آخر شخص يعرف كيف يمسك القلم

آخر شخص يعرف كيف يمسك القلم

09 فبراير 2020
+ الخط -
"لقد كان آخر شخص يعرف كيف يمسك القلم". إحالة واضحة على إمكانية سقوط فعل الكتابة باعتباره نشاطاً جوهرياً للإنسان إلى مستوى دوني، لا يعبر عن دوره أو قيمته لدى الفرد وأثره في الجماعة. هل من المحتمل وقوع هذه الزلة. أكيد. وبشكل حتمي إذا كان ممثلو الكتابة والمنتسبون لطبقة المبدعين هم أول من يسيء لقداسة الكتابة.

الداعي لهذا الحكم ملاحظة على شكل عيب، تلتقطه عينٌ واعية عند بعض الكتاب العرب الذين يرفقون اسمهم الشخصي بصفات من قبيل الكاتب الفلاني أو الروائي كذا أو الشاعر العلاني.. وكأنهم بهذا الشكل متهمون يشهرون هويتهم وبالتالي براءتهم ونزاهتهم لشرطة الإبداع. أو لعلهم يتشدقون بألقاب في اعتقادهم أنها هي من تجسد شرفهم ومصدر فخرهم.

والحال أن فضيلة الكتابة الوحيدة هي فعلها. ما تقدمه من قيمة مضافة سواء منفعياً أو جمالياً. فقد يكون الحديث عن الذات وسيلة لإخفائها. هي واحدة من تعليمات كاتب حقيقي هو نيتشه. فيها دعوة للإعلان عن الذات من خلال العمل والخلق والإبداع.


تلك تداعيات وانطباعات توحي بالكشف عن ضروب خلل هوياتي لدى بعض الكتاب ووجب تنبيههم، بل وتأنيبهم عليه من باب عتاب الأحباب ابتغاء الإصلاح لا الفضيحة. لذلك باستطاعتنا إجمالها في بنود على النحو التالي:

إني أشجب سعيكم للتجمل بالألقاب أيها الكتاب العرب. لأنه انتحال لهوية وتميز مزيف عليه في الحقيقة أن يعلن عن نفسه في عقول وألباب الناس دون الحاجة إلى تزكية اسمية: فلم نسمع يوماً بالدكتور ألبرت أينشتين أو العلامة ستيفن هوكينغ أو الكاتب همنغواي. الشاعر غوته أو الروائي كونديرا، ما دامت عظمتهم كأشخاص ومبدعين تبرهن على قيمتهم. ولأن تفاصيل من هذا النوع مهمة ودالة بقوة عن أزمة اعتراف ووجود ما دام الشيطان يسكن التفاصيل. لا مناص من تتبع أنماط أخرى لها.

إني أحاسبكم على اشتراطكم توفر الشخص على قُبعات من نوع خاص، حتى يدخل زمرة الكتاب والمثقفين والقراء. يكون لونها متناسقاً مع قهوة سوداء دلالة على العمق. يتم التشهير بصورها كربيب الإبداع. في وقت كتب الناس أعمالاً خالدة وهم يأكلون التمر والماء.. ويا ريت رافق القهوة إبداع حقيقي.. إلا أنكم تكشفون الواضح وتكتمون الفاضح. الواجب نبشه وتعرُق العقل في سبيله..

بعثتُ يوماً بمقال من أجزاء أنجزته حول رواية واسيني الأعرج: "سيرة المنتهى.. عشتها كما اشتهتني". لأتفاجأ برفض نشرها. بدلها وجدت مقالاً حول انتقال اللاعب "ماندزوكيتش" إلى الدحيل القطري!. هوني عليك يا منابر الإعلام النشر. كشف الحساب القيمي قادم معك لا محالة لاحقا. أما الحين. فلنكمل محضر العتاب إزاء الكتاب. الذي وصلنا به مستوى الشقاق. والذي أفضله على المحاباة والنفاق.

فعلا. أخاصمكم يا طائفة الكتاب الأحباب شر خصام. لأني وأنا أقرأ مؤلفاتكم ألاحظ احتلالكم لمساحة الورقة بأكملها. مُضيقين الهامش إلى أقصى حد، حتى لا نعلق عليكم أو نعبر لكم. وأنتم بذلك تُجسدون أول دعاة للإقصاء، أولياء للاستبداد والتفرد بالسلطة والمعنى وليس أولئك الحكام الذين تنتقدونهم.. تذكرواً جيدا قول القرآن: "وهم ينهون عنه وينأون عنه".

استبداد من هذا النوع ولا بد له من استدعاء رديفه الأنانية. فأنا متتبع لكثير من صفحات الكتاب العرب. واسيني الأعرج. أيمن العتوم. أحلام مستغانمي. طارق بكاري، وآخرون. لا نجد لديهم أي اعتراف وإشارات لإبداعات آخرين. اللهم الإصرار على تقديم أعمالهم الذاتية فقط. ألا تعلمون مع كونديرا وهو واحد منكم وفي لصفته ككاتب حقيقي. قد أكد مراراً أن الأنانية تُنتج فواهة على شكل دوامة، تمتص إلى جوفها كل المحيطين بصاحبها وفي الأخير تبتلعه هو نفسه. فما لكم كيف تحكمون؟.

دلالات