي السلاح على القوانين وصناديق الانتخابات، ويزيد الجماعات المسلّحة تطرّفًا، من دون أن يقضي على الإرهاب. وفي الحالتين، يبقى شبح الانقسام الفعلي قائمًا، فالحرب الجارية، بأبعادها المناطقية والقبلية والجهوية، أبعدت الليبيين عن الاتّفاق على مشروع وطني مشترك.






F98E4A53-498D-4363-857C-A8A3132C2102
بيروت العابدي

كاتبة وناشطة تونسية