"يوميات" جديدة لكافكا

"يوميات" جديدة لكافكا

09 يونيو 2020

فرانز كافكا (1883 - 1924/ Getty)

+ الخط -
صدرت في بداية هذا العام ترجمة فرنسية جديدة ليوميات فرانز كافكا (840 ص، ترجمة روبير كان، دار نوو) التي سبق أن صدرت في نسختين، أولى عام 1945، ثم ثانية موسّعة عام 1954 عن دار غراسيه. المختلف بين الطبعتين الأوليين و"يوميات" أن الطبعة الأخيرة تجمع الدفاتر الاثني عشر التي دوّنها كافكا ما بين 1910 و1922، متخلّصة من "الرقابة" التي مارسها صديق كافكا، ماكس برود، على النسخ الأصلية، ومعيدةً إليها كل ما اقتُطع منها مما اعتبر "فضائحيا"، وبالتحديد ما كتبه عن بيوت البغاء، أو من يوميّ حميميٍّ خاص له أحيانا علاقة بصعوبة الكتابة، أو واضعة إياها بالترتيب الزمني الأصلي لكتابتها، وليس بذاك الذي صمّمه برود. أيضاً، يجمع الكتاب كلَّ النصوص المتجزّئة المكتوبة ما بين عامي 1922 و1924، باستثناء "القصر".
صبيحة يوم وفاته في 3 يونيو/ حزيران 1924، كان كافكا ما زال يعمل على تصحيح نص "جوزفين، المغنية"، إذ كان يحيا إحدى أكثر الفترات إنتاجاً، على الرغم من تدهور صحته بسبب إصابته بالسلّ، وتراجع أحواله المادية بشكل كبير. ففي نهاية نوفمبر/ تشرين الثاني من العام السابق، كان قد كتب وصيةً جديدةً عهد بها إلى صديقه ماكس: "من بين كل ما كتبت، وحدها تملك قيمة الكتب الخمسة التالية (...) لكن هذا لا يعني أني أريد إعادة طبعها وانتقالها إلى حقبٍ تالية، بل على العكس.. في المقابل، كل ما تبقى وكل ما كتبته ويوجد هنا.. ينبغي حرقه دونما استثناء"...
بالطبع، ولحسن حظنا، لم ينفّذ ماكس برود وصية صديقه، فكان أن نفدت كل هذي النصوص الرائعة من النار، مع أن دورا، عشيقة كافكا، كانت قد أحرقت جزءا كبيرا منها بحضوره، عندما أقاما في برلين.
وكافكا الذي لم يكن يتّبع مخطّطا في الكتابة، ويرمي إلى بلوغ حدٍّ أقصى من السيولة والعفوية، كان لا يعود إلى مراجعة مخطوطاته أو تصحيحها أو إضافة أي مقاطع لاحقة إليها، ساعيا إلى إدراك مثاله في الكتابة من جديد، أي ذاك الذي اعتبر أنه بلغه عندما كتب في ليلة واحدة (22/ 23 سبتمبر/ أيلول 1912) وبدفقٍ متواصل من العاشرة مساء وحتى السادسة صباحا، أقصوصة "الحُكم"، على دفترٍ من دفاتر يومياته التي كان يضمّنها كل ما يرد في باله أو يعمل عليه، من دون التمييز بين كونها نصوصا أدبية أو انطباعات يومية.
في فترته الأخيرة (1922 - 1924)، نقع على نصوصٍ مبتورةٍ ومنقطعة فجأة، أو على صيغتين من القصة نفسها من دون وجود فروقاتٍ بيّنة ما بين النصّين، أو أحيانا على تكملة قصةٍ كان قد توقف فجأة عن كتابتها، وهو ما يشير إلى أنه كان يتأرجح دوما بين شعورين متعادلين بالسهولة والصعوبة، بالانقطاع والدفق، ما يعني ربما أنه ككاتب، على عكس كثر سواه (نذكّر بأنه كان معاصرا لبروست وجويس) لم يكن ينحو إلى بناء "أعمالٍ" أدبية بالمعنى الكلاسيكي للكلمة.
وعلى الرغم من كثافة الكتاب، بإمكان القارئ أن يدخل في "يوميات" كافكا في طبعتها الجديدة، كما يدخل متنزّهٌ في قلب حديقةٍ أو غابة، وأن يتقدّم فيها من دون أن يقصد وجهة معينة، أو هدفا بعينه، وهو سيكون بذلك أقرب إلى النبض الأول للأسلوب الكافكوي، وإلى البعد الحقيقي، الأصلي والأصيل، لكل مراحل وأبعاد تشكّله. أيضا، سيكون الكتاب بمثابة دعوة إلى إعادة قراءة بعض روايات كافكا التي يهيمن همّها وهاجسها على اليوميات، مثل "الحكم" و"المحاكمة" و"مستعمرة العقاب" حيث نتلمّس الملاحظات، والحماس والتردّد والخشية والشكّ،.. إلخ. "أنا أمام الحدود النهائية التي ينبغي لي أن أجلس ربما أمامها خلال سنوات، لكي أستطيع من ثم ربما إعادة كتابة قصةٍ جديدةٍ ستبقى بدورها غير منتهية".
نجوى بركات
نجوى بركات
كاتبة وروائية لبنانية ومؤسسة محترف "كيف تكتب رواية"