تغيرت خارطة الكرة في أوروبا خلال السنوات الأخيرة، وانتقل المنتخب البولندي إلى مستوى أعلى وسط فرق القارة العجوز، بكل تأكيد ليس في مصاف الأباطرة الكبار، لكنه أصبح أكثر قوة وصلابة أمام جميع المنافسين، ليواصل المسيرة المميزة ويصعد إلى يورو 2016، وسط حضور طاغي للمهاجم روبرتو ليفاندوفيسكي ورفاقه، في الطريق نحو فرنسا.
الحلم القديم
تعتبر بولندا من البلدان الرائدة في الرياضة أوروبيا، وتتصدر كرة القدم العناوين لأنها اللعبة الشعبية الأولى هناك، مع تاريخ حافل في الألعاب الأخرى، كسباقات المضمار وألعاب القوى وكرة السلة والكرة الطائرة وكرة اليد والملاكمة والمبارزة والسباحة ورفع الأثقال، خصوصا مع امتلاك الشعب البولندي لبنيان قوي أثر بكل تأكيد على صلابة الرياضيين في مختلف المحافل القارية والدولية.
كان لكرة القدم في بولندا رونق مختلف خلال حقبة السبعينات من القرن العشرين، في جميع أنحاء 1970، عندما حقق المنتخب البولندي لكرة القدم أفضل النتائج في كأس العالم 1974، وقتها حقق البولنديون المركز الثالث في المونديال بعد الفوز على البرازيل بهدف دون رد، كذلك فاز الفريق بالميدالية الذهبية في كرة القدم في دورة الالعاب الأولمبية الصيفية عام 1972، بالإضافة إلى المركز الثالث والميدالية البرونزية في منافسات مونديال 1982، بعد الفوز على فرنسا بثلاثة أهداف مقابل هدفين.
"الحلم وحده" هذه الكلمة التي يستخدمها آدم ناوالكا مدرب المنتخب البولندي، عند حديثه عن الطفرة الواضحة في الكرة هناك، بالنظر للفرحة الكبيرة التي سادت الأجواء بعد التأهل إلى نهائيات اليورو، والشيء الأكيد هو أن اللاعبين الذي يحملون رمز النسر على صدورهم، وفي مقدمتهم قائدهم سيكافحون حتى الرمق الأخير من أجل حلمهم الكبير، ليعود ويؤكد المدير الفني أن بولندا دولة لها أصولها الكروية، وتفتخر بتاريخها العريق في هذه اللعبة، وبالتالي لا عجب أبدا من القتال حتى استعادة هذه المكانة المرموقة.
طريق ناوالكا
وضع الاتحاد البولندي لكرة القدم كامل رهاناته على آدم ناوالكا بعد يورو 2012، مدرب وطني صلب قاد فرق محلية إلى المجد، يعرف كل كبيرة وصغيرة عن لاعبي البلد، ويمتاز هذا الرجل بالصرامة الشديدة التي ساعدته على التعامل مع النجوم الكبار في المنتخب، ومحاولة جعلهم قدوة ومثلا أعلى للصغار والمحليين، من أجل صناعة فريق جماعي قادر على المنافسة والفوز.
يقول ناوالكا عن بداية تجربته، "اجتمعت بالكبار أولا، وعاهدتهم على ضرورة بذل أقصى جهد من أجل بلدهم، ثم وضعت تجربتهم أمام الجميع، حتى يعرف كل لاعب أن الالتزام هو الباب الوحيد للعبور إلى التشكيلة الأساسية، وبالتالي يشارك ليفاندوفيسكي، ميليك، كورشياك، والبقية، لأنهم يبذلون مجهودا مضاعفا من أجل ذلك، لا لكونهم نجوما يلعبون مع أشهر الفرق الأوروبية".
تتحدث المدونة الرياضية البولندية عن البطولة في فرنسا، مع محاولة إعادة تمثيل أحد أشهر الأفلام الرياضية، بيليه وستالون والفيلم المعروف باسم "الهروب إلى النصر"، وبالنسبة لنجوم المنتخب البولندي يكفي فقط هذه الكلمة، "النصر" التي قال عنها آدم ناوالكا "لا تحتاج إلى أي شخص آخر من أجل التحفيز أو شرح ما تعنيه، مجرد إصبعين على شكل حرف V، تجاه الفائز البولندي"!
المرونة الخططية
صعدت بولندا إلى اليورو بعد حصولها على المركز الثاني في المجموعة خلف ألمانيا، ويمتاز الفريق بطريقة لعب مرنة للغاية، من خلال اعتماد المدرب على رسم خططي قريب من 4-2-3-1، بالرهان على مهاجم قوي وصريح بقيمة ليفاندوفيسكي، يستطيع تسجيل الأهداف من أنصاف الفرص، ويزاحم المدافعين في الهواء من أجل فتح الطريق أمام زملائه، وبالتالي يسجل البولنديون أهدافا عديدة عن طريق ليفا وأكثر من لاعب آخر.
وتلعب بولندا بأسلوب قائم على صانع لعب صريح في المركز 10 بالملعب، مع جناح صريح على الخط في الغالب يكون جاكون بواشتشيكوفسكي، بينما ينطلق الشاب ميليك نجم أياكس على الطرف الآخر، كلاعب مائل للرواق على الورق، بينما يدخل كثيرا بجوار ليفا كمهاجم آخر، في تحول صريح إلى 4-4-2 في الحالة الهجومية.
سجل الفريق 33 هدفا في 10 مباريات بالتصفيات، ودخل مرماه 10 أهداف، لكن كل شيء سيكون مختلفا في اليورو، خصوصا مع زيادة التحديات وصعوبة المنافس، لكن المنتخب المميز يعرف هذا جيدا، ويؤكد ناوالكا أن المجموعة تدرك حجم التحديات، وتريد فعل شيء مختلف هذه المرة، مع زيادة خبرة معظم اللاعبين وارتفاع نسق الأداء من مباراة إلى أخرى، مع خاتمة تبدو مناسبة جدا للمشهد الحالي، "نحن نحترم الجميع لكننا لا نهاب أحدا"!