"11 سبتمبر"... المنتظر

"11 سبتمبر"... المنتظر

10 سبتمبر 2016
+ الخط -
كان "الروتين" مهيمناً في العالم، بعد سقوط الاتحاد السوفييتي وكتلته الشرقية، مطلع تسعينات القرن العشرين. دام الروتين نحو 10 سنوات، عدا بعض العمليات "الاعتيادية" في العراق، ويوغوسلافيا السابقة، وحروب متفرقة من الشيشان إلى بعض دول القوقاز والصومال وغيرها. كانت الأخبار عن ارتكاب تنظيم القاعدة اعتداءات عدة شرقاً وغرباً، من "لوازم" استمرار الحياة السياسية العالمية، إلى الحدّ الذي وُضعت فيه الولايات المتحدة في قلب المعركة.
في 11 سبتمبر/أيلول 2001، غيّرت أربع طائرات مجرى التاريخ الأميركي المعاصر، واستطراداً الغربي. سقط برجا التجارة العالمية بهجوم طائرتين. هوجمت وزارة الدفاع (بنتاغون) بطائرة. وفشلت طائرة في الوصول إلى البيت الأبيض. وكما حصل بعد الهجوم الياباني على بيرل هاربر الأميركي في جزيرة هاواي، في 7 ديسمبر/ كانون الأول 1941، حصل بعد سبتمبر الأسود. في الأولى، بدّل الأميركيون مسار الحرب العالمية الثانية (1939 ـ 1945)، وصولاً إلى تقاسم السيادة على الكوكب مع السوفييت. وفي الثانية، بدأ عصرهم الأوحد الذي نشروا فيه قواتهم في مناطق نفوذ سابقة للاتحاد السوفييتي. وُضعت أسس العقد الأول في القرن الحالي، لدى تهاوي برجي التجارة في نيويورك. انتقل الصراع من أيديولوجي إلى ديني، وقَفَلَ العالم عائداً من مفاهيم اليسار الاجتماعية وتغلغل بعض مبادئها في الأيديولوجيات اليمينية، إلى عالم مشابه للقرون الوسطى في أوروبا، أو عصر ما قبل التنوير.
إثر "11 سبتمبر"، تحدث الرئيس الأميركي، جورج دبليو بوش، عن "حرب على الإرهاب تستمرّ عشر سنوات". غادر بوش وجاء باراك أوباما وسيغادر بعد أقل من ثلاثة أشهر. السنوات العشر تحوّلت إلى 15، مستولدة روتيناً جديداً، لن يكسره سوى فعل مشابه لبيرل هاربر و"11 سبتمبر".
"الفعل المشابه" يتنامى ديناميكياً. تُحفّزه الهجمات التي شنّها تنظيم داعش في أوروبا في العام الأخير. كل المؤشرات تدلّ على أن "أمراً ما" سيحصل، ويُبدّل المسار الحالي. المعالجات الأوروبية لاعتداءات فرنسا وبلجيكا وألمانيا غير قادرةٍ على مواكبة المخاطر الإرهابية. تماماً كما حصل مع الولايات المتحدة قبل "11 سبتمبر". حينها، برزت دلائل عدة على محاولة ضرب بلاد العم سام، لكن الأميركيين لم يقتنعوا بذلك. والتقليل من قيمة العدو يجعلك خاسراً كبيراً، وهو ما حصل في 11 سبتمبر/ أيلول 2001.
لم يعد السؤال "هل سيحصل أمر مشابه لبيرل هاربر أو 11 سبتمبر؟"، بل "متى سيحصل ذلك، ومن سيتلقى الضربة عن العالم؟". وحتى أنه يُمكن الحديث عن "العناصر" التي ستواجه الضربة المقبلة. في الولايات المتحدة، بات دونالد ترامب قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى البيت الأبيض، مع ما يعنيه ذلك من ترجمةٍ للأفكار المتطرفة التي نشرها طوال حملته الانتخابية. مع العلم أنه في حال وصول هيلاري كلينتون إلى البيت الأبيض، فسيكون ذلك بأفكار ترامب أيضاً. في صورة مشابهة لترجمة نيكولا ساركوزي، في عهده الرئاسي في فرنسا (2007 ـ 2012) بعض أفكار جان ماري لوبان.
من الولايات المتحدة إلى فرنسا وألمانيا وبريطانيا، تبدو عسكرة الكيانات بسبب "داعش" وملف اللجوء أقرب إلى التحقق. تحولت بعض المدن الأوروبية إلى ثكناتٍ عسكرية كبرى، وكأن تراجع التنظيم وهزائمه في العراق وسورية لا تمنح الارتياح اللازم لتلك الدول. ما يوحي وكأن نهاية "داعش" مجرّد بداية جديدة لتنظيم أو فئات أخرى. عدا ذلك، الضربة المعنوية التي تلقاها العالم في علم الاجتماع تسمح باستيلاد مزيد من الإشكالات العرقية والدينية، من ميسوري في الولايات المتحدة إلى باريس الفرنسية، وباتت ثلاثية العرق والدين والقومية أكثر من مجرد نقاش أكاديمي، بل أسباب تفجيرية لخلافات عتيدة. وكأن التطور العلمي لم يُسهم في كسر الحدود بين الناس، بقدر ما ساهم في تأجيج النزعات العنفية بينهم. وفي ظلّ غياب أي أفق حواري، بات شكلٌ من أشكال "11 سبتمبر" جديد متوقعاً.
6F7A33BD-9207-4660-8AF7-0EF5E3A4CD6C
بيار عقيقي
صحافي لبناني، عمل في صحف ومجلات ودوريات ومواقع لبنانية وعربية عدّة. من فريق عمل قسم السياسة في الصحيفة الورقية لـ"العربي الجديد".