"هلع الممتلئ".. هذا ليس استشراقاً
خلال تاريخه الطويل، بلغ الفن الإسلامي آفاقاً فلسفية وتأملية، عبر جماليات تستكشف الهندسة والنباتات والحيوانات والنقوش وتبحث عن الفن في العلم والتصوف وغيرهما.
من هذا المنطلق تنظم القيمة التونسية خديجة حمدي سوسي معرضاً بعنوان "هلع الممتلئ"، لستة فنانين، في "غاليري سلمى فرياني"، الذي يتواصل حتى 19 كانون الثاني/ يناير المقبل.
تثير مثل هذه المعارض شيئاً من القلق، فلطالما اشتغل الفنانون المعاصرون على الفنون الإسلامية من زاوية استشراقية سواء أكانوا أوروبيين أو بـنزعة استشراق ذاتية إن كانوا مشرقيين؛ نلمح ذلك عند أسماء مثل المغربي منير فاطمي والإيرانية شيرين نشأت، لكن أعمال المشاركين في هذا المعرض لحسن الحظ تنجو إلى حد ما من هذه المقولة.
يشترك الفنانون الستة في أن مبدأ عملهم الأساسي هو توظيف معايير الفن الإسلامي و"المينيمالية"، رغم اختلاف توجهات أعمالهم وخلفياتهم، حيث يشارك في المعرض كل من الفلسطينية دانة عورتاني والتونسية فرح خليل والإيرانيون تيمو ناصري وعلاء ابتكار وهاليه ريدجيان والألماني بيتر فيبر، في مغامرة استكشاف يمكن من خلالها عصرنة الموتيفات الهندسية والزخرفة النباتية والمنمنمات، وإعادة توظيف عناصر الفن الإسلامي.
في أعمال الألماني بيتر فيبر (1944) يلجأ الفنان إلى التكرار والتلاعب بالخامات كما لو كانت لا نهائية، يحضر في المعرض من خلال عدة أعمال استخدم فيها تقنية الطيّ؛ فنّه المطوي يخلق في الأخير مادة متماسكة تماماً تبدو صلبة وطرية في آن، يطوي القطن والمعدن والكرتون والورق. يميل فيبر إلى أحادية اللون والشكل الهندسي ويقوم كل فنه على الربط بين بناء العمل الفني وتأثيره وابتكار هياكل كاملة من خامة واحدة يجري طويها إلى أن يكتمل العمل الفني.
الإيراني المولود في ألمانيا تيمو ناصري (1972) يقدم أعمالاً نحتية معمارية من ثلاثة أبعاد، يخرج فيها الشكل الزخرفي والهندسي الإسلامي من اللوحة مجسَّداً ومنحوتاً كما لو أنه يكشف للمتلقي الحالة اللانهائية الكامنة داخل لوحة من الفن الإسلامي، حيث تبدو الخطوط متداخلة ولامتناهية.
في حين تشتغل التونسية فرح خليل (1980) على زخرفة النبات أحياناً وفي أحيان أخرى على الشكل الهندسي، حيث قدمت أعمالاً زخرفية ذات أشكال مكررة بأبعاد مختلفة وباستخدام الحبر والأسلاك وشرائح أرقام الهاتف. من بعيد تبدو الرقاقة الإلكترونية مركز الكون، وحين نقترب نرى اللغة تحيط بها في مدارات لتبدو كما لو كانت مجرّة كونية قائمة بذاتها من اللغة والأرقام.
الشكل الهندسي والرياضيات وتحويل العلاقة البصرية بينهما إلى فن، أمور تسيطر على أعمال الإيرانية المولودة في ألمانيا هاليه ريدجيان (1971)، التي تعتمد بشكل أساسي على التكرار والمساحة التي تبدو فارغة لكنها مملوءة بالفراغ. لغة تجريدية طبيعية هي التي تتحدثها كل اللوحات وتقوم على القواسم المشتركة بين الرياضيات والهندسة.