"يبعتلك" لـ غادة غانم... دعاء الحجر الصحي ضد الفاسدين

"يبعتلك" لـ غادة غانم... دعاء الحجر الصحي ضد الفاسدين

10 يوليو 2020
السوبرانو اللبنانية معروفة بانخراطها في صفوف العمل السياسي الاجتماعي (العربي الجديد)
+ الخط -

قبل أيام، أطلقت الفنانة اللبنانية غادة غانم في قناتها الخاصة على يوتيوب فيديو لأغنية جديدة بعنوان "يبعتلك"، تم إعداده بتجهيزات بسيطة وبصناعة منزلية فرضها واقع الحجر الصحي والانهيار الاقتصادي في لبنان.

يبدأ الفيديو مع غانم تتلو نصّاً في دفتر خواطرها، يقول: "طلع اللي عم يسرق الدولة عازم الدولة عالعشا، والدولة قبلت العزيمة... شو يعني؟"، ثم تفتتح الأغنية تقسيمة قانون تنطلق من بعدها الفنانة بموّال من كلمات الشاعر شحادة عبّود. ورغم أن الموّال يعود إلى خمسينيات القرن الماضي، إلّا أن كلماته ما زالت تنطبق على واقع لبنان اليوم، وهو المنقسم ما بين زعماء طوائفه ويتنازع على تقاسم غلاله حيتان المال. يقول الموّال: "يا مفكرين الغشّ إيّامه طوال وعم ترشقونا بالسهام الجارحة/ ويا مجمّعين من دمنا المسكوب مال وعيونكن صوب الخيانة سارحة/ ما عاد عنا عالمصائب احتمال ومنّا اسمعوا جملة كلام مصارحة/ ولاد الحقيقة ترعرعوا وصاروا رجال واليوم صفّى غير يوم مبارحة". بعد ذلك، تنطلق الفنانة غانم بغناء "يبعتلك"، المصوغة كدعاء تصفه الفنانة بأنه "دعاء في زمن كورونا كردّة فعل للأوضاع الرديئة التي يمرّ بها البلد وللإضاءة على مستوى المسؤولين غير المسؤولين".

وفيما يعود لحن الأغنية للفنانة غانم، ينسب نصّها لمجموعة مواطنين يحلمون بدولة مدنية. تمثّل أغنية "يبعتلك" خطاباً عن لسان مواطن يدعو الله أن ينتقم ممن قام بسرقة وتجويع الشعب دافعاً الشباب للهجرة بأن "ابعتله حدا يعطس حدّه"، والقصد أن يصاب بعدوى فيروس كورونا ليفتك بصحة ذلك المسؤول الفاسد.

طرافة الأغنية تتجلّى في أداء غانم بجديّة كبيرة متباينة مع السخرية المريرة في النصّ الذي يحكي عن هموم المواطنين وعجزهم أمام تفاقم الأزمات في أوطانهم في زمن صارت فيه وحدة الهمّ تجمع شعوب المنطقة في صراعاتهم ضد السلطات الفاسدة. يرافق غادة غانم في الأغنية ديفيد بو عتمة على آلة القانون، بشار إدريس على آلة الكمان، وزاد خليفة على الإيقاع. ويشير الفيديو إلى أن تنفيذ الأغنية المصوّرة تمّ بواسطة الهاتف الجوّال؛ إذ قام كل من الموسيقيين بتسجيل الجزء الخاص به في منزله على هاتفه، وأسندت لإيليّا حدّاد مهمة هندسة الصوت بالشكل النهائي، بينما قامت فرح شيّا بالتصوير بواسطة الهاتف ومن ثم العمل على المونتاج.

يشار إلى أن فريق العمل على الأغنية متطوع بشكل كامل، وهنا تشيد الفنانة غانم بعطاء الفنانين في زمن الجائحة على الرغم من صعوبة المرحلة في مقابل الجشع المتزايد لأصحاب رأس المال واستغلالهم لحاجات الناس. وعلى الرغم من قلة موارد الإنتاج، فإن الصورة في فيديو "يبعتلك" أتت غير متكلّفة وتحمل جمالية ببساطتها لا تخلو من الإشارات والترميز، فنرى الفنانة تعيش يومياتها في منزلها البيروتي ما بين الاهتمام بنباتاتها والتبضّع بسلة تنزلها من شرفتها إلى دكّان الحيّ. اللوحات والتحف الفنية في غرفة الجلوس تنطق متفاعلة مع كلمات الأغنية بتعليقات ساخرة أو مخاطبة صاحبة البيت، فتلفت نظرها مثلا لعدم الإسراف بصرف المياه أمام مشكلة شحّ المياه العذبة في بيروت. وفي مشهد آخر، نرى غانم تعاين حبّات من البندورة باهتمام بالغ، كأنما تعبّر عن قلق المواطن من تهديده بفقدان موارد معيشته الأساسية وأهمّها الغذاء. ولعلّ في اختيار البندورة الجبلية إشارة لمسرحيّة "الشخص" للأخوين الرحباني (1968) التي لعبت فيها فيروز دور بائعة متجوّلة للبندورة الجبلية، تقوم الحكومة بمنعها من البيع في الأماكن العامة واتهامها بالإخلال بالأمن وإزعاج السلطات، حارمة إياها من الاسترزاق، بينما تباع عربتها في المزاد العلني لتذهب عائدات البيع لخزينة الدولة.

سينما ودراما
التحديثات الحية

المتابع للفنانة غادة غانم عبر "فيسبوك" يلحظ غنى محتوى صفحتها ومضمونه الطريف والهادف. إذ إن السوبرانو اللبنانية معروفة بانخراطها في صفوف العمل السياسي الاجتماعي؛ فهي عضو في حركة "مواطنون ومواطنات في دولة" وعضو في بلدية بلدة صغبين؛ مسقط رأسها في لبنان.

هذا النشاط توازيه غانم مع عملها الأساسي كمغنيّة مستقلّة متخصصة في الغناء الأوبرالي، وكأستاذة غناء في المعهد الوطني العالي للموسيقى في لبنان. كما وتقدّم غانم دروسا في الغناء أونلاين كانت قد بدأت عند مغادرة تلاميذها لبنان ورغبتهم بمتابعة الدروس معها وإن عبر الشاشة، وقريبا قد يمتد نشاط الفنانة غانم في مجال التعليم عن بعد ليشهد تعاونا ما بينها وبين "معهد إدوارد سعيد الوطني للموسيقى" في غزّة، في محاولة لمدّ الجسور مع القطاع المحاصر. في أغنيتها "يبعتلك" تتابع غادة غانم عنايتها بالمساحة الخضراء الصغيرة في منزلها، في حين ما زالت المسارح والفضاءات الثقافية في لبنان والعالم ترزح تحت وطأة الوباء والأزمة الاقتصادية. وتكنس الفنانة في مشاهد متكررة من الفيديو بتلات الزهور الجافة عن أرضية منزلها الرخامية التي زيّنتها بصورة لنوتة فالس "دروب الحب" للمؤلف فرانسيس بولانك، وكأن في ذلك رسالة لأهمية التمسّك بالموسيقى والفرح لمقاومة الظروف العصيبة، والأمل بكنس الفساد يوما ما عن أرضية تؤسس لوطن جميل يشبه ما جاء في موّال شحادة عبّود ونداءات بائعة البندورة.

المساهمون