".. فلماذا إذن يرأس مَلِكُهُمْ لجنة القدس؟"

".. فلماذا إذن يرأس مَلِكُهُمْ لجنة القدس؟"

10 فبراير 2020

مسيرة مغربية في الرباط ضد خطة ترامب (9/2/2020/الأناضول)

+ الخط -
"قضية الصحراء هي القضية الأولى للمغرب.. ولا ينبغي أن نكون فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين أنفسهم". بهذا أجاب وزير الخارجية المغربي، ناصر بوريطة، مستشارين عن حزب العدالة والتنمية، عبروا عن أولوية القضية الفلسطينية بالنسبة للمغرب. وأثارت تصريحات الوزير جدلا واسعا في الأوساط المغربية، على اختلاف ألوانها وأطيافها. ولعل أقوى رد جاء على لسان القيادي في الحزب الاشتراكي الموحد، محمد حفيظ، فقد وصف موقف الوزير بـ "البئيس دبلوماسيا"، وتساءل في تدوينة: إذا كان بوريطة ينصح المغاربة بأن لا يكونوا فلسطينيين أكثر من الفلسطينيين، فلماذا إذن يتحمل ملكهم عبء رئاسة لجنة القدس؟. 
الخطير في تصريحات الوزير أنها تُعارض موقف الملك محمد السادس الذي يضع القدس، لب القضية الفلسطينية، في مرتبة ملف الصحراء، القضية الأولى للدبلوماسية المغربية. وقد قال في افتتاح الدورة العشرين للجنة القدس يوم 17 يناير/ كانون الثاني 2014 في مراكش: "قضية القدس أمانة على عاتقنا جميعا، حيث جعلناها في نفس مكانة قضيتنا الوطنية الأولى، وأحد ثوابت سياستنا الخارجية". وبقدر ما أبدى بوريطة ارتياحه في التعبير عن رأيه المناقض لموقف الملك، المستفز لمشاعر المغاربة، المتضامنين مع الرفض الفلسطيني لخطة الاستسلام للاحتلال، بقدر ما بدا متشنجا تجاه استفسارات بشأن مزاعم صفقة ثلاثية بين أميركا والمغرب وإسرائيل، حسب القناة 13 الإسرائيلية يوم 3 فبراير/ شباط الجاري، أن رئيس الحكومة 
الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، يسعى إلى صفقة يحصل بموجبها المغرب على اعتراف إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، بالسيادة المغربية على الصحراء في مقابل تطبيع للعلاقات بين الرباط وتل أبيب. وبرّر بوريطة رفضه الإجابة عن هذه المزاعم الخطيرة بأنه غير مُلزَم بتوضيح أخبار صادرةٍ عن جهات غير رسمية. وفي هذا الرفض استخفافٌ بحق المغاربة في معرفة الحقيقة بشأن ما تتداوله وسائل إعلام دولية ومحلية من أخبار تسيء لسمعة البلاد، حكومة وشعبا.
وليست هذه المرة الأولى التي تصمت فيها السلطات المغربية إزاء ما يفشيه الإعلام الإسرائيلي بشأن بلدهم. وما زال المغاربة ينتظرون نفيا رسميا لمزاعم الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية، شلومو غازيت، قبل أربعة أعوام، إن الملك الراحل الحسن الثاني قد مكّن إسرائيل من الحصول على تسجيلات سرّية لما دار في القمة العربية في المغرب عام 1965، بما في ذلك تقييم القدرات الدفاعية للدول العربية، ما سهّل انتصار إسرائيل في حرب 1967. وما زال المغاربة يطالبون بكشف الحقيقة الكاملة لاغتيال المعارض المغربي، المهدي بن بركة، عام 1965، ودور المخابرات الإسرائيلية في الجريمة، إلى جانب نظيرتيها المغربية والفرنسية. وما زال المغاربة يتساءلون عن حقيقة آخر أخبار مسلسل التطبيع السرّي مع إسرائيل، المتمثلة في اقتناء الحكومة ثلاث طائرات بدون طيار إسرائيلية بقيمة 48 مليون دولار، حسب الموقعين، الإسرائيلي "Israel Defense"، والفرنسي "Intelligence Online".
قد يؤكد صمت بوريطة الشكوك بدل أن يدحضها. أما محاولته زج قضيتي الصحراء وفلسطين 
في معادلةٍ يُغَلِّب فيها الأولى على الثانية، وكأنهما في تماسّ ومنافسة، فصادمة وغير مسبوقة في تاريخ الدبلوماسية المغربية، فأولوية الصحراء لا تتعارض مع مناصرة الشعب الفلسطيني وهو يواجه منعطفا مصيريا، اللهم إذا تأكّد خبر صفقة المقايضة. عندها، سيكون حكماء البلاد قد ارتكبوا خطأً تاريخيا، فالاستنجاد بوساطة مجرم حرب من صنف نتنياهو وسلطة رئيس مثل ترامب، يفتقد الحد الأدنى من المصداقية، وينتهك القوانين الدولية والمواثيق الأممية، لن يخدم قضية الصحراء بقدر ما سيضرّ بها. اعتراف رئيسٍ بمغربية الصحراء، وقد اعترف بسيادة المحتل الإسرائيلي على القدس والجولان، يزكّي موقف "بوليساريو" الذي يرى المغرب "قوة احتلال في الصحراء"، يريد الانفصال عنها وإنشاء دولة مستقلة. إقحام نتنياهو وترامب في هذه القضية البالغة الأهمية سيقيم موازاة خطيرة بين وضعي فلسطين والصحراء، ويضع المغرب وإسرائيل في خندق واحد، الاحتلال. وربما هذا بالضبط ما يعمل عليه الثعلب نتنياهو.
أي رهان على رئيس يُشَرْعِن الاحتلال خاسر، خصوصا إن خسر ترامب الانتخابات الرئاسية المقبلة أمام مرشح ديمقراطي قد يسحب الاعتراف الأميركي بمغربية الصحراء بمجرّد تسلمه 
السلطة، مثلما فعل ترامب ببعض قرارات الرئيس السابق، باراك أوباما. ثم من قال إن هذا الاعتراف سيحسم الملف المطروح أمام أعضاء مجلس الأمن؟ لقد ولّى زمن هيمنة واشنطن على صنع القرار داخل الأمم المتحدة وخارجها، فالمجلس منقسم على نفسه حتى الشلل، ومن شأن كل من فرنسا وروسيا والصين أو المملكة المتحدة أن تعطل أي قرار أميركي.
إذا حَمَلَ المسؤولون المغاربة هذه المعطيات وغيرها على محمل الجد، فسيطلبون من نتنياهو الابتعاد عن ملف الصحراء، والكفّ عن الدفع بالمغرب نحو الهاوية، وسيتمسّكون أكثر بموقف بلدهم تجاه القضية الفلسطينية، والذي لا يقبل المساومة والمقايضة، فلم يعد الفلسطينيون يعولون كثيرا على دعم القيادات العربية لهم، ولا يطلبون من أحد أن يكون فلسطينيا أكثر منهم. كل ما يرجونه اليوم، وقد سقطت آخر ورقة توت عن عورات الإخوة الأعداء، أن يكفّ العرب عن غدرهم والمتاجرة بقضيتهم العادلة.
D3DB8A51-4A38-4CFE-8FF7-F3890E6C424F
D3DB8A51-4A38-4CFE-8FF7-F3890E6C424F
عائشة البصري
كاتبة وإعلامية مغربية، ناطقة سابقة باسم بعثة الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة في دارفور وحائزة على جائزة رايدنهاور الأمريكية لكاشفي الحقيقة لسنة 2015.
عائشة البصري