آخر أعياد سيناء!

آخر أعياد سيناء!

28 ابريل 2019
+ الخط -
تحتفل مصر في 25 إبريل/ نيسان من كل عام بعيد تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي، ورفع العلم المصري عليها في نفس اليوم من عام 1982. وبقيت "طابا" رهن التحكيم الدولي حتى استردتها مصر عام 1989.

وفضلاً عن كون هذا اليوم عطلة رسمية في مصر، فإن فعاليات الاحتفال به تتضمن تقديم التهنئة والشكر للقوات المسلحة المصرية، وإقامة احتفال رسمي كبير يحضره رئيس الجمهورية ويقوم بإلقاء كلمة بهذا الصدد. كما يتضمن ذلك الاحتفال العديد من الفقرات الغنائية والفنية بهذه المناسبة، ولعل من أشهر الأغاني الوطنية المرتبطة بهذه المناسبة ما غنته المطربة الراحلة "شادية" في أول احتفال بعيد تحرير سيناء عام 1982 بعنوان "مصر اليوم في عيد"، ومن كلمات هذه الأغنية أكثرها ارتباطاً بوجدان الشعب المصري "سينا رجعت كاملة لينا".

فهل حقاً عادت سيناء كاملة للسيادة المصرية؟

هناك العديد من الحقائق التي تثبت تناقص السيادة المصرية على سيناء منذ الإعلان الرسمي عن قيام "دولة إسرائيل" في 14 من مايو/ أيار عام 1948، إذ قامت قوات إسرائيلية في 10 مارس/ آذار عام 1949 بالاستيلاء على قرية "أم الرشراش" المصرية ورفعت عليها علم إسرائيل وأطلق عليها لاحقا اسم "إيلات".


ورغم تناسي البعض لمصرية "أم الرشراش" إلا أنها بقيت حية في وجدان المصريين والكثير من السياسيين والخبراء العسكريين والاستراتيجيين. ومن هؤلاء الرئيس المخلوع محمد حسني مبارك الذي صرح عام 1997 أن أم الرشراش مصرية.

كما صرح مستشاره للشؤون السياسية "أسامة الباز" أن مصر سوف تلجأ إلى استخدام ذات الأساليب التي حررت بها طابا لاستعادة أم الرشراش. فضلا عن وثائق بريطانية أعلنت عام 2000 تؤكد تنازل الرئيس السابق جمال عبد الناصر عنها لإسرائيل، وهو نفس الأمر الذي أكده قائد قوات حرس الحدود اللواء أركان حرب "أحمد إبراهيم محمد إبراهيم" في يوم السادس من أكتوبر/ تشرين الأول عام 2013، حين أكد مصرية أم الرشراش وبرر التنازل عنها لكونها المنفذ الوحيد لإسرائيل على البحر الأحمر.


وفي 24 إبريل/ نيسان عام 2011، نشرت صحيفة اليوم السابع مقالا للكاتبة هناء أبو العز أشارت فيه إلى قيام عدد من القوى السياسية والمدنية بتكوين جبهة لاستعادة أم الرشراش، إلا أنه - وفقاً للمقال - تم التعتيم على الأمر وسط تهديدات من أمن الدولة. وفي عام 2012 اعتصمت الجبهة بميدان التحرير في الذكرى الثالثة والستين لاحتلال أم الرشراش، كما أثار البرلماني صابر أبو الفتوح نفس القضية بمجلس الشعب.

كذلك تمثل انتقاص السيادة المصرية على سيناء أيضا في اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية والمعروفة باسم "كامب ديفيد" عام 1979، إذ تنص المادة الرابعة منها على محدودية التسليح المصري في سيناء وعلى تولي قوات تابعة للأمم المتحدة مهمة التأمين فيها. وكذلك على عدم سحب هذه القوات إلا بموافقة مجلس الأمن، بما في ذلك التصويت الإيجابي للأعضاء الخمسة الدائمين بالمجلس، وذلك ما لم يتفق الطرفان على خلاف ذلك. وبذلك فلم تكن سيناء تحت السيادة المصرية المدعاة منذ توقيع تلك الاتفاقية.

وازداد الأمر سوءا، وتناقصت السيادة المصرية على سيناء وخليج العقبة عقب الانقلاب العسكري عام 2013، ففي إطار سعيه لاكتساب شرعية خارجية تنازل نظام الانقلاب بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي عن جزيرتي تيران وصنافير المصريتين للسعودية. الأمر الذي وثقته محكمة القضاء الإداري في حكمها التاريخي بمصرية الجزيرتين وببطلان اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية.

أما الداخل السيناوي فقد ناله الكثير من الدمار من جانب قوات نظام الانقلاب العسكري من ناحية، ومن الجيش الإسرائيلي من ناحية أخرى. وقد اعترف السيسي في لقائه مع قناة "سي بي سي" الأميركية أن إسرائيل تقوم بهجمات عسكرية في سيناء بموافقة النظام في مصر. كما قام نظام الانقلاب بتدمير جزء كبير من سيناء وتهجير أهلها مستخدماً ذريعة محاربة الإرهاب، في حين أن واقع الحال يدل على رغبة النظام في تمهيد الأرض لإتمام "صفقة القرن" التي يدعمها بشدة كما صرح السيسي في أثناء أحد لقاءاته بالرئيس الأميركي دونالد ترامب. تلك الصفقة التي تتنازل فيها مصر عن جزء كبير من سيناء لإقامة دولة فلسطينية.

وهكذا يمكن القول إن سيناء لم تكن أبدا تحت السيادة المصرية الخالصة منذ قيام "دولة إسرائيل"، وإن نظام الحكم العسكري لمصر منذ 1952 حتى الآن قد أبقاها ظهيراً استراتيجياً مفيداً لإسرائيل، وحرمها من أي تنمية حقيقية تذكر. وبقراءة مجريات الأمور وتحليل تطوراتها ومع اقتراب إتمام صفقة القرن، فإن الاحتفال بعيد تحرير سيناء 2019 قد يكون الأخير من نوعه إذا ما تمت تلك الصفقة.

دلالات